شرح سنن أبي داود [184]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (كان النبي يتعوذ من خمس...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستعاذة.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من خمس: من الجبن والبخل وسوء العمر وفتنة الصدر وعذاب القبر) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي باب في الاستعاذة، والاستعاذة هي نوع من أنواع الدعاء، فالدعاء يشمل الاستعاذة، فقولك: أعوذ بالله يعني: أنك تسأل الله عز وجل وتدعوه أن يعيذك، فالدعاء أعم من الاستعاذة وأعم من الاستغفار، وأبو داود رحمه الله لما ذكر الاستغفار ذكر أحاديث لا علاقة لها بالاستغفار وإنما هي دعاء، وكل الأحاديث التي أوردها في باب الاستعاذة هي استعاذة وفق الترجمة.

أورد هنا حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من خمس: من الجبن، والبخل، وسوء العمر، وفتنة الصدر، وعذاب القبر) هذه الخمس كان يستعيذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالجبن ضد الشجاعة، سواء كان جبناً في الجهاد في سبيل الله أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غير ذلك، فالجبن ضعف وخور ومهابة تجعل الإنسان يتأخر عن فعل الخير.

والبخل ضد الجود والكرم، يعني: أن يبخل الإنسان بالمال.

وسوء العمر يعني كونه يرد إلى أرذل العمر بأن يتقدم به السن بحيث يرجع إلى أرذل العمر فيكون مثل الطفل، وهذا هو الهرم.

وفتنة الصدر هي ضيقه أو ما يعلق بالقلب من السوء ومن الشر، وسيأتي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر قلبي)، فهو يماثل هذا، والصدر هو موضع القلب كما جاء في القرآن: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

فإما أن يراد بفتنة الصدر ما يحصل من الضيق للإنسان، أو يراد ما يحصل للقلب الذي هو في الصدر من الفتن التي تعرض على القلوب، كما جاء في الحديث أن الفتن تعرض على القلوب، وقد وردت الاستعاذة من وسوسة الصدر، يعني: وسوسة القلب.

وعذاب القبر تواترت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر المعتزلة عذاب القبر وأن الناس يعذبون في قبورهم.

تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي يتعوذ من خمس...)

قوله:[ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا وكيع ].

وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا إسرائيل ].

وهو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي إسحاق ].

أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن ميمون ].

عمرو بن ميمون ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمر بن الخطاب ].

عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

والحديث ذكره الألباني في الضعيفة، ولا أدري وجه هذا التضعيف؛ لأن رجال الإسناد كلهم ثقات معروفون، وأيضاً الألفاظ التي وردت فيه كلها جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فتنة الصدر، فالحديث صحيح.

شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أخبرنا المعتمر قال: سمعت أبي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) ].

مر في باب الاستعاذة حديث رقم (1539) عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وذكره الشيخ الألباني في الضعيفة، مع أن رجاله ثقات، ومعناه جاء في الأحاديث الأخرى، فلا أدري وجه ذلك التضعيف، مع أنه سبق أن مر الحديث رقم (1517) الذي فيه: (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف) وفيه أربعة رجال من المقبولين، وكتب عنه: صحيح. يعني: لطرق أخرى، فلا أدري لماذا لم يصحح هذا الحديث مع أن ألفاظه جاءت في أحاديث صحيحة!

بعد ذلك أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من العجز والكسل) والعجز هو مقابل القدرة، والمقصود به العجز عن الإتيان بما هو خير، والكسل هو الخمول وعدم النشاط الذي هو مقابل الجد.

قوله: (والجبن والبخل) الجبن ضد الشجاعة، فيدخل فيه الجبن في الجهاد في سبيل الله، وكذلك الجبن فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

البخل هو الشح، أو الشح أشد البخل، وهو مقابل الكرم والجود والإحسان.

قوله: والهرم الهرم هو الشيخوخة التي يكون معها الضعف، ويكون معها الرد إلى أرذل العمر.

