عنوان الفتوى : مجالسة المجاهر بالمعصية المفتخر بها مضرة في الدين والدنيا
لي صاحبة فى العمل تجاهر بالزنا ولها علاقة بغير زوجها وأخشى أنني لا أستطيع أن أنصحها بترك الحرام على الرغم من معرفتها المسبقة بأنني لا أحب كلامها وتجاهرها بالمعصية بكل فخر مع احتفاظها بالصور الفاسقة والفاحشة بكل ما يثبت جريمتها إذا صح التعبير، أنا أحبها وكم نصحتها بأن الزنا حرام هو يخون زوجته وهي تخون زوجها، فما حكم مصاحبتي لها إذا لم ترجع عن طريق الحرام، وكيف العمل وحكم الله فيها فى هذه الحالة وأنا أرى أنها سعيدة وتمتلك كل ما يتمناه المؤمن من مال، جمال، أولاد، زوج، وكل شيء فقط حجتها إنها تحب فهل الحب يعيش فى الحرام؟ جزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالزنا فاحشة قبيحة وجريمة شنيعة، وهو طريق الشيطان الموصل إلى مقت الله وغضبه، قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الإسراء:32}، وهو وإن كان كذلك في حق المتزوجة وغير المتزوجة؛ إلا أنه في المتزوجة أعظم جرماً وأقبح فعلاً، ولذا كانت عقوبة المتزوجة أشد من عقوبة البكر، فالبكر تجلد مائة، والثيب ترجم حتى الموت، وذلك لتدنيسها فراش الزوجية وخيانتها لزوجها الذي ائتمنها على عرضه ونفسها، وما ينتج عن ذلك من اختلاط الأنساب، وإلحاق أولاد بشخص ليس هو أباهم في حقيقة الأمر.
وهذه المرأة قد جمعت مع هذه الجريمة جريمة أخرى تدل على خراب قلبها وفساد دينها وسفاهة عقلها, ألا وهي المجاهرة بالمعصية والتباهي بها, وهذا الفعل منها يبيح غيبتها ويحل ذكرها بقبيح فعلها, ويبعدها عما عسى أن يطولها من العافية, جزاء ما أقدمت عليه من كشف ستر الله عليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه.
جاء في فتح الباري: وقال الطيبي: الأظهر أن يقال: المعنى كل أمتي يتركون في الغيبة إلا المجاهرون، والعفو بمعنى الترك وفيه معنى النفي كقوله: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) والمجاهر الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها، وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به. انتهى.
وحيث إنك قد ذكرت أنك كثيراً ما نصحتها وذكرتها وهي على ما هي عليه من مقارفة الإثم واكتساب الفاحشة فاقطعي علاقتك بها ولا تستمري في صحبتها، ولا سيما إذا كان هجرها وقطيعتها يفيد معها، فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم–: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وحسنه الألباني... جاء في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: وكامل الإيمان أولى لأن الطباع سراقة، ومن ثم قيل: صحبة الأخيار تورث الخير وصحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرت على النتن حملت نتنا، وإذا مرت على الطيب حملت طيبا. انتهى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة. رواه البخاري ومسلم. جاء في فتح الباري: وفي الحديث النهى عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما. انتهى.
ولا شك أن المجاهر بالمعصية المفتخر بها مجالسته مضرة في الدين والدنيا, لأنه قد يؤثر على صاحبه ويجره إلى مثل ما يصنع, فالصاحب ساحب، ومن جالس جانس، كما قيل.. وأيضا فإن أمثال هؤلاء الفساق المتبعين لشهواتهم وأهوائهم دائما وأبداً يريدون من الناس أن ينحرفوا إلى مستنقع الرذيلة كما انحرفوا، قال الله سبحانه: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا {النساء:27}, قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: أي: يُريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة {أَنْ تَمِيلُوا} يعني: عن الحق إلى الباطل. انتهى. وجاء في تفسير الألوسي عند هذه الآية: وعن مجاهد: أن تزنوا كما يزنون. انتهى.
وأما ما ذكرت من نعم الله عليها من مال وجمال وأولاد فلا تغتري بذلك فهذا من هوان الدنيا على الله سبحانه أن يهبها للعصاة والمجرمين بل وللكافرين استدراجا لهم ومكرا بهم, قال سبحانه: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ {آل عمران:196-197}، وقال سبحانه: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ {الأنعام:44}, جاء في تفسير ابن كثير: قال الحسن: مكر بالقوم ورب الكعبة؛ أعطوا حاجتهم ثم أخذوا. رواه ابن أبي حاتم, وقال قتادة: بَغَت القومَ أمرُ الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعيمهم فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون. انتهى.
فلا يغرنك ما هي فيه من زهرة الدنيا الزائلة وزخرفها البائد، بل ولا تمدي عينيك لهذا أصلاً، قال الله سبحانه: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى {طه:131}، وللفائدة في ذلك تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 107545، 63939، 66718.
والله أعلم.