عنوان الفتوى : الاعتصام بالله تعالى والولاء للإسلام ونبذ العصبية
رأينا في الأيام الأخيرة أثناء حرب غزة الكثير من التعصب في الانتماء لبلد معين، فمثلا تجد كل حاكم مسلم لجأ للدفاع عن موقف بلده، وكذلك عامة المسلمين، كل أخذ يقول أنا مصري وليس لي علاقة بغزة ولقد حاربنا كثيرا من أجلهم وقدمنا العديد من الشهداء في سبيل قضيتهم، وهذا الكلام أيضا يعني خرج بعض الشيوخ ليقوله فنحن نريد من حضراتكم أن توضحوا لنا حدود الانتماء لبلد معين في الإسلام، فالأصل أننا كلنا مسلمون ولكن يظهر من ينمي التعصب للوطن داخل أنفسنا فهل هذا صحيح ؟ فنريد من حضراتكم أن توضحوا لنا حدود الانتماء لبلد معين .؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أمرنا الله تعالى بالاعتصام بحبله جميعا ونهانا الله عن التفرق والاختلاف، فقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ... وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {آل عمران: 103 – 105}.
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ {الأنعام : 159}.
فكل اجتماع على شعار معين ـ غير الإسلام ـ يعقد عليه الولاء والبراء والحب والبغض والتعاون والتنافر والسلم والحرب، فهو مما نهى عنه الشرع الحنيف.
والحق أن يكون ولاء المسلم لدينه، ومحبته ونصرته لأهل ملته، دون نظر لوطنية أو قومية، أما إذا كان الانتساب للقبيلة أو الجماعة أو الوطن لمجرد التعارف والتعاون، لا التفاخر والتشاجر، فلا مانع من ذلك. كما سبق بيانه في الفتويين: 27966، 50056.
قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان: اعلم أنه لا خلاف بين العلماء في منع النداء برابطة غير الإسلام، كالقوميات والعصبيات النسبية، ولا سيما إذا كان النداء بالقومية يقصد من ورائه القضاء على رابطة الإسلام وإزالتها بالكلية، فإن النداء بها حينئذ معناه الحقيقي: أنه نداء إلى التخلي عن دين الإسلام، ورفض الرابطة السماوية رفضا باتا، على أن يعتاض من ذلك روابط عصبية قومية ... وقد بين الله جل وعلا في محكم كتابه: أن الحكمة في جعله بني آدم شعوبا وقبائل هي التعارف فيما بينهم. وليست هي أن يتعصب كل شعب على غيره، وكل قبيلة على غيرها. قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. اهـ.
فالمذموم من انتماء المسلم لبلده أو قومه أو جنسه إنما هو الانتماء الذي يراد منه التعاضد والتناصر لا باعتبار الحق والباطل، وإنما باعتبار القومية أو العرقية فقط. فكل دعوة إلى العصبية المذمومة، سواء كانت دعوة إلى قومية أو قبلية أو غيرها، من دعاوى الجاهلية، فالتعصب للعرق أو للجنس أو للوطن أو لأي شيء من العصبية المذمومة هو من دعوى الجاهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب. وصححه الألباني.
وقد سبق لنا بيان المقصود بالولاء والبراء في الفتوى رقم: 32852.
ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتويين: 114434، 35576.
والله أعلم.