عنوان الفتوى : خطيبها يسبها ويهينها ويدعي أن ذلك مشروع له

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

أرجو أن تفيدوني في مشكلتي, أنا فتاة أبلغ من العمر 22 سنة, مخطوبة لشخص منذ 3 سنوات, في البداية كنت أشعر بحبه الشديد لي, ومنذ أكثر من عام, بدأت أشعر بحبه لي يقل, حتى أصبحت أشعر أنه لا يحبني, ومهما فعلت من أمور جيدة لا يراها بشكل جيد, ويراها أمورا سيئة, وأشعر به يبتعد عني, لكن هذا جزء من المشكلة, أما المشكلة الكبيرة التي أعاني منها, فهي أنه سريع الغضب, عصبي جدا, كل ما يطلبه مني أنفذه له وأطيعه, وفي الفترة الأخيرة طلب مني أن لا أتضايق مهما فعل معي, حتى وإن أهانني, ويجب أن أكتفي بالتجاوز عن الموضوع, وأن لا أذكر له أنني تتضايقت من تصرفه, أو أنه أخطأ بحقي, يريدني أن أكون بلا مشاعر ولا أحس, وإن تكلمت يقول لي بأنني زوجة غير صالحة, ويتهمني بالنكد لأني لا أريد أن يلغي الإحساس لدي, فأنا بشر, ولا أستطيع أن أكتم في نفسي, فهل الإسلام يأمرني بذلك؟ هل يرضى ديننا بالذل للمرأة؟ مع العلم أنه لا يتجاوز لي حتى عن هفواتي, وأعمالي الجيدة لا يراها سوى أعمال سيئة حتى حبي له أضحى يراه ادعاء, وأقسم بالله أنه ليس كذلك. وأكثر ما يثير الضيق في نفسي هو أنه عند حصول أي خلاف يبدأ بشتمي وسبي حتى أمام أهله, ويسب بألفاظ لا تطاق, اعذروني لذكرها, سأذكرها فقط لتوضيح حالي, مثل(يفضح عرضك, عيب على عرضي إن لم أحب غيرك, أنت بتفهميش, مع ستين كندرة أعتذر لكتابتها وغيرها من الألفاظ, ويتحجج بأنه ذكر, وبأن الإسلام يبيح له ذلك, ويجب أن أعتذر له دائما حتى وإن أخطأ هو معي. هو لم يكن كذلك, لكن منذ فترة عام, بدأ يتغير, أنا لا أنكر أن له أمورا جيدة, لكن مع استمرار تغيره بدأت الأمور السيئة تطغى على الجيدة, وخاصة أنه يكثر من تهديدي بالترك, ولأتفه الأسباب, وأحيانا لا يكلمني لأكثر من أسبوع حتى أبادر أنا بالكلام معه, لكني لا أريده أن يعتاد على سبي وشتمي, خاصة وأننا لا نزال في مرحلة الخطبة. هو يرفض أن يعترف بأنه المخطئ فأستشير أهله إن كنت أنا المخطئة, ودائما يقولون لي بأنه هو المخطئ. لدرجة أن بعض أهله نصحوني بتركه إن كان سيظلمني هكذا لأنهم لا يرضون بالظلم. لا أدري ماذا أفعل, أصبحت أعيش في عذاب من تغيره معي, وسوء تفسيره للدين, بأنه يحق للرجل كل شيء, والمرأة لا يحق لها شيء. أرشدوني ماذا أفعل, وآمل أن تأخذوا بعين الاعتبار كل ما قلته, بالإضافة إلى أنني أحبه ولا أطيق تغيره معي أو سبه لي , وأننا لا نزال في مرحلة الخطبة ولم نتزوج بعد، والذي كان يمنعنا من الزواج هو المال, وأنني لم أخبر أهلي بأنه يسبني لأنهم سيلغون الخطبة وقتها لأنهم لا يرضون بهذا الأمر. علما بأنني سأعرض عليه الفتوى؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننبهك أولا أيتها السائلة إلى أمر هام طالما ذكرناه وكررناه ونبهنا عليه في عشرات الفتاوى, وهو أن العلاقة بين المخطوبين إنما هي كالعلاقة بين الأجانب تماما, كل ما هنالك أن الشرع قد أباح له النظر إليها والتعرف عليها لكي يختار من تطيب له من النساء كزوجة, فإذا حدث هذا وتمت الخطبة وركن كل منهما لصاحبه ورضي به شريكا لحياته, فعندها ينبغي أن تتوقف العلاقة حتى يتم عقد الزواج, وواضح من كلامك أيتها السائلة أن الأمر بينك وبين خطيبك لم يقف عند هذه الحدود الشرعية بل تجاوزها إلى الانبساط الشديد في المعاملة, ولولا هذا الانبساط ما وجد خطيبك إلى سبك وإهانتك سبيلا, بل الذي جرأه عليك هو هذا الانبساط الزائد, ولا يُستبعد أن يكون ما أنت فيه من قلق وهم وضيق وتغير في معاملة خطيبك إنما هو من هذه المعصية المذكورة, ومن هذا التوسع في العلاقة وأنتما مازلتما أجنبيين.

