عنوان الفتوى : حكم الذيل الطويل في فستان الفرح

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يدخل الذيل الطويل في فستان الفرح في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بلعن من جر ذيله خيلاء؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن إطالة الذيل للخيلاء محرمة شرعا لما فيها من الخيلاء والإسراف، وتجوز إطالته للستر بقدر ذراع فقط. ويعرف مقدار الذراع وأنه لا تجوز الزيادة عليه من قول ابْن عُمَرَ : رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الذَّيْلِ شِبْرًا، ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا، فَكُنَّ يُرْسِلْنَ إِلَيْنَا فَنَذْرَعُ لَهُنَّ ذِرَاعًا. رواه أبو داود، وابن ماجه وصححه الألباني.

قال ابن حجر في فتح الباري: أفادت هذه الرواية قدر الذراع المأذون فيه، وأنه شبران بشبر اليد المعتدلة، ويستفاد من هذا الفهم التعقب على من قال إن الأحاديث المطلقة في الزجر عن الإسبال مقيدة بالأحاديث الأخرى المصرحة بمن فعله خيلاء ... وقد نقل عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء، ومراده منع الإسبال لتقريره صلى الله عليه وسلم أم سلمة على فهمها إلا أنه بين لها أنه عام مخصوص، لتفرقته في الجواب بين الرجال والنساء في الإسبال، وتبيينه القدر الذي يمنع ما بعده في حقهن.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ أَوْ لِأُمِّ سَلَمَةَ: ذَيْلُكِ ذِرَاعٌ".

وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي ذُيُولِ النِّسَاءِ: شِبْرًا. فقَالَتْ عَائِشَةُ: إِذًا تَخْرُجَ سُوقُهُنَّ. قَالَ: فَذِرَاعٌ. رواهما ابن ماجه وصححهما الألباني.

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ. قَالَ: فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ. رواه الترمذي وقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. والنسائي، وصححه الألباني.

قال ابن حجر في فتح الباري: قوله (من) يتناول الرجال والنساء في الوعيد المذكور على هذا الفعل المخصوص، وقد فهمت ذلك أم سلمة .. فذكر الحديث ثم قال:  والحاصل أن للرجال حالين حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق، وحال جواز وهو إلى الكعبين، وكذلك للنساء حالان: حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر، وحال جواز بقدر ذراع .

وهذا يعني أنه لا يجوز للمرأة أن تطيل ذيلها فوق الذراع.

 قال ابن حزم في المحلى: لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ مِمَّنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ مِنْ الرِّجَالِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا أَنْ تُسْبِلَ ذَيْلَ مَا تَلْبَسُ ذِرَاعًا لَا أَكْثَرَ , فَإِنْ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ عَالِمَةً بِالنَّهْيِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا.

وقال ولي الدين العراقي: قَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: دَخَلَ فِي قَوْلهِ { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ } الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَلِذَلِكَ سَأَلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ , وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ فِي الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْإِسْبَالِ لِلنِّسَاءٍ.

قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْخُيَلَاءَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَإِنَّمَا سَأَلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَمَّا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ، فَصَحَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ رحمه الله مِنْ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ فَهْمُ أُمِّ سَلَمَةَ وَتَقْرِيرُهُ عليه الصلاة والسلام لَهَا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُنَّ لَقَالَ لَهَا: لَيْسَ حُكْمُ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الرِّجَالِ. وَالْإِجْمَاعُ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي وَالنَّوَوِيُّ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْخُيَلَاءِ.

وبهذا يتضح أن الرخص في إطالة المرأة لذيلها إنما كانت للستر، كما يفهم هذا من كلام أم سلمة وعائشة. وأنه ليس للزينة والفخر والخيلاء.

 قال العراقي في طرح التثريب: إذَا كَانَ عَلَى الْمَرْأَةِ ثَوْبَانِ فَأَكْثَرُ, وَكُلٌّ سَاتِرٌ, فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَجُرَّ جَمِيعَ ذُيُولِهَا عَلَى الْأَرْضِ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ أَوْ تَقْتَصِرُ عَلَى جَرِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ؟ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي حَقِّهِنَّ لِلسِّتْرِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي يعني أنها تقتصر على إطالة ثوب واحد فقط مما تلبسه، ويظل الباقي على أصل المنع.

ثم ينبغي التنبه إلى أن هذا القدر الزائد فيه إسراف وتبذير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ. رواه النسائي ابن ماجه وأحمد. وحسنه الألباني.

والله أعلم.