شرح الترمذي - باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فلا زلنا نتدارس الباب الرابع من أبواب الطهارة من جامع أبي عيسى الترمذي رحمه الله، وهذا الباب عنوانه: ما يقول إذا دخل الخلاء، وقد روى الترمذي حديثين عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه في هذا الباب، وساق هذين الحديثين عن ثلاثةٍ من شيوخه: عن قتيبة بن سعيد ، وهناد بن السري ، وعن أحمد بن عبدة الضبي رحمهم الله أجمعين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبيث، أو من الخبث -بسكون الباء- والخبائث، أو الخبث -بضم الباء- والخبائث)، وهذه الروايات الثلاث سيأتينا تفصيل الكلام عليها وضبطها إن شاء الله.

قال الترمذي : حديث أنس أصح شيءٍ في هذا الباب وأحسن، ثم قال: وفي الباب عن علي ، وزيد بن أرقم ، وجابر ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.

كنا ذكرنا في المبحث السابق ما يتعلق بإسناد حديث زيد بن أرقم الذي حكم عليه الترمذي بأن في إسناده اضطراباً، فقال: وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب. وحتى نحدد مكان الاضطراب، وأين وقع الاختلاف في إسناد رواية حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه؟

نقول: الاضطراب وقع بعد قتادة ، يعني: في شيخ قتادة حصل اضطراب، وفي شيخ شيخ قتادة ، عندنا اضطرابان:

أولاً: أربعة رووا عن قتادة هذا الحديث وهم: هشام الدستوائي الذي تقدمت ترجمته، وسعيد بن أبي عروبة ، وشعبة ، ومعمر ، فهؤلاء الرواة الأربعة رووا عن قتادة ، وتأمل كيف كانت روايتهم لحديث زيد بن أرقم ، عن قتادة .

الرواية الأولى: رواية سعيد بن أبي عروبة وروى عن قتادة ، عن شيخ قتادة وهو: القاسم بن عوف الشيباني ، عن زيد بن أرقم .

الرواية الثانية: رواية هشام الدستوائي وروى عن قتادة ، عن زيد بن أرقم مباشرةً، فحذفت الواسطة وهي القاسم بن عوف الشيباني .

الرواية الثالثة: رواية شعبة ، رواها عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن زيد بن أرقم .

الرواية الرابعة: رواية معمر ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس عن أنس بن مالك.

إذاً: عندنا اضطرابٌ في شيخ قتادة ، فرواية هشام جعلت شيخ قتادة هو زيد بن أرقم مباشرةً، ورواية سعيد بن أبي عروبة جعلت شيخ قتادة هو: القاسم بن عوف الشيباني ، عن زيد ، ورواية شعبة جعلت شيخ قتادة ، النضر بن أنس رضي الله عنه ورواها عن زيد بن أرقم ، ورواية معمر جعلت شيخ قتادة، النضر بن أنس، لكنه رواه عن أنس، لا عن زيد.

قال الترمذي : وهذا اضطراب، واختلفوا في هذا الإسناد: فتارةً قتادة يحدث أنه سمعه بنفسه من زيد ، وتارةً بواسطة القاسم بن عوف الشيباني ، وتارةً بواسطة النضر بن أنس ، عن زيد بن أرقم .

إذاً: وقع الاضطراب في شيخ قتادة ، وهناك اضطرابٌ ثانٍ في شيخ النضر : في رواية شعبة يقول: شعبة عن قتادة ، عن النضر عن زيد ، وفي رواية معمر : معمر عن قتادة ، عن النضر ، عن أنس وهي وهمٌ قطعاً كما قرر ذلك البيهقي ، فرواية أنس هذه خطأ، إنما هي النضر عن زيد .

وقتادة روى عن القاسم وعن النضر بن أنس ، وهذا هو الذي قاله البخاري فيما نقله عنه تلميذه الترمذي ، قال أبو عيسى : سألت محمداً عن هذا فقال: يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً. ينبغي أن يضيف إليها وروى عن زيد بنفسه دون واسطة أحدٍ من شيوخه.

