عنوان الفتوى : حكم استرداد الدين من ثمن الخمر
دائن له مال عند مدين، أموال المدين كلها حرام حيث يتاجر في الخمور فقط، وليس له دخل آخر غير الحرام،فهل يجوز استرداد الدين من هذا المدين ؟ مع ذكر الدليل الشرعي أو مصدر الفتوى.
خلاصة الفتوى:
يجوز للمسلم استيفاء دينه من كافر يوفيه إياه من ثمن الخمر، ولا يجوز ذلك من مسلم إن علم أنه يوفيه من ثمن خمر ونحوه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي المسألة المطروحة تفصيل كالتالي:
إذا كان المدين كافرا والدائن مسلم فيجوز للمسلم استيفاء دينه منه، وأما إن كان المدين مسلما فلا يجوز للمسلم استيفاء دينه من الخمر الذي باعه المسلم، جاء في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر من كتب الفقه الحنفي: ولو باع مسلم خمرا وأوفى دينه من ثمنها كره لرب الدين أخذه، يعني كان لمسلم دين على مسلم فباع الذي عليه دين خمرا وأخذ ثمنها وقضى به الدين لا يحل للدائن أن يأخذ ثمن الخمر بدينه، وإن كان المديون ذميا لا يكره، والفرق أن البيع في الوجه الأول باطل؛ لأن الخمر ليس بمال متقوم في حق المسلم فبقي الثمن على ملك المشتري فلا يحل أخذه، وفي الوجه الثاني أن البيع صحيح، لأنه مال متقوم في حق الكافر فيملكه البائع فيحل الأخذ منه.
وجاء في المبسوط: وإن كان لرجل دين على رجل ، فقضاه من ثمن خمر، أو خنزير لم يحل له أن يأخذه إلا أن يكون الذي عليه الدين كافرا، فلا بأس حينئذ أن يأخذها منه؛ لأنها مال متقوم في حق الكافر، فيجوز بيعه، ويستحق البائع ثمنه، ثم المسلم يأخذ ملك مديونه بسبب صحيح، وما يأخذه عوض عن دينه في حقه لا ثمن الخمر، فأما بيع الخمر من المسلم فباطل، والثمن غير مستحق له بل هو واجب الرد على من أخذ منه، وصاحب الدين ليس يأخذ ملك مديونه بل ملك الغير الحاصل عنده بسبب فاسد شرعا، فيكون هو بهذا الأخذ مقررا الحرمة والفساد، وذلك لا يحل.
ونص المالكية والحنابلة على أنه يجوز للمسلم استيفاء دينه من الكافر ولو من ثمن الخمر، جاء في التاج والإكليل من كتب المالكية: ( ص ) وتسلف ثمن خمر أو بيع به لا أخذه قضاء ( ش ) يعني أنه يكره للمسلم أن يتسلف ثمن الخمر من الكافر أو يأكل منه طعاما اشتراه بثمن خمر أو يأخذ ثمن الخمر من هبة أو صدقة أو يبيعه به شيئا، وأما ما أخذه من الذمي قضاء عن دين للمسلم عليه فإنه يباح له كما أباح الله الجزية منهم ولأن لهم في البيع مندوحة دون القضاء.
وجاء في مطالب أولي النهى من كتب الحنابلة: فيقبضه أي الدين من ثمن خمر باعها ذمي.
وذهب الشافعية إلى التفريق بين أن يعلم الدائن بأن هذا المال من ثمن خمر أو لا يعلم، كما جاء في أسنى المطالب من كتب الشافعية: ولو قضى الذمي دين مسلم كان له عليه بثمن خمر أو نحوه حرم على المسلم قبوله إن علم أنه ثمن ذلك ؛ لأنه حرام في عقيدته وإلا لزمه القبول، أي إن لم يعلم أن هذا الثمن هو ثمن خمر. انتهى .
والذي نذهب إليه أنه إذا كان المدين كافرا فيجوز للمسلم استيفاء دينه منه علم بأن ما يقضيه هو من ثمن الخمر أو لم يعلم، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى بقوله: وما قبض بتأويل فإنه يسوغ للمسلم أن يشتريه ممن قبضه وإن كان المشتري يعتقد أن ذلك العقد محرم كالذمي إذا باع خمرا وأخذ ثمنه جاز للمسلم أن يعامله في ذلك الثمن وإن كان المسلم لا يجوز له بيع الخمر كما قال عمر بن الخطاب : ولوهم بيعها وخذوا أثمانها . وهذا كان سببه أن بعض عماله أخذ خمرا في الجزية وباع الخمر لأهل الذمة فبلغ ذلك عمر فأنكر ذلك. وقال: ولوهم بيعها وخذوا أثمانها . وهذا ثابت عن عمر وهو مذهب الأئمة.
أما إذا كان المدين مسلما وعلم الدائن أن ما يقضيه هو من ثمن الخمر فلا يجوز له قبوله لأن البائع المدين لم يقبضه بوجه صحيح ولا حتى بتأويل سائغ وما كان كذلك لم يجز أخذه.
جاء في فتاوى ابن تيمية: وإذا تبين هذا فيقال: ما في الوجود من الأموال المغصوبة والمقبوضة بعقود لا تباح بالقبض إن عرفه المسلم اجتنبه . فمن علمت أنه سرق مالا أو خانه في أمانته أو غصبه فأخذه من المغصوب قهرا بغير حق لم يجز لي أن آخذه منه ؛ لا بطريق الهبة ولا بطريق المعاوضة ولا وفاء عن أجرة ولا ثمن مبيع ولا وفاء عن قرض فإن هذا عين مال ذلك المظلوم . وأما إن كان ذلك المال قبضه بتأويل سائغ في مذهب بعض الأئمة جاز لي أن أستوفيه من ثمن المبيع والأجرة والقرض وغير ذلك من الديون. وإن كان مجهول الحال فالمجهول كالمعدوم والأصل فيما بيد المسلم أن يكون ملكا له إن ادعى أنه ملكه أو يكون وليا عليه ؛ كناظر الوقف وولي اليتيم وولي بيت المال. أو يكون وكيلا فيه. وما تصرف فيه المسلم أو الذمي بطريق الملك أو الولاية جاز تصرفه .
والله أعلم.