وأما ما يقوم به خطيبك من سب وإهانة لك ودعاء عليك بفضح العرض ونحوه فهو حرام بإجماع المسلمين, بل هو مما يوجب الفسق لصاحبه, فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –: سباب المسلم فسوق.

فليت شعري كيف استباح هذه المعاصي بحجة أنه ذكر, وأي شرع وجد فيه هذا, اللهم إلا إذا كان شرع الشيطان, وأعجب من هذا وأبشع هو جرأته على ربه بقوله: إن الإسلام يبيح له هذا. ألا فليستغفر الله ربه من هذه الكذبة العظيمة، والله عز وجل يقول: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا.  {الأنعام:93} , ويقول سبحانه: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  {النحل:116، 117}.

ألم يدر هذا الإنسان أن القول على الله بغير علم من أكبر الكبائر, بل هو فوق الشرك, قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:33}.

قال ابن القيم عند تفسيره لهذه الآية: فرتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه، وقال تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم. فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه، وقال بعض السلف ليتق أحدكم أن يقول أحل الله كذا وحرم كذا، فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا. انتهى.

وأما قولك: هل جاء الإسلام بإذلال المرأة ؟ فنقول لك :لا والله ما جاء الإسلام إلا بإعزاز المرأة وإكرامها, فلا تغتري بقول هذا الرجل لك فقد بينا لك خطأه.

إن فقهاء الإسلام وعلماءه العظام قد جعلوا ما يصدر من الرجل من أذى لزوجته مما هو أقل من ذلك بكثير يجيز لها طلب الطلاق ولو حدث مرة واحدة لم يتكرر بعدها, بل ليس هذا فحسب بل أوجبوا مع الطلاق التعزير البليغ الذي يردع هذا الذي يسب زوجته ويهينها.

 قال خليل: ولها التطليق بالضرر البين ولو لم تشهد البينة بتكرره. انتهى.

 وقال الدردير في الشرح الكبير، فقال: ولها أي للزوجة التطليق بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعا، كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها، نحو: يا بنت الكلب، يا بنت الكافر، يا بنت الملعون، كما يقع كثيرا من رعاع الناس، ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق، كما هو ظاهر، وكوطئها في دبرها. انتهى .

وبناء على ذلك فإنا ننصحك بترك هذا الشاب وفسخ خطوبته لقول النبي– صلى الله عليه وسلم-: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن.

 وهذا الشخص الذي ذكرتيه لا تتحقق فيه هذه الصفات, فعليك بصاحب الدين فإنه إن أحبك أكرمك وإن كرهك لم يظلمك.

وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32171، 61570،  109013، 95507،  27662،  69186.

والله أعلم.