عنوان الفتوى : طريق الهداية والثبات على الحق
أنا شاب في السابعة عشر من عمري وقد هداني الله للإيمان ولكني لا أعرف أمور ديني، وأهلي كلهم لا أحد منهم يصلي وكلما أقول لهم توبوا إلى الله يسخرون مني، أنا أخاف أن أقع بالفتن ولا أحد يهديني للطريق الصحيح، أخبروني ماذا أفعل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله لك تمام الهداية ودوامها والسداد والثبات، وأن يصرف عنك بفضله كيد الشيطان ووساوسه.
واعلم أيها السائل أن الهداية كالرزق ينالها من يسعى لها ويطلبها بإذن الله تعالى، قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.{العنكبوت: 69}.
فإذا أردت الهداية ودوامها فاسلك سبيلها، واترك ما ينافيها، وجاهد نفسك والشيطان وخالفهما، وستجد الهداية إن شاء الله، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {الليل:5-7}. ولمعرفة سبل مواجهة الشيطان وكيده راجع لزاماً الفتوى رقم: 12928، ففيها إن شاء الله ما يكفيك في هذا الأمر.
وأما بخصوص أهلك وإيذائهم لك بالسخرية ونحو ذلك, فنوصيك بالصبر عليهم وعلى أذاهم , والدعاء لهم بالهداية والسداد ثم حاول معهم بكل وسيلة أن تأخذهم إلى صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض, وأن تدعوهم إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة, واعلم أن من أعظم أسباب استمالة قلوبهم هو أخلاقك الحسنة ولطفك في معاملتهم فهذا له أثر كبير في تأليف القلوب وأسرها, وهكذا كان الصادق الأمين صوات الله وسلامه عليه ؛ حتى فتح الله به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا, قال سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمر {آل عمران: 159}.
واعلم أن من أعظم أسباب الثبات على الهدى والحق هو القيام بأوامر الله سبحانه وأوامر رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم – قال سبحانه : يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ {إبراهيم: 27}.
قال السعدي - رحمه الله –: يخبر تعالى أنه يثبت عباده المؤمنين، أي: الذين قاموا بما عليهم من إيمان القلب التام، الذي يستلزم أعمال الجوارح ويثمرها، فيثبتهم الله في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومراداتها , وفي الآخرة عند الموت بالثبات على الدين الإسلامي والخاتمة الحسنة، وفي القبر عند سؤال الملكين، للجواب الصحيح. اهـ
وقال سبحانه: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا {النساء : 66 – 68}.
يقول السعدي – رحمه الله –: فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان، الذي هو القيام بما وعظوا به، فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب، فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها، وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد. فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر. فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك، ويحصل له الثبات على الدين، عند الموت وفي القبر.
وأيضا فإن العبد القائم بما أمر به، لا يزال يتمرن على الأوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات. اهـ.
وننصحك في النهاية بالصحبة الصالحة التي تعينك على طاعة الله ومرضاته, فقد قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.{التوبة : 119}.
والله أعلم.