أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : هل أواصل دراستي أم أبحث عن عمل آخر يكفي لبناء مستقبلي؟
لم أستطع وصف مشكلتي بالتحديد، فأنا في عمر 27 سنة، وأنا بطال (ليس لدي عمل) منذ 4 سنوات.
وأعمل عملا يكفيني لوحدي 110 يورو شهريا، لكنه لا يكفي لبناء مستقبلي.
أتأسف كثيرا عندما أرى أناسا أصغر مني متزوجين، ولهم مستقبل، وأنا مازلت أبحث عن عمل مناسب.
أحس نوعا ما بالشفقة من عائلتي, وهذا ما يحزنني ويؤرقني، أصبحت لا أستطيع عمل شيء.
أنا متردد وخائف حول مستقبلي، هل أستمر في البحث عن عمل، أم أدخل باب التجارة، وأغلق ملف دراستي نهائيا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين، وأن يمنَّ عليك بعمل صالح طيب مبارك تحيى من خلاله حياة كريمة شريفة وعزيزة.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – من أنك بلغت السابعة والعشرين من عمرك, ومنذ أربع سنوات وأنت لا تعمل، والعمل الذي تعمل به الآن يكاد لا يكفيك أنت وحدك، ولا يكفيك لبناء مستقبلك, ولا لمساعدة أهلك، في حين أنك ترى من حولك أن هناك أناسًا في مثل سنك بل أصغر منك يعيشون حياة متكاملة، ولا توجد لديهم مثل هذه المشاكل, وتقول: أصبحتُ لا أستطيع عمل شيء، وخائف ومتردد حول مستقبلي، وتسأل هل تستمر في البحث عن عمل، أم تدخل باب التجارة وتغلق ملف الدراسة نهائيًا؟
أقول لك -أخي الكريم الفاضل (أحمد), بارك الله فيك-: أولاً ينبغي عليك أن تعلم أن الذي قسّم الأرزاق بين العباد إنما هو الله جل جلاله، وهذه القسمة بناء على علم, وحكمة, وإرادة, وقدرة، فهي ليست اعتباطًا, ولا جُزافًا – معاذ الله – وإنما كما قال الله تبارك وتعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}, وقال أيضًا: {وخلق كل شيء فقدّره تقديرًا}.
فالله تبارك وتعالى يعلم ما يُصلح العباد وما يفسدهم، مصداقًا لقوله تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}, وقال: {هو أعلم بكم} ولذلك وسّع الأرزاق بطريقة يعلمها جل جلاله سبحانه وتعالى بنفسه، وجعل الغني غنيًا, والفقير فقيرًا، وجعل متوسط الدخل متوسط الدخل، والذي جعل الطبيب طبيبًا هو الله، والذي جعل المهندس مهندسًا هو الله، والذي جعل الزارّع زرَّاعًا هو الله، والذي جعل المدرِّس مدرِّسًا هو الله، والذي جعل الشرطي شرطيًا هو الله، والذي جعل الصحيح صحيحًا هو الله، والذي جعل الرجل رجلاً هو الله، والذي جعل المرأة امرأةً هو الله، وهذا كما ذكرت وُفق علم الله تبارك وتعالى, وحكمته, وقدرته, وإرادته, وتدبيره جل جلاله سبحانه.
ولذلك علينا أن نعلم أن هذه المسألة ليست في يد أحد، وإنما قضية أن هناك من تزوج قبلك أو بعدك نقول: تلك إرادة الله تعالى، وهناك حِكمٌ وراء ذلك نحن لا نستطيع بعقلنا القاصر أن نصل إليها أو ندركها، ولكنّ الله جل جلاله جعل هناك أسبابًا لتغيير الواقع، فإذا كان الإنسان يعاني مثلاً من مرض فإن الله أمره بالعلاج والتداوي، وأمره بالدعاء في نفس الوقت، وإذا كان هناك إنسان يعاني من فقر أو قلة ذات اليد، فإن الله تبارك وتعالى أمره أن يأخذ بالأسباب التي تساعده على تعديل وضعه, وتغييره للأحسن والأفضل، وأمره في نفس الوقت أيضًا بالدعاء والإلحاح عليه سبحانه وتعالى.
فحالتك هذه هي من قدر الله تعالى، وأنت الآن تسأل وتقول: هل تُغلق ملف دراستك نهائيًا, وتبحث عن التجارة أو غيرها؟ أقول لك: إذا كنت قريبًا من نهاية المرحلة الدراسية, وكان تخصصك تخصصًا مطلوبًا، فأنا أنصح -بارك الله فيك- أن تصبر على ما أنت فيه الآن، وأن تجتهد في مواصلة عملية الدراسة حتى تنتهي منها على خير؛ لأنه مما لا شك فيه أن الشهادات الجامعية لها دورٌ في حياة الناس، وأن أصحابها يجدون فرص عملٍ أكثر من غيرهم إلى حدٍّ بعيد، وأنها توفر دخلاً طيبًا أيضًا لأصحابها، فهناك فرق ما بين أن يكون الإنسان طبيبًا, أو مهندسًا، أو أن يكون محاسبًا, أو قاضيًا, أو محاميًا، وأن يكون عاملاً في مصلحة من المصالح, أو غير ذلك.