قوله: (وأعوذ بك من عذاب القبر) عذاب القبر هو ما يحصل بين الموت والبعث من القبور، فإن الناس يعذبون في قبورهم أو ينعمون، والقبر يعتبر من الدار الآخرة؛ لأن الحد الفاصل بين الدنيا والآخرة الموت، فمن مات قامت قيامته، وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، ويجازى في قبره على ما قدم إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

قوله: [ (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) ] هذا تعميم بعد التخصيص؛ لأن فتنة المحيا تعم كل ما يحصل في الحياة من الفتن، وفتنة الممات عامة في كل ما يحصل بعد الموت من البلاء والشر، فإن ذلك من فتنة الممات، فهذا من ذكر العام بعد الخاص.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل...)

قوله:[ حدثنا مسدد ].

الشيخ: مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ أخبرنا المعتمر ].

المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت أبي ].

وهو سليمان بن طرخان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه رضي الله عنه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد من رباعيات أبي داود التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود من الأسانيد، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة رجال، وهم في هذا الحديث: مسدد والمعتمر وأبوه سليمان وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم.

شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن -قال سعيد : الزهري - عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه كثيراً يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وضلع الدين وغلبة الرجال)، وذكر بعض ما ذكره التيمي ].

ذكر أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يسمعه يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وضلع الدين، وقهر الرجال)، وذكر بعض ما ذكره التيمي يعني في الحديث السابق، والتيمي هو أبو المعتمر سليمان بن طرخان التيمي يعني: ذكر العجز والكسل والهرم والبخل وفتنة المحيا وفتنة الممات، وهنا ذكر الهم والحزن.

والهم هو ما يهم الإنسان في أمر يشغل باله، ويكون الهم غالباً في شيء مستقبل أو حاضر، والحزن في أمر فات ومضى، فيصيبه حزن عليه، وضلع الدين هو شدته، وكون الإنسان عليه الدين وليس عنده سداد، فيهمه ويشغله، وقهر الرجال غلبتهم وقهرهم.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن...)

قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ].

سعيد بن منصور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وقتيبة بن سعيد ].

قتيبة بن سعيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ].

يعقوب بن عبد الرحمن الزهري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ قال سعيد : الزهري ].

يعني الشيخ الأول الذي هو سعيد بن منصور أضاف إلى يعقوب بن عبد الرحمن كلمة: الزهري ، والشيخ الثاني الذي هو قتيبة بن سعيد اقتصر على يعقوب بن عبد الرحمن .

[ عن عمرو بن أبي عمرو ].

عمرو بن أبي عمرو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره .

شرح حديث (كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن طاوس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات). ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، وهذا يدل على الاهتمام والعناية بهذا الدعاء، وجاء في بعض الروايات أن ذلك بعد التشهد وقبل السلام، وقد مر بنا قريباً حديث الاستخارة، وأنه كان يعلمهم الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، وكذلك مر في حديث التشهد أنه كان يعلمهموه كما يعلمهم السورة من القرآن.

وهذا الحديث يدل على الاهتمام والعناية من رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء الذي يعلمهم إياه، وهذا الدعاء هو: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات).

وعذاب جهنم هو عذاب النار، وجهنم اسم من أسماء النار، وعذاب القبر داخل في عذاب الآخرة، وهو عذاب البرزخ الذي يكون بين الموت وبين البعث، ولكنه تابع للدار الآخرة؛ لأنه في دار الجزاء، والمسيح الدجال هو الرجل الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتنته، وما يحصل منه من الأمور المدهشة التي يغتر بها كثير من الناس، وذكر فتنة المحيا والممات وهو تعميم بعد تخصيص.

تراجم رجال إسناد حديث (كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن...)

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة .

[ عن أبي الزبير المكي ].

هو محمد بن مسلم بن تدرس ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن طاوس ].

طاوس بن كيسان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، ومن شر الغنى والفقر) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ومن عذاب النار ومن شر الغنى والفقر) وفتنة النار قيل: المقصود بذلك ما يحصل من التوبيخ والتقريع الذي يحصل لهم في النار كما قال الله عز وجل: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [الملك:8]، وعذاب النار هو حصول العذاب فيها.

وفتنة الغنى هو الغنى الذي يكون معه الطغيان، وفتنة الفقر هو الذي يكون معه عدم الصبر أو الأمور التي لا تحمد عقباها