لكن يبقى عندنا إشكال في بعض الروايات التي رواه بنفسه مباشرةً أو بواسطة، فقد روى مرةً الحديث عن النضر بن أنس ، عن زيد ، ومرة رواه عن القاسم بن عوف الشيباني ، عن زيد ، وتارةً رواه بنفسه، عن زيد ، هذا الاختلاف في الإسناد حكم عليه الإمام الترمذي بأنه اضطراب.

عندنا في أبحاث المصطلح قسم من أقسام الحديث وهو بعنوان: الحديث المضطرب. وهو: اسم فاعل من الاضطراب، وهو: الاختلال والفساد وعدم الانتظام، هذا معنى الاضطراب.

وأما الحديث المضطرب في الاصطلاح فكما عرفه أئمتنا: الحديث الذي يروى على أوجهٍ مختلفةٍ متقاربة، وهذه هي عبارة النووي في التقريب.

وقال ابن الصلاح : الحديث الذي يروى على أوجهٍ مختلفةٍ متساوية.

وقال بدر الدين بن جماعة : الحديث الذي يروى على أوجهٍ مختلفةٍ متقارنة.

وعبارات الأئمة الثلاثة بمعنى واحد، إما أن نقول: متقاربة، أو متساوية، أو متقارنة؛ لأنه لو كانت بعض الروايات أرجح من بعض وأقوى فهي المقدمة، والأخرى يحكم عليها بالشذوذ، لكنها هنا أوجهٌ مختلفة متقاربة القوة، فهي وإن كانت متضاربة مع بعضها لكنها في درجةٍ واحدة؛ متقاربة في القوة، أو متساوية في القوة، وهذا هو الحديث المضطرب.

الاضطراب يقع في الإسناد وفي المتن كما قال شيخ الإسلام زين الدين عبد الرحيم الأثري عليه رحمة الله في ألفيته مشيراً إلى الحديث المضطرب بأربعة أبياتٍ في ألفيته، فلنضبط هذه الأبيات، وكلما مر معنا نوعٌ من أنواع علوم الحديث أذكر أبيات العراقي في الألفية، يقول عليه رحمة الله:

مضطرب الحديث ما قد وردا مختلفاً من واحدٍ فأزيدا

في متنٍ أو في سندٍ إن اتضح فيه تساوى الخلف أما إن رجح

بعض الوجوه لم يكن مضطرباً والحكم للراجح منها وجبا

كالخط للسترة جمُّ الخلف والاضطراب موجب للضعف

هذه الأبيات الأربعة سأشرحها بإيجاز، ثم أبين نوعي الاضطراب: اضطراب في السند -وهذا الحديث مثال له- واضطراب في المتن.

مضطرب الحديث ما قد وردا مختلفاً من واحدٍ فأزيدا

فقوله: (من واحدٍ) يعني: الراوي بنفسه اضطرب: فتارةً رفع، وتارةً وصل، وتارة ذكر شيخاً آخر، وتارةً لم يذكره، فهو بنفسه روى الحديث على أوجهٍ مختلفة، أو أن الرواة اختلفوا فيما بينهم، وكانت رواياتهم في درجةٍ واحدة، لكنها اختلفت، فهذا يقال له: اضطراب؛ لأن هذا يدل على عدم الضبط والإتقان، وبالتالي فالحديث المضطرب نوعٌ من أنواع الضعيف؛ لعدم الحفظ والإتقان والضبط فيه.

مضطرب الحديث ما قد وردا مختلفاً من واحدٍ فأزيدا

وسواءٌ اضطرب فيه واحد واختلف في الرواية ولم يضبط، أو أن الرواة اختلفوا. وقد يقع هذا في المتن. ويسمى الاضطراب في المتن، ومثال الاضطراب في المتن: ما رواه الترمذي من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في المال لحقاً سوى الزكاة)، ورواه ابن ماجه في سننه عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في المال حقٌ سوى الزكاة)، فرواية الترمذي : (إن في المال لحقاً سوى الزكاة)، ورواية ابن ماجه : (ليس في المال حقٌ سوى الزكاة)، وهذا اضطرابٌ في المتن؛ لأن هذا أثبت، وذاك نفى.