ولذلك أقول: إذا كنت في تخصص مطلوب فعلاً ومرغوب في السوق، وكذلك أيضًا إذا كنت قريبًا من نهاية العملية الدراسية فأنصح -بارك الله فيك- أن تواصل رحلة الدراسة، وأن تصبر على قلة ذات اليد؛ لأن هذه المسألة مسألة وقت، وأن تكتفي بالعمل الذي أنت فيه الآن, والذي يكفيك أنت شخصيًا، ولا تيأس, ولا تعجز، وإنما عليك بمواصلة رحلة البذل, والجد والاجتهاد في التحصيل الدراسي الذي تدرسه، ثم بعد ذلك ستجد -إن شاء الله تعالى- فرص عمل كثيرة ومتنوعة ومتعددة.
أما إذا كانت الشهادة التي ستحصل عليها من الشهادات الميّتة, والتخصصات النادرة التي ليست مرغوبة في السوق، فأنا أرى إن استطعت أن تغير هذا التخصص فذلك حسن، وإن لم تستطع ذلك فلا أقل من أن تبحث عن عمل أفضل؛ لأن النهاية بالنسبة لك ستكون معلومة إلى حدٍّ بعيد، فنحن كما تعلم – مع الأسف الشديد – في معظم بلاد العالم العربي والإسلامي لا ننظر إلى طلبات السوق ومتطلبات الحياة، وإنما هناك جامعات تضخُّ كل عام مئات الخريجين في تخصصات غير مطلوبة, أو في تخصصات فيها نوع من الوفرة؛ مما يترتب عليه وجود كمّ هائل من العاطلين عن العمل في معظم بلاد العالم العربي والإسلامي إلى يومك هذا، وما زال المسلسل مستمرًا مع الأسف الشديد.
ومن هنا فإني أقول: انظر أولاً في موضوع الدراسة؛ لأن الدراسة من مفاتيح الأرزاق الكبيرة، فحملة المؤهلات العليا وما فوقها عادة يكون حظهم أكثر وأوفر من غيرهم، ودخولهم أعلى؛ لأنهم يعملون في أعمال راقية فيتقاضون على ذلك رواتب وأجور معقولة.
أما إذا كانت -كما ذكرت- الدراسة دراسة عادية, وهناك كم كبير من الخريجين في تخصصك لا يعمل، فأنا أرى أن لا تضيف إلى قائمة العاطلين عاطلاً، وأن تبحث إما عن تخصص آخر، وإما أن تترك هذا الأمر, وتتفرغ لعملٍ آخر كموضوع التجارة, أو غيرها، وأرى أن تصبر، وأن تعلم أن هذا هو قضاء الله تبارك وتعالى وقدره، وأنه يريد بك الخير وأنت لا تدري، فهو يعلم وأنت لا تعلم، قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم} لكن عليك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك, واستعن بالله, ولا تعجز) وأن تعلم أن الله تبارك وتعالى لم ولن يتخلى عنك ما دمت صالحًا ومستقيمًا, وقائمًا بشرعه, ومحافظًا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما دمت تأخذ بالأسباب.
فعليك بالبحث والنظر فيما يتعلق بموضوع الدراسة، ثم عليك بالإلحاح في الدعاء إلى الله تعالى أن ييسر الله أمرك, وأن يوسع الله رزقك، وكذلك أوصيك بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لمن قال له: أجعل لك صلاتي – أي دعائي - كلها يا رسول الله، قال: (إذن تُكفى همَّك, ويُغفر لك ذنبك) وعليك بالإكثار من الاستغفار، حيث إنه مفتاح من مفاتيح الرزق، قال تعالى: {فقلت استغفروا ربكم} ماذا؟
1) إنه كان غفّارًا.
2) يرسل السماء عليكم مدرارًا.
3) ويمددكم بأموال.
4) وبنين.
5) ويجعل لكم جنات.
6) ويجعل لكم أنهارًا.
وعليك بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء، خاصة قول (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عن من سواك), وقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال), وقوله تعالى: {وارزقنا وأنت خير الرازقين}, مع ضرورة المحافظة على الصلاة؛ لأنها خير عمل، وأنت بها تكون أقرب إلى الله.
هذا وبالله التوفيق.
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
ضيق اليد والحال جعلا أسرتي تعيسة، أرشدوني. | 1051 | الأحد 07-06-2020 03:59 صـ |
كل أبواب العمل مغلقة.. ماذا أفعل؟ | 1330 | الأربعاء 22-04-2020 03:16 صـ |
حائر في مستقبلي بين الوطن والغربة | 1089 | الخميس 16-04-2020 02:49 صـ |
ما هي الأمور التي تعين على الثبات على الدين؟ | 1171 | الثلاثاء 08-10-2019 05:47 صـ |
أصبت بالاكتئاب والحزن لأني لم أجد وظيفة، فما العمل؟ | 2363 | الخميس 03-10-2019 04:31 صـ |