عنوان الفتوى : الحسد والبلاء قد يتسلط على العبد بسبب تعديه لحدود الله
أرجو مساعدتي في استفساري حيث إني كنت أملك مالاً وفيرا نصيبي من تركة والدي رحمه الله أموال وعقار والحمد لله على كل حال إلا أني لم أشعر بمتعته أو حتى الاستفادة منه كونه كان لي أخ أكبر ونحن في الأصل ثلاثة أولاد وبنتان والأخ الأصغر قاصر من أم أخرى متوفاة، وكان الأكبر هو المسؤول عن إدارة التركة وكان يعطينا من ريعها القليل وبعد أن تزوجت اكتشفت أنه كان يكتم الكثير من الأموال لنفسه وزوجته فأقمنا أنا وشقيقة واحدة والقاصر بصفتي وصيا عليه دعوى ضده ولا نتكلم مع بعضنا منذ سنوات وقررنا أن نبيع هذه العقارات المشتركة فجاء مشتر واشتراها بسعر بخس جداً، ولكن الهدف كان أن نتخلص من كل شيء يجمعنا وبعد فترة اكتشفت أن المشتري أخي ومن مالنا وكان الأمر احتيالا، ولكن المشكلة الأكبر أنه حتى المال الذي كان من نصيبي لم أستطع تشغيله في شيء لأن كل مشروع أدخل به كان يخسر والحمد لله الشيء الوحيد الذي استفدته كان شرائي لمنزل فخم وأصبح هو من المعروفين في عالم المال إلا أني لم أنجح في معظم الأعمال الخاصة التي قمت بها رغم شهادة الكثير من رجال الأعمال لي ولعقليتي المميزة والحمد لله وكنت أتحرى مخافة الله في كل عمل أعمله ولكن الأمر تفاقم لدرجة أني أجبرت على بيع سيارتي لأتمكن من الإنفاق وتراكمت الديون علي وأخاف لا سمح الله أن أجبر على بيع منزلي والآن أعمل بوظيفة لا تكاد تكفينا أنا وزوجتي وابنتين لي، فهل هذا حسد وأنا أعلم بأن زوج شقيقة زوجتي يتربص لكل عمل أو فعل أقوم به ويتعمد بأن يفعل نفس العمل حتى أنه أراد شراء منزل وسيارة بنفس مواصفات منزلي وسيارتي طلب مني أن أبحث له عنهم وبنفس السعر وكل عمل مهما كان تافه يتعمد التقليد فيه، فهل من الممكن أن يكون هو وخصوصا بأني أصبت بكهرباء منزلي أول ما اشتريته أدخلت بأثرها على الإنعاش وتحطمت زجاج النافذة في منزلي أكثر من مرة، فإن كان هو أو غيره كيف ممكن أن أزيل الحسد إن كان حسدا وما الأفعال أو الآيات التي يمكن أن تزيد من رزقي بإذن الله، علما بأني كنت في أيام دراستي في الجامعة أرتكب الزنا سامحني الله بكثرة مع فتاة كانت علاقتي معها قوية بحجة الحب وللأسف نفسي تأمرني بالسوء بعد الزواج وأسأل الله السلامة من كل كبيرة، فهل من الممكن أن يكون هذا السبب الحقيقي، فأفيدوني أفادكم الله؟ وشكراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن للحسد والإصابة بالعين أثراً شديداً بقدر الله، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 16755، فمن الممكن أن يكون الحسد أو العين هي سبب المشكلة المذكورة في السؤال، ولكن ينبغي للسائل أن يتنبه إلى أن الحسد وغيره من أنواع البلاء قد يتسلط على العبد بسبب تعديه لحدود الله، وارتكابه للذنوب والمعاصي، لا سيما الكبائر كالزنا وقطيعة الرحم التي حدثت بينك وبين أخيك من أجل حطام الدنيا الزائل، خاصة إذا كان ما ذكرته عنه في سؤالك مجرد ظنون لا تقوم عليها الحجج القاطعة، فعندئذ تكون قد جمعت بين سوء الظن والبغي وقطيعة الرحم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وأبو داود وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
ولهذا كان عليك بدء العلاج بإصلاح حالك مع الله والإقبال عليه بالاستغفار والتوبة من جميع الذنوب، فإن ذلك من أعظم أسباب رفع البلاء، فما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة، كما قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30}، وقال سبحانه: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ {هود:3}، وقال تعالى: لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {النمل:46}، ثم بعد ذلك تبدل السيئ بالحسن، وتتبع السيئات بالحسنات حتى تمحوها، وتلزم تقوى الله تعالى في السر والعلن بمراقبته وحفظ أمره ونهيه، فمن اتقى الله تولى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره، ونصره على عدوه، قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {آل عمران:120}، وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:2-3-4}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك. رواه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
واعلم أخي الكريم أن من صدق الله صدقه الله، فأحسن اللجوء والتوكل عليه، وأحسن الظن به، يكفك ما أهمك، وعليك بكثرة الدعاء والتضرع، والإكثار من الطاعات خاصة الصلاة والذكر والصدقة، والرقية الشرعية، فهذا علاج ناجع للحسد وغيره من أنواع البلاء... وقد سبق بيان علاج الحسد والعين في الفتوى رقم: 24972، والفتوى رقم: 3273. كما سبق بيان أسباب زيادة الرزق ونقصانه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6121، 7768، 17133، 36909.
والله أعلم.