وقد مثل بعض أئمتنا للاضطراب في المتن بهذا الحديث على أن بعض أئمتنا كما فعل الشيخ زكريا الأنصاري قال: لا اضطراب في هذا الحديث، فحديث الترمذي فيه ميمون الأعور أبو حمزة وهو ضعيف، فلا يقاوم حديث ابن ماجه ، ونحن اشترطنا للاضطراب أن تكون الأوجه متساوية في القوة، وعليه فلا يقاوم حديث الترمذي ، حديث ابن ماجه ، قال: ولو ثبتت صحته ومساواته له في قوة حديث ابن ماجه -تنزلاً-، فيبقى معنا الجمع بينهما لدفع دعوى الاضطراب فقوله: في رواية ابن ماجه: (ليس في المال حقٌ سوى الزكاة)، هذا لنشر الحق الواجب، وقوله في رواية الترمذي : (إن في المال لحقاً سوى الزكاة)، هذا في الحق المندوب إليه، وهو المستحب، وهو الصدقة وأعمال البر، وعليه فيكون النفي من جهة والإثبات من جهة أخرى، ولم يتوارد النفي والإثبات في جهةٍ واحدة حتى يحصل التعارض والاضطراب والاختلاف، (إن في المال لحقاً سوى الزكاة)، من وجوه البر والضيافة، والمعروف، والصدقة، والإحسان، (ليس في المال حقٌ سوى الزكاة)، أي: حقٌ واجب، على أنه يمكن أن تقول: (ليس في المال حقٌ سوى الزكاة)، (وإن في المال لحقاً سوى الزكاة)، الحق الذي يجب عندما يتعين عليك، وإن لم يكن واجباً في الأصل.

وكنت فصلت هذا في مباحث سابقة وقلت: من الحقوق الواجبة والتي هي في الأصل ليست بواجبة ولكنها قد تتعين على الإنسان أحياناً، كما لو أدركت مضطراً لطعام جائع، ولو لم تطعمه لمات وجب عليك أن تطعمه، ولو كان عندك من الطعام ما يكفيك، فينبغي أن تقسمه بينك وبينه لتنقذ حياته، وإلا تكون قد قصرت وفرطت، فهذا الحق حقٌ اضطراري يقع أحياناً على سبيل الندرة، وهو الذي أشار إليه الحديث، وهذا وجهٌ ثانٍ من أوجه الجمع، (ليس في المال حقٌ سوى الزكاة)، هذا في نشر الحق الواجب الثابت بأصل الشرع، (إن في المال لحقاً سوى الزكاة)، إما أن نقول: على الحق واجب، وإما أن نقول: الحق الذي يتعين عليه دون أن يكون واجباً بالأصل، إنما يتعين عليك؛ لأنه ما علم بحاجته إلا أن تتعين عليك مساعدته، والعلم عند الله جل وعلا.

إذاً: وقوله: (في متنٍ أو في سندٍ) -كما تقدم معنا- هذه أقسام الاضطراب.

وقوله: (إن اتضح، فيه تساوى الخلف)، يعني: أن الاضطراب عند تساوي الاختلاف، أما لو كان أحد الطريقين خالف الطريق الأخرى وهو قوي وذاك ضعيف فلا اضطراب، فالقوي يقدم والضعيف مردود، وأما مع ترجح بعض الوجوه فهو ما أشار إليه بقوله: (أما إن رجح بعض الوجوه لم يكن مضطرباً، والحكم للراجح منها وجبا).

ثم ذكر مثالاً للمضطرب في الإسناد فقال:

كالخط للسترة جم الخلف والاضطراب موجبٌ للضعف

(كالخط للسترة جم)، بمعنى: كثير، (جمٌ الخلف)، أي: كثير الاختلاف في هذا الحديث، اختلف الرواة اختلافاً كثيراً فيه، والحديث رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي ، وهو حديثٌ ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط في الأرض خطاً ثم لا يضره ما مر أمامه)، (فليخط في الأرض خطاً)، قال أئمتنا: اختلف على راويه إسماعيل بن أمية اختلافاً كثيراً، اختلاف في الإسناد وهذا -كما قلت- مثالٌ للاضطراب في الإسناد، قال الناظم:

