عنوان الفتوى : عملية المرابحة المذكورة مشتملة على مخالفات شرعية

مدة قراءة السؤال : 5 دقائق

أنا موظف في الجزائر وقد قمت منذ بضعة شهور بشراء سيارة بالمرابحة ودفع ثمنها بالتقسيط عن طريق أحد البنوك الإسلامية، وهذا بعد أن اطلعت على محتوى فتوى الدكتور حسين حسين شحاتة التي تجيز هذا النوع من التعاملات، وشهادة لله أني كنت مترددا في الدخول في هذه العملية لسببين رئيسيين هما:أنني سمعت محاضرة لأحد المشايخ لا أتذكر اسمه حيث حرمها جملة وتفصيلا واعتبرها بعيدة كل البعد عن مفهوم المرابحة كما عرفها الشرع، كما أنها تدخل في بيع ما لا يملك وأنها ، حتى أنه قال الأجدر التعامل مع بنك يتعامل بالربا الصريح خير من التعامل مع بنك يدعي التعامل وفق الشريعة الإسلامية وهو بعيد عن ذلك. ثانيا: أنني أجهل المراحل التي تتم بها هذه العملية في البنك المذكور لكي أطابق بينها وبين ما هو مذكور في الفتوى المذكورة. وبصراحة فقد تغلبت على تلك الترددات واشتريت السيارة، فقد بدا لي أن صاحب المحاضرة متشدد، وبحكم وجود فتوى تجيز ذلك فالاختلاف بين العلماء رحمة، أما فيما يخص طريقة تعامل البنك فقد افترضت فيه تطبيق مختلف بنود الفتوى وقلت في نفسي أنهم يتحملون الإثم إن كانوا يخالفون ذلك. والآن وبعد أن اشتريتها وقمت بدفع المستحقات الشهرية لخمسة شهور، فإنه لا يزال يراودني الشك في الطريقة التي تمت بها العملية، وقد ازدادت شكوكي هذه بعد أن ضاع مني مبلغ 1000 دج للمرة الثالثة خلال هذه الفترة فقط (6 أشهر) -حيث لا أذكر أنني ضيعت مبلغا ذا أهمية قبل ذلك ناهيك عن هذا المبلغ، فخفت أن يكون الله عز وجل قد آذنني بحربه الموعودة على المتعاملين بالربا. وإليكم الطريقة التي تمت بها العملية، حتى يتيسر لكم الحكم عليها: اتصلت أولا بمورد السيارات وحصلت على الفاتورة الشكلية للسيارة ومواصفاتها، حيث قدر سعرها ب 755.000 دج. كونت الملف اللازم طلب التمويل، الوعد بالشراء، الفاتورة الشكلية،ودفعته للبنك، حث طلبت منه تمويلي بمبلغ 570.000 دج وأقوم أنا بدفع الباقي أي ما قيمته 185.000 دج. بعد موافقة البنك، سددت المبلغ الذي ساهمت به إلى حساب المورد في البنك مباشرة ثم أخذت المستندات التي تبين موافقة البنك على التمويل وتسديد مبلغ المساهمة وسلمتها أنا شخصيا إلى المورد، حيث قام هذا الأخير بتحرير طلب الشراء باسم البنك ومكتوب عليه لصالح الشخص الفلاني. بعد وصول السيارة اتصلت بالمورد الذي أعطاني الفاتورة النهائية للسيارة وقمت بتسليمها للبنك مقابل الشيك الخاص بالتمويل وهذا بعد أن دفعت مبلغ يقدر بحوالي 22.500 دج للبنك، قيل لي أنها حقوق البنك مقابل معالجة الملف طبعا هو ليس بمبلغ الجدية المذكور في الفتوى لأنه غير قابل للرد بأي حال من الأحوال. سلمت الشيك للمورد فأعطاني وثائق السيارة وقمت بعمل عدة نسخ عنها، ثم قمت بتأمين السيارة عند شركة تأمين تأمين ضد كل الأخطار 31.000 دج، حيث إن هذا النوع من التأمين هو شرط أساسي من شروط البنك ويبقى ساريا طيلة فترة تسديد السيارة 5 سنوات. بعدها سلمت نسخا من هذه الوثائق للبنك وأمضيت الوثائق المتبقية حيث عرفت في هذه المرحلة بالضبط المبلغ بالتدقيق الذي يجب علي دفعه شهريا للبنك. بعدها أخذت كل تلك الوثائق للمورد، حيث سلمت لي السيارة بعد أن قمت أنا بنفسي بمعاينتها واستلامها مباشرة من المورد. وبعد مراجعتي لبعض الوثائق وجدت أنه مكتوب في إحداها أن البنك قد فوضني من أجل أن أقوم بالاتصال بالمورد وبمعاينة السيارة في مكانه. والآن بعد سماع القصة كاملة أفيدوني من فضلكم: هل هي عملية مرابحة حقيقية؟ ماحكم المبلغ الذي دفعته أنا مباشرة إلى المورد إن كان البنك هو الذي اشترى السيارة في المرة الأولى؟ هل يحق للبنك تفويضي للقيام بتلك العمليات؟ أولا يجدر به أن يعلمني بذلك قبل العملية؟أليس أن البنك قد باعني السيارة قبل أن يمتلكها؟ إن كان قد امتلكها أصلا. هل من حق البنك أن يشترط علي أي نوع من التأمين أؤمن به السيارة؟ ألا يجدر بالبنك أن يعلمني بالتدقيق بالمبلغ الذي سيبيعني به السيارة وليس مجرد تقديرات؟ نسب مئوية لا أعرف كيفية حسابها. مؤخرا اشترطت الدولة الجزائرية على البنوك إعادة حساب الفائدة التي يتوجب على الزبون دفعها في حالة ما إذا أراد دفع المبلغ المتبقي جملة واحدة، حيث يؤخذ بعين الاعتبار المدة التي تم خلالها تسديد المبلغ، هل يجوز ذلك شرعا؟ في حالة ما إذا كانت هناك أي مخالفة شرعية في هذه المعاملة، ما المخرج من هذا المأزق الآن؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبيع المرابحة للآمر بالشراء لا حرج فيه إذا توفرت فيه الضوابط الشرعية، والتي سبق بيانها في الفتاوى الآتية أرقامها: 1608، 12927، 45858، 72004. وهو ليس من قبيل بيع ما لا يملك لأن البنك لا يبيع السلعة قبل قبضها، ولكن يكون هناك وعد من العميل بالشراء، وهذا الوعد غير ملزم.

