عنوان الفتوى : عاقبة التنافس على الدنيا وأهمية إصلاح ذات البين

مدة قراءة السؤال : 5 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم.. أما بعد أريد قولاً منكم في هذه القصة لي أخ (1975) كان أبي جداً قاسيا معه لدرجة أنه يمنعه عن اللعب أمام البيت مع أبناء الجيران كلما يحس أخي بقدوم أبي يشعر بالخوف والقشعريرة كان أبي سبب خروج أخي من المدرسة في عمر مبكر وطرده من البيت في عمر (11 و18 و21 سنة)، وللعلم والدي رجل متدين ولله الحمد نحن كلنا بارون لهم (الوالدة أيضا) أطال الله عمرهما المهم أن أخي قال لنا كلما طردني أبي خصوصا في سن مبكر أفكر في الذهاب إلى اقتناء سيجارة أو شرب الخمر أو أو...... لكني أتذكر أمي المسكينة التي لا وجود لها أمام والدي هداه الله وأتراجع خصوصا وأني كنت أبلغ 11 سنة، كبر أخي ولله الحمد أشتغل في إحدى الشركات سائقا فوفر قليلا من المال واشترى شاحنة هو وعمي بعد مدة من الزمن قال أخي لعمي نبيع الشاحنة ونشتري أخرى جيدة قال له عمي لا، بعد أسبوع أو أقل اتصل رجل بأخي وقال له لقد اشتريت الشاحنة من عمك (الشاحنة باسم أخي لكنه لا يريد أن يأكل حراما) سلم أمره لله وقال المسكين لنا كلما أردت أن أشتغل مكروا لي (ومع الوقت فوجئنا أن المشتري كان أبي والرجل الذي اتصل بأخي)، اقترض أخي مالا من أصدقائه قصد تجنب الربا إضافة إلى ما عنده من المال واشترى شاحنة وحده وقال سلمت أمري لله فعوضني خيراً كنا اثنين فأصبحت وحدي والحمد لله أنني لم أكن البادئ، العائلة كلها تقريبا لها دور سلبي اتجاهنا لأن أبي يحرص على أن تبقى العائلة متماسكة وينسى أننا نحب العائلة أيضا فإذا تناقش أخ أو أختي أو أنا أيضا مع طرف آخر حتى ولو كان ابن عمي مثلا (1986) أنصفه أبي ولا يعطه للمظلوم لدرجة أن أبي قال ذات يوم (لي 8 أولاد وأخوين وأسفل نعل أخوي أفضل لي من الأولاد)، دائما هكذا حتى أصبح الصغير والكبير يتطاول علينا أما إن سألتم عن دور الوالدة فهي المسكينة مثلنا وكنا دائما نصبر ونحتسب لكن القوم لا يزيدون إلا ظلما فبعد أن اشترى أخي الشاحنة كما قلت قبل غاظ ذلك البعض وبدأ عمي يشد الخناق على أخي مرة أخرى ويمنعه من الدخول إلى الشركة كي يملأ الشاحنة ومع الوقت اكتشفنا أن سبب المنع هو أن عمي يريد أن يستولي على الزبائن الذين يتعامل معهم أخي فقد اتصل عمي بهم وقال لهم سأجلب لكم السلعة مكان فلان لكنهم قالوا له إن لم يجلبها فلان فلا نريدها لحسن خلقه ومعاملته، أخي يبلغ الآن 33 سنة ثار غضبه وبدأ يتذكر أيام صباه القاصية التي مر بها وقال كل هذا فعله أبي لأنه كان لا يتقي الله فينا ورغم ذلك وجدنا كلنا بارين فماذا يريد أبي منا، كما قلت الصغير والكبير تطاول علينا، حدث خصام لا نتمناه لأحد من المسلمين بين أخي وعمي والجدال بدأ قبل 5 أو 6 أشهر ولا من ينهي عن المنكر الكل يتفرج لأنه لا أحد يستطيع أن يواجه عمي أو يغضبه لا أعلم لماذا أبي أيضا لم يقل شيئا في تلك الفترة واكتفى بالقول لأخي قل في صلاتك اللهم خذ الحق وأبي أكبر إخوته بالمناسبة، في الأخير صدرت كلمة من أخي هنا تدخل أبي ضد أخي رغم أنه كان بجانبه قبل ذلك، ومنعه من البيت مرة أخرى، أنا تكلمت مع أخي وسألته لماذا يا أخي قلت تلك الكلمة فقال لي، لي 33 سنة من صغري وأنا أتجرع مرارة الويل والقهر والظلم ولا من يقول كلمة حق وحياتي تضيع الآن وأقراني كلهم تزوجوا إلا أني لا أستطيع بسبب المشاكل فقط وقلت تلك الكلمة لأنه لم أكن أعي ما أقوله، أنا شخصيا أتألم كثيرا لما وقع فهذا أخي والآخر عمي وهناك نقطة أخرى أريد قولها (عمي يسمع كثيراً لما تقوله زوجته زوجة عمي الآخر وبنات الأخيرة ومعظمهن لا يصلين) أنا بعيد منهم لأني مهاجر قصد الدراسة فكيف نتدخل بالله عليكم خصوصا أن العائلة كلها تتحيز للمنكر يعني أننا في دوامة الآن ولو بقيت أحكي لما انتهيت أكتفي بهذا؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فموقف أبيك منكم عموماً ومن أخيك خصوصاً غير عادل، إذ على الأب في مثل هذه المواقف ألا ينحاز إلا للحق ولا يقوم إلا بالقسط امتثالاً لأمر الله القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {النساء:135}، وقول الأب إن نعل أخيه أفضل من أولاده غير جائز وهو من جحود نعمة الله، فإن الولد من أعظم نعم الله على العبد، ولو أن هذا الأب حرم نعمة الولد لما قال ما قال، ولكم رأينا من أناس حرموا نعمة الولد يودّ أحدهم لو رزق ولداً ولو معاقاً، ولكن الله قد تفضل على هذا الأب بالولد فقابل نعمة الله بالتنكر، وكيف يفعل هذا وقد وصاه الله بأولاده وصية مؤكدة، حيث قال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ  {النساء:11}، قال السعدي رحمه الله: أي: أولادكم -يا معشر الوالدين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. انتهى.