كالخط للسترة جم الخلف والاضطراب موجبٌ للضعف

هذا ما يتعلق بالحديث المضطرب على وجه الإيجاز، وقول الترمذي : وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطرابٌ. روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، فقال سعيد : عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم ، وقال هشام : عن قتادة ، عن زيد بن أرقم ، فحذف القاسم بن عوف . ورواه شعبة ومعمر عن قتادة ، عن النضر ، وقال شعبة : عن النضر بن أنس ، عن زيد بن أرقم ، وقال معمرٌ : عن النضر بن أنس ، عن أبيه يعني: أنس ، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال أبو عيسى : سألت محمداً عن هذا فقال: يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً، أي: عن القاسم بن عوف الشيباني، وعن النضر بن أنس ، قلت: ولا يمكن أن نتخلص من الإشكال إلا أن نضيف: وروى عن زيد بن أرقم بنفسه، وعليه إن شاء الله يمكن أن يزول الاضطراب بعد ذلك والعلم عند الله جل وعلا، هذا فيما يتعلق بالحديث الأول، والكلام الذي ذكره الإمام الترمذي حول حديث زيد بن أرقم رضي الله عنهم أجمعين.

ما يتعلق بالحديث المضطرب إن شئتم أن ترجعوا إليه فارجعوا إلى الألفية وشرحها في الجزء الأول، صفحة أربعين ومائتين، الألفية وشرحها للعراقي ، وانظروا تدريب الراوي في صفحة مائة وتسعٍ وستين إلى صفحة مائة وواحد وسبعين في الحديث المضطرب.

الحديث الثاني وكنا لم نتجاوز إسناده في المباحث الماضية وسنتكلم فيه عن رجلين فقط، ثم ننتقل إلى بيان فقه الحديث ومعناه إن شاء الله.

ترجمة أحمد بن عبده الضبي

أما الإسناد الثاني: أخبرنا أحمد بن عبدة الضبي البصري ، وشيخ الترمذي كـقتيبة ، وهناد رحمهم الله جميعاً. هو أحمد بن عبدة بن موسى أبي عبد الله البصري ، ثقة، ولا شك في توثيقه، لكنه: رمي بالنصب، فهذه المقولة هي التي سنقف عندها؛ لأنها باطلةٌ لا حقيقة لها، ذكرها الحافظ في تقريب التهذيب فقال: إنه ثقةٌ رمي بالنصب، من العاشرة، توفي سنة خمسٍ وأربعين يعني: بعد المائتين، أخرج حديثه مسلم في صحيحه، وأهل السنن الأربعة، انتهى كلام ابن حجر . ولقد روى له البخاري في غير الجامع، كما روى له البزار وأبو يعلى ، وهو من أئمة الهدى وأعلام الخير.

براءة الضبي من تهمة النصب

قوله: (رمي بالنصب) كما في تقريب التهذيب، يخالف ما ذكره الحافظ ابن حجر في موضعين:

الأول: في كتابه هدي الساري فقد ذكر عند ترجمة من وصفوا ببدعةٍ من رجال البخاري الكثير وتكلم عليهم، لكنه لم يتعرض لـأحمد بن عبدة ولم يذكر أنه رمي بذلك، وهو وإن لم يكن من رجال البخاري لكنه جعل كلامه في هدي الساري كل من تكلم عليه، ورمي ببدعةٍ، سواءٌ كان من رجال الصحيح أو لا.

الموضع الثاني: في تهذيب التهذيب في الجزء الأول، صفحة تسعٍ وخمسين في ترجمته، يقول: قال النسائي : ثقة، ثم يقول: مات في رمضان سنة خمسٍ وأربعين ومائتين، قلت: والقائل: الحافظ ابن حجر ، هكذا ذكر ابن حبان وفاته في كتاب الثقات، وروى عنه البخاري في غير الجامع والبزار وأبو يعلى ، وتكلم فيه ابن خراش ، فلم يلتفت إليه أحدٌ للمذهب.

