عنوان الفتوى : حكم الاقتراض بالربا لسداد الديون
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين أما بعد: فاني أتوجه إليكم بسؤالي الآتي وهو التالي: هل يجوز لي إن كان للضرورة أحكام بأن أقترض قرضا من البنك العمومية المعروفة التي لا تقرض إلا بنسبة مئوية وذلك لخلاص ديون متخلدة بذمتي لمدة طويلة لم أستطع خلاصها لحد الآن وذلك لعدة أسباب منها الدخل غير الكافي ولست باغيا ولا عاديا ونحن في زمان غير الزمان ومكان غير المكان ولا أعتقد انه يوجد في أي بلاد حتى الإسلامية منها من هو يطبق قواعد الإسلام وقد قرأت حتى عن التي تسمى بالبنوك الإسلامية أنها في النهاية خاضعة للمصارف العالمية وقواعد لعبتها والله أعلم فما هو العمل إذا فلا تسألوني عن شيء آخر فقد سألت الناس أجمعين لعلي أتجنب الربا ولكن هيهات، الدين ولى ومضى وبدلوه بالعلمانية حتى أصبحنا لا دين ولا علم لنا وكأن ليس بديننا علم أنزله الله لنا فأصبحنا من الجاهلين والله أعلم بحالنا وغني عن سؤالنا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالاقتراض بالربا من كبائر الذنوب المتفق على تحريمها، ولا يجوز الاقتراض بالربا إلا لمضطر، فالضرورات تبيح المحظورات، وهذه قاعدة كلية دلت عليها النصوص، و اتفق عليها أهل العلم، ولكن ينبغي التنبه إلى أن الضرورة التي تجيز الاقتراض بالربا هي الضرورة المعتبرة شرعاً، وذلك كمن أشرف على الهلاك ولا يجد سبيلاً لإطعام نفسه إلا بالربا، أو كان في حرج وضائقة لا يدفعها إلا به كأن لم يجد لباسا يكسو به بدنه أو مسكناً يؤويه ولو بالأجرة، فمن وقع في مثل هذه الحال جاز له الاقتراض بالربا لأنه مضطر، ولكن بقدر الضرورة فإن الضرورة تقدر بقدرها، فيقتصر على ما تندفع به الضرورة.
وعلى هذا فلا يجوز لك الاقتراض بالربا لسداد ما عليك من الديون لأنك لست مضطراً لذلك، والواجب إذا كنت معسراً أن ينظرك الدائنون إلى ميسرة.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 6501، 22567، 49006، 56893.
أما بالنسبة للبنوك الإسلامية فجواز التعامل معها مشروط بأن تتم تعاملاتها بالضوابط الشرعية، كما أن الحكم على بنك ما بأنه إسلامي أو غير إسلامي يتوقف على التزامه في معاملاته بالضوابط الشرعية لا مجرد تسميته بنكاً إسلامياً. كما سبق بيان ذلك في الفتاوى الآتية أرقامها: 8114، 14288، 23419.
كما أن وقوع القائمين على بعض البنوك الإسلامية في بعض المخالفات الشرعية لا يساوي ولا يقارب ما تقوم به البنوك الربوية، لأن البنوك الإسلامية قامت على أساس إيجاد البديل المباح شرعاً في باب الأعمال المصرفية، والبنوك الربوية قامت على أساس التعامل الربوي، وقد يظن البعض تشابه جميع البنوك لعدم علمه الشرعي ببعض الفوارق بينها وتكون هذه الفوارق مؤثرة. ويمكنك أن تراجع ذلك في الفتاوى الآتية أرقامها: 8114، 14288، 23419.
وننبهك على أن قولك: والله أعلم بحالنا وغني عن سؤالنا خلاف ما ورد به الشرع، فدعاء الله تعالى وسؤاله أمر حث عليه الشرع، وفي بيان ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وسؤال العبد لربه حاجته من أفضل العبادات وهو طريق أنبياء الله وقد أمر العباد بسؤاله فقال وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ. ومدح الذين يدعون ربهم رغبة ورهبة، ومن الدعاء ما هو فرض على كل مسلم كالدعاء المذكور في فاتحة الكتاب، ومن هؤلاء من يحتج بما يروى عن الخليل أنه لما ألقي في النار قال له جبرائيل هل لك من حاجة فقال أما إليك فلا، قال سل قال حسبى من سؤالي علمه بحالي. وأول هذا الحديث معروف وهو قوله أما إليك فلا، وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله حسبنا الله ونعم الوكيل أنه قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال له الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم. وأما قوله حسبي من سؤالي علمه بحالي، فكلام باطل خلاف ما ذكره الله عن إبراهيم الخليل وغيره من الأنبياء من دعائهم لله ومسألتهم إياه، وهو خلاف ما أمر الله به عباده من سؤالهم له صلاح الدنيا والآخرة...، ودعاء الله وسؤاله والتوكل عليه عبادة لله مشروعة بأسباب كما يقدره بها فكيف يكون مجرد العلم مسقطا لما خلقه وأمر به. اهـ.
نسأل الله تعالى أن يقضي عنك ديونك وأن يرزقك رزقاً واسعاً.
والله أعلم.