عنوان الفتوى : حول التنقيب عن الآثار وبيعها وضمان المفقود منها

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا أعمل مع شركاء لي أكثر من ثلاثة في التنقيب عن الآثار وضعوا معي القطعة وجاء ثلاثة من الشركاء لتفحص القطعة وتفحصناها واتفقنا على موعد للبيع, فطرق الباب طارق فقمت لآذن له بالدخول وأذنت له فدخل فناولوني القطعه ملفوفة بمحرمة من الطاولة وأخذتها ووضعتها في جيبي دون تفحصها, وقال أحدهم لي ماذا أعطيناك فقلت له القطعه طبعا مشيرا إلى جيبي, وقام أحدهم وغادر وبقي اثنان منهما ساعة من الوقت وفي اليوم الثاني أنفسهم ولم يسألوني عنها وفي اليوم التالي جاؤوا أنفسهم على الموعد المتفق عليه سابقا, فقمت إلى جيب الجاكيت الذي وضعت القطعة فيه فلم أجد القطعة سوى المحرمة فاتهموني فيها, سؤالي بعد إذنكم : 1. ماذا يترتب علي شرعا وأيضا على شركائي الثلاثة وعلى باقي الشركاء الغائبين؟ علما بأننا نعلم جميعا أن التنقيب عن الآثار ممنوع وهل يجوز المقاضاة على ذلك شرعا؟ . الشركاء يتهمونني بأني سرقت القطعة. 2.الشركاء يتهمونني بـأني قصرت في حفظ الأمانة علما بأنني قد وضعتها في جيب الجاكيت الداخلية.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا حرج على المسلم في البحث والتنقيب عن أموال الكفار الذين كانوا قبل الإسلام أو أمتعتهم في أرض مملوكة له أو ليست مملوكة لأحد، ومن عثر على شيء من ذلك - مما يباح اقتناؤه وبيعه- فيجب عليه أن يخرج خمسه، ويصرفه في مصارف الزكاة، وما بقي بعد إخراج الخمس فهو ملك له يتصرف فيه بما أحب من البيع أو التجارة أو القنية، ولا عبرة بقانون يمنع من ذلك.

 والأصل في ذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: وفي الركاز الخمس. والشاهد من الحديث هو: أن الشارع أوجب على واجد الركاز -أموال الكفار الذين كانوا قبل الإسلام- أن يخرج خمسه ويستبقي أربعة أخماسه، وهذا يستلزم الإذن فيه، وما دام قد أذن فيه فلا حرج في استخراجه وتملكه. ولكن ينبغي النظر والموازنة بين المخاطر والمفاسد المترتبة على مخالفة هذا القانون من مصادرة الأرض والبيت والتعرض للسجن والعقوبة، وبين المصالح المترتبة على القيام باستخراج تلك الأموال والمتاجرة فيها وتهريبها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

 وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: إن الله كره لكم ثلاثاً، فذكر منها: إضاعة المال. متفق عليه. ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 67725.

هذا من حيث الأصل ولكن إن كانت هذه الآثار عبارة عن تماثيل لذوات أرواح أو عبارة عن أصنام آلهة لهؤلاء الكفار، فلا يجوز للمسلم المتاجرة في ذلك. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 13941، 7458، 14266.

وعلى هذا إن كانت الآثار التي تقومون بالتنقيب عنها مما يحرم التعامل فيها كأن تكون تماثيل مصورة أو محتوية على شعارات كفرية فيجب عليكم جميعاً التوبة من هذا العمل، ولا قيمة للقطعة المفقودة لأنها ليست بمال في اعتبار الشرع .

أما إن كان للتماثيل قيمة بعد إتلاف رأسها فقد اختلف العلماء في ضمان قيمتها خاليا عن تلك الصنعة المحرمة .

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : إن كانت الصورة المحرمة لا تزول إلا بالإتلاف وجب الإتلاف , وذلك لا يتصور إلا نادرا , كالتمثال المجسم المثبت في جدار أو نحوه الذي إذا أزيل من مكانه أو خرق صدره أو بطنه أو قطع رأسه يتلف . وهذا النوع لا يضمن متلفه ; لأن المعصية لا تزول إلا بإتلافه . أما من أتلف الصورة التي يمكن الانتفاع بها على وضع غير محرم , فينبغي أن يضمن ما أتلفه خاليا عن تلك الصنعة المحرمة على الأصل في ضمان المتلفات . وهذا مقتضى مذهب أبي حنيفة , والأصح عند الشافعية وظاهر كلام المالكية . وقياس مذهب الحنابلة : أنه يجوز الإتلاف ولا ضمان لسقوط حرمة الشيء بما فيه من المنفعة باستعماله في المحرم وفي رواية : يضمن. انتهى .

وعليه، فالقطع المذكورة إذا كانت متمولة فإن من أتلفها أو تعدى عليها يضمن قيمتها ولو كانت عليها صور تماثيل عند الجمهور، لكن بما أن المسألة أصبحت محل نزاع ولا ندري هل وقع تقصير أو تفريط منك، فما وقع فيها من خلاف قد لا تفيد فيه الفتوى ولا يرفعه إلا القضاء أو التحكيم الشرعي. وننبهك على أنك كان ينبغي لك أن تفحص قطعة الآثار قبل أخذها من الشركاء لتتيقن من تسلمك لها ولتبعد التهمة عن نفسك وعن شركائك .

والله أعلم.