ابن خراش رافضيٌ خبيث، تكلم في أحمد بن عبدة ، والحافظ في التهذيب لم يذكر حتى كلامه، بل قال: تكلم فيه ابن خراش فلم يلتفت إليه أحد، لماذا؟ للمذهب، يعني: للخلاف بين السنة والرافضة، فـابن خراش رافضي طعن فيه، فهل طعن الرافضة في أهل السنة معتبر؟ حتى الحافظ في التهذيب ما ذكر نوع الطعن ما هو؟ فكيف بالتقريب الذي يذكر فيه الحكم المعتمد؟ وخلاصة ما يحكم به على الرجل في سطر أو نصف سطر، فكيف يرميه بالنصب، مع أنه في التهذيب ما ذكر هذا؟

وهذه ترجمته من التهذيب: أحمد بن عبدة بن موسى الضبي أبو عبد الله البصري ، روى عن حماد بن زيد ، ويزيد بن زريع ، وفضيل بن عياض ، وابن عيينة وغيرهم.

وعنه: الجماعة إلا البخاري ، وعثمان بن خرزاذ أبي الدنيا ، وروى عنه أبو زرعة ، وأبو حاتم ، وقالا: ثقة، وابن خزيمة ، وأبو القاسم البغوي وعدة، وقال النسائي : ثقة، وفي موضعٍ آخر: لا بأس به، مات في رمضان سنة خمسٍ وأربعين ومائتين، قلت: هكذا ذكر ابن حبان وفاته في كتاب الثقات، وروى عنه البخاري في غير الجامع والبزار وأبو يعلى ، وتكلم فيه ابن خراش فلم يلتفت إليه أحدٌ للمذهب. انتهى كلامه ولم يذكر فيه شيءٌ عن النصب، فكيف ذكر في التقريب أنه رمي بالنصب يعني: بالطعن في علي وآل البيت، وهو لم يورد هذا في الكتاب المطول؟

فلذلك أنا في شكٍ من هذه العبارة الموجودة في تقريب التهذيب، وهي قوله: (رمي بالنصب)، فإنه: بريءٌ من ذلك كبراءة الذئب من دم نبي الله يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، نعم رماه هذا الرافضي الخبيث بالنصب، وأنه يبغض آل البيت، كما يروون الرافضة عن السنة قاطبةً، ويدعون أن الذي لا يعادي الصحابة فهو ناصبي، فإذا أنت لم تشتم أبا بكر وعمر فأنت ناصبي، أعوذ بالله! يقولون: لا ولاء إلا ببراءة، والمعنى: أنه لا تحصل ولايتك لآل البيت إلا أن تتبرأ من أبي بكر وعمر وعثمان ، وهل حب أبي بكر وعمر نصب؟ هذا كلامٌ باطل، كما أننا إذا أحببنا آل البيت أيضاً لا نكون روافض، فطريقة أهل السنة حب الصحابة وفي مقدمتهم أهل البيت الطيبين الطاهرين.

فـابن خراش طعن في أحمد بن عبدة شيخ الترمذي ، لكن طعنه مردودٌ عليه، يقول الذهبي في ميزان الاعتدال: أحمد بن عبدة روى له مسلم وأهل السنن الأربعة، الضبي البصري روى عن حماد بن زيد وغيره ووثقه أبو حاتم والنسائي ، وقال ابن خراش : تكلم الناس فيه، فلم يصدق ابن خراش في قوله هذا، فالرجل حجة. انتهى كلام الذهبي وما زاد على ذلك شيئاً، وأما في كتابه سير أعلام النبلاء وفي كتابه تذكرة الحفاظ، وفي كتابه ميزان الاعتدال في ترجمة ابن خراش فقد دافع عن أحمد بن عبدة دفاعاً طيباً، وأعطى ابن خراش ما يستحقه من الكلام في الهوس الذي قاله في هذا الإمام، فكيف نأخذ تهمةً لهذا المفتري الرافضي في إمامٍ سني.

ترجمة ابن خراش الذي رمى الضبي بالنصب

يقول في ترجمة ابن خراش : الحافظ الناقد البارع أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش المروزي ثم البغدادي، قال بكر بن محمد : سمعته يقول: شربت بولي في هذا الشأن -يعني: في طلب الحديث- خمس مرات.

الخطيب البغدادي عندما ترجمه في تاريخ بغداد قال: لعله فعل هذا لفقد الماء، أو للضرورة حتماً، ونحن نقول: إن كان هذا من أجل الاضطرار في الحياة الدنيا، أما هناك سيأكله رغم أنفه، يقول: قال ابن عدي : قد ذكر بشيءٍ من التشيع، وأرجو أنه لا يتعمد الكذب، سمعت ابن عقبة يقول: كان ابن خراش عندنا إذا كتب شيئاً في التشيع يقول: هذا لا يلفق، يعني: لا يروج إلا عندي وعندك، وسمعت عبدان يقول: حمل ابن خراش إلى بندار، والبندار عندهم بلغة العجم بمعنى: الشيخ الإمام الحافظ، يعني: أنه حمل إلى شيخٍ من شيوخ الرافضة، وكان لـابن خراش جزأين صنفهما في مثالب الشيخين: أبو بكر ، وعمر ، فأجازه بألفي درهم، وهذا البندار الرافضي بنى له حجرة ببغداد ليحدث بها، فمات حين فرغ منها، وقطع الله أمله وما ألقى حديثاً فيها، وقال أبو زرعة : عبد الرحمن بن يوسف الحافظ خرج ابن خراش مثالب الشيخين في جزأين، جمع مثالب وفضائح أبي بكر وعمر التي افتراها هو وزمرته، يقول الذهبي بعد ذلك: قلت: هذا معثرٌ مخذول، كان علمه وبالاً، وسعيه ضلالاً، نعوذ بالله من الشقاق، فهل يؤخذ كلام هذا الإنسان في أحمد بن عبدة الضبي وهو من شيوخ أهل السنة الكرام؟ لا ثم لا.

وقال في الميزان في الجزء الثاني، صفحة ستمائة في ترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن زرعة ، يقول: هذا والله هو الشيخ أحمد بن عبدة الضبي ، من شيوخ أهل السنة الكرام.

ثم قال في ترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن خراش : هذا والله هو الشيخ المعثر الذي ضل سعيه، فإنه كان حافظ زمانه، وقد شرب في رحلة بوله خمس مرات، وله الرحلة الواسعة، والاطلاع الكثير والإحاطة، ومع هذا فما انتفع بعلمه، فلا عتب على حمير الرافضة، يعني: إذا كان هذا الحافظ الذي أفنى حياته في طلب الحديث، ومع ذلك لعنه الله وختم على قلبه، وألف جزأين في مثالب الشيخين، فلا عتب على الجهل بعد ذلك في تلك الفرقة الضالة.

وقال في تذكرة الحفاظ في الجزء الثاني، صفحة خمسٍ وثمانين وستمائة: جهال الرافضة لم يدروا ما الحديث ولا السيرة ولا كيف تم، يعني: قد يعذرون؛ لأنهم يجهلون النصوص والنقول، فأما أنت أيها الحافظ البارع! الذي شربت بولك إن صدقت في الترحال، فما عذرك عند الله مع خبرتك بالأمور؟! فإنك زنديقٌ معاندٌ للحق، فلا رضي الله عنك، مات إلى غير رحمة الله سنة ثلاثٍ وثمانين ومائتين للهجرة، هذا كلام الذهبي بالحرف في تذكرة الحفاظ، والميزان، والسير.

فمثل هذا إذا طعن في أحمد بن عبدة الضبي البصري هل يؤخذ بقوله؟ وابن حجر لم يورد كلامه في كتابه المطول تهذيب التهذيب، بل ذكره إجمالاً فقال: قلت: تكلم فيه ابن خراش فلم يقبل من أجل المذهب، فكيف تتهمه بالنصب في تقريب التهذيب؟! هذا كلامٌ باطل، وإن قاله ابن حجر عليه رحمة الله فهذا خطأٌ منه وزلة، يحذف هذا أو يصحح، وإن لم يكن هذا الكلام من كلام الحافظ ابن حجر فكما قلت لكم فيما يظهر والعلم عند الله: أنه خطأ من الذين كتبوا الكتاب، أو أشرفوا عليه وطبعوه والعلم عند الله جل وعلا، فأدخلوا كلاماً في ترجمته، أما الحافظ ابن حجر فما قيده بيده والعلم عند الله؛ لأنه في التهذيب لم يذكر أنه رمي بالنصب، وذكر أن ابن خراش تكلم فيه ثم قال: ولا يلتفت إلى كلامه لأجل المذهب، أي: الخلاف بين السنة والرافضة، فكيف تأخذ قوله حديثاً مسلماً في تقريب التهذيب ثم تقول: ثقةٌ رمي بالنصب؟! نعيذ بالله أحمد بن عبدة وأهل السنة من أن يقعوا في آل البيت أو في أحدٍ من آل البيت الطيبين الطاهرين، فحب آل البيت نتقرب به إلى رب العالمين.