ولكن على أية حال ينبغي بر الأب ومصاحبته بالمعروف والإحسان إليه مهما بدر منه في حقكم، وأما العم فلا ينبغي أن يكون هذا سلوكه مع ابن أخيه الذي هو في منزلة ابنه وكان عليه بدلاً من هذا أن يقف معه وأن يكون عوناً له على مصاعب الدنيا وحوادث الدهر، وما فعله من ذهابه للزبائن ليصرفهم عن ابن أخيه ليأتي هو بالسلع بدلاً منه لا يجوز وهو داخل في نهيه صلى الله عليه وسلم حيث قال: لا يبع أحدكم على بيع أخيه. رواه البخاري وغيره.

والناظر في هذه المشكلات التي تحدث في محيط عائلتكم وبين أفرادها يجد سببها الأساسي هو التنافس في الدنيا فهذا هو أصل الداء وأساسه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في الحديث المتفق عليه: فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم.

فأعلمهم أخي رحمك الله أن حب الدنيا رأس كل خطيئة، ويكفي في ذمها أن الله سبحانه وصفها في كتابه بأنها لهو ولعب، قال سبحانه: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {الحديد:20}،

 فماذا يريد الناس من دار هي لعب ولهو وغرور، قال أحد الصالحين: الدنيا بحر عجاج ليس راكبه بناج، هدوؤها انزعاج وسكونها اختلاج ضيقة الفجاج كدرة المزاج لا تغرنك ولو ألبستك التاج، من صح فيها أمن ومن سقم فيها ندم، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها فتن، حلالها حساب وحرامها عذاب.

فواجبك أخي تجاه عائلتك هو النصيحة والتذكير بالدنيا ووضاعتها وفتنتها وسرعة انقضائها وزوالها، وأنه لا ينبغي أن تكون سبباً في قطع ما أمر الله بن أن يوصل من الأرحام، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من فساد ذات البين، وسماه الحالقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني..

 وفقك الله لإصلاح ذات بينكم، وللفائدة راجع في ذلك الفتوى رقم: 111863، والفتوى رقم: 8173.

والله أعلم.