وقول القائل: الأجدر التعامل مع بنك يتعامل بالربا الصريح خير من التعامل مع بنك يدعي التعامل وفق الشريعة الإسلامية وهو بعيد عن ذلك.. فهذا القول فيه نظر إذ إن كلا التعاملين غير جائز ، ولكن حرمة الربا أشد من تعاطي العقود الفاسدة، إلا إذا كان بيع المرابحة مجرد حيلة للحصول على القرض الربوي.

والذي يظهر لنا أن عملية المرابحة المذكورة قد اشتملت على مخالفات شرعية تظهر من خلال تفصيل الجواب:

 

1- بالنسبة للمبلغ الذي دفعته للمورد فلم تذكر لنا وجهه، والذي يظهر لنا عدم جوازه لأنك إذا كنت دفعت المبلغ لأنك اشتريت السيارة من المورد فلا معنى لبيعها للبنك بعد ذلك.

2- تفويض البنك لك للقيام ببعض العمليات لا حرج فيه إذا كان ذلك متابعة لبعض الأمور المتعلقة بالشراء، ولكن لا يجوز أن يكون المشتري وكيلاً عن البنك في الشراء والتسليم ؛ لأن التوكيل في القبض وإن كان محل خلاف بين الفقهاء فالذي يظهر لنا في مسألة توكيل الآمر بالشراء أن الإفتاء بالمنع على مذهب الشافعية هو المتعين الذي لا يجوز غيره، وذلك لسد ذريعة الاقتراض بالربا والتحايل عليه، وهذا الذي أخذ به جماعة من أهل العلم المعاصرين . وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 95134,

3- الظاهر أن البنك لم يعقد معك البيع قبل دخول السيارة في ملكه وعلى هذا لا يدخل هذا في بيع ما لا يملك.

4- بالنسبة لاشتراط البنك التأمين على السيارة -على فرض جواز المعاملة - فإذا كان تأمينا تجاريا فهو حرام، ولا يجوز اشتراطه كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 472، والفتوى رقم: 2593، والفتوى رقم: 24415،

5- لا بد في البيع أن يكون الثمن معلوماً، فإن كان بنسب متغيرة فهذا غير جائز، أما إذا كان بنسبة يمكن حسابها بحيث يكون لكل شهر مبلغ محدد وعدد الشهور معلوم فلا حرج في ذلك لسهولة معرفة الثمن.

6- إعادة حساب الفائدة التي يتوجب على الزبون دفعها في حالة ما إذا أراد دفع المبلغ المتبقي جملة واحدة، حيث يؤخذ بعين الاعتبار المدة التي تم خلالها تسديد المبلغ، هل يجوز ذلك شرعا سبق في الفتوى رقم:30303، بيان أن إسقاط جزء من الدين مقابل تعجيل بعضه لا يجوز عند جماهير الأئمة الأربعة وهو ربا، يعرف بقاعدة ضع وتعجل عند أهل العلم.

وبهذا يظهر عدم جواز التعامل بهذه الصورة لاشتمالها على عدة مخالفات شرعية، والمخرج من هذا بعد التوبة إلى الله عز وجل أن يتم فسخ البيع، ولا حرج بعد ذلك أن يتم الاتفاق بينك وبين البنك بشروط جديدة خالية من المحاذير الشرعية ، فإن تعذر فسخ البيع فعليك التوبة إلى الله عز وجل، ولا حرج في الانتفاع بالسيارة على أن تقوم بدفع باقي الثمن بالأقساط التي تم الاتفاق عليها .

ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 49085، 67785، 67930، 6945، 93374، 101342، 108095.

 

والله أعلم.