ومثل هذا تقدم معنا في ترجمة هشام الدستوائي وأنه رمي بالقدر، وقوله (رمي)، لابد أن ينتبه لها؛ لأنه أحياناً قد يكون الكلام لا قيمة له. في ترجمة أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني أبو يحيى الأسدي قال الحافظ: ثقةٌ، تكلم فيه بلا حجة، وكلامه هنا: لا بأس به، فلو أنه قال هنا في ترجمة الضبي تكلم فيه والكلام باطل -كما قال في التهذيب- لكان هذا مقبولاً، أما أن يقول: رمي وانتهى، ويجعله حكماً قطعياً في ذلك فلا.

نحن قلنا: فيما مضى إن أهل البدع المكفرة لا يمكن أن يخرج لهم في الصحيحين، ولذلك فإن الحافظ ابن حجر يقول في تعريف بدعة القدرية عندما سيترجم لـهشام في هدي الساري، في القسم الأول وهو من ضعف بسبب الاعتقاد، صفحة أربعمائة وتسع وخمسون، يقول في تعريف القدرية: والقدرية من يزعم أن الشر فعل العبد وحده، انتهى، ولم يزد على هذا شيء، ولذلك عندما يقول: رمي بالقدر، يريد أنه يزعم أن الشر ليس من تقدير الرب جل وعلا فعندما يقول: رمي، فالمعنى: أن هذه الصفة ثابتة فيه، فـهشام الدستوائي مثلاً تقدم معنا وهم يقولون هذا في ترجمته والمطولات توضح هذا، فذكر الرمي عند ترجمته في المختصر هذا في محله، أما أحمد بن عبدة الضبي رمي بالنصب من قبل ابن خراش.

على كل حال أحمد بن عبدة الضبي البصري ثقةٌ، فكلمة رمي بالنصب اضربوا عنها في تقريب التهذيب واستريحوا منها.

أما الإسناد الثاني: أخبرنا أحمد بن عبدة الضبي البصري ، وشيخ الترمذي كـقتيبة ، وهناد رحمهم الله جميعاً. هو أحمد بن عبدة بن موسى أبي عبد الله البصري ، ثقة، ولا شك في توثيقه، لكنه: رمي بالنصب، فهذه المقولة هي التي سنقف عندها؛ لأنها باطلةٌ لا حقيقة لها، ذكرها الحافظ في تقريب التهذيب فقال: إنه ثقةٌ رمي بالنصب، من العاشرة، توفي سنة خمسٍ وأربعين يعني: بعد المائتين، أخرج حديثه مسلم في صحيحه، وأهل السنن الأربعة، انتهى كلام ابن حجر . ولقد روى له البخاري في غير الجامع، كما روى له البزار وأبو يعلى ، وهو من أئمة الهدى وأعلام الخير.

قوله: (رمي بالنصب) كما في تقريب التهذيب، يخالف ما ذكره الحافظ ابن حجر في موضعين:

الأول: في كتابه هدي الساري فقد ذكر عند ترجمة من وصفوا ببدعةٍ من رجال البخاري الكثير وتكلم عليهم، لكنه لم يتعرض لـأحمد بن عبدة ولم يذكر أنه رمي بذلك، وهو وإن لم يكن من رجال البخاري لكنه جعل كلامه في هدي الساري كل من تكلم عليه، ورمي ببدعةٍ، سواءٌ كان من رجال الصحيح أو لا.

الموضع الثاني: في تهذيب التهذيب في الجزء الأول، صفحة تسعٍ وخمسين في ترجمته، يقول: قال النسائي : ثقة، ثم يقول: مات في رمضان سنة خمسٍ وأربعين ومائتين، قلت: والقائل: الحافظ ابن حجر ، هكذا ذكر ابن حبان وفاته في كتاب الثقات، وروى عنه البخاري في غير الجامع والبزار وأبو يعلى ، وتكلم فيه ابن خراش ، فلم يلتفت إليه أحدٌ للمذهب.

ابن خراش رافضيٌ خبيث، تكلم في أحمد بن عبدة ، والحافظ في التهذيب لم يذكر حتى كلامه، بل قال: تكلم فيه ابن خراش فلم يلتفت إليه أحد، لماذا؟ للمذهب، يعني: للخلاف بين السنة والرافضة، فـابن خراش رافضي طعن فيه، فهل طعن الرافضة في أهل السنة معتبر؟ حتى الحافظ في التهذيب ما ذكر نوع الطعن ما هو؟ فكيف بالتقريب الذي يذكر فيه الحكم المعتمد؟ وخلاصة ما يحكم به على الرجل في سطر أو نصف سطر، فكيف يرميه بالنصب، مع أنه في التهذيب ما ذكر هذا؟

وهذه ترجمته من التهذيب: أحمد بن عبدة بن موسى الضبي أبو عبد الله البصري ، روى عن حماد بن زيد ، ويزيد بن زريع ، وفضيل بن عياض ، وابن عيينة وغيرهم.

وعنه: الجماعة إلا البخاري ، وعثمان بن خرزاذ أبي الدنيا ، وروى عنه أبو زرعة ، وأبو حاتم ، وقالا: ثقة، وابن خزيمة ، وأبو القاسم البغوي وعدة، وقال النسائي : ثقة، وفي موضعٍ آخر: لا بأس به، مات في رمضان سنة خمسٍ وأربعين ومائتين، قلت: هكذا ذكر ابن حبان وفاته في كتاب الثقات، وروى عنه البخاري في غير الجامع والبزار وأبو يعلى ، وتكلم فيه ابن خراش فلم يلتفت إليه أحدٌ للمذهب. انتهى كلامه ولم يذكر فيه شيءٌ عن النصب، فكيف ذكر في التقريب أنه رمي بالنصب يعني: بالطعن في علي وآل البيت، وهو لم يورد هذا في الكتاب المطول؟

فلذلك أنا في شكٍ من هذه العبارة الموجودة في تقريب التهذيب، وهي قوله: (رمي بالنصب)، فإنه: بريءٌ من ذلك كبراءة الذئب من دم نبي الله يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، نعم رماه هذا الرافضي الخبيث بالنصب، وأنه يبغض آل البيت، كما يروون الرافضة عن السنة قاطبةً، ويدعون أن الذي لا يعادي الصحابة فهو ناصبي، فإذا أنت لم تشتم أبا بكر وعمر فأنت ناصبي، أعوذ بالله! يقولون: لا ولاء إلا ببراءة، والمعنى: أنه لا تحصل ولايتك لآل البيت إلا أن تتبرأ من أبي بكر وعمر وعثمان ، وهل حب أبي بكر وعمر نصب؟ هذا كلامٌ باطل، كما أننا إذا أحببنا آل البيت أيضاً لا نكون روافض، فطريقة أهل السنة حب الصحابة وفي مقدمتهم أهل البيت الطيبين الطاهرين.

فـابن خراش طعن في أحمد بن عبدة شيخ الترمذي ، لكن طعنه مردودٌ عليه، يقول الذهبي في ميزان الاعتدال: أحمد بن عبدة روى له مسلم وأهل السنن الأربعة، الضبي البصري روى عن حماد بن زيد وغيره ووثقه أبو حاتم والنسائي ، وقال ابن خراش : تكلم الناس فيه، فلم يصدق ابن خراش في قوله هذا، فالرجل حجة. انتهى كلام الذهبي وما زاد على ذلك شيئاً، وأما في كتابه سير أعلام النبلاء وفي كتابه تذكرة الحفاظ، وفي كتابه ميزان الاعتدال في ترجمة ابن خراش فقد دافع عن أحمد بن عبدة دفاعاً طيباً، وأعطى ابن خراش ما يستحقه من الكلام في الهوس الذي قاله في هذا الإمام، فكيف نأخذ تهمةً لهذا المفتري الرافضي في إمامٍ سني.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] 4050 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] 3982 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] 3911 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] 3797 استماع
شرح الترمذي - مقدمات [8] 3791 استماع
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] 3777 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] 3576 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] 3489 استماع
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] 3469 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [6] 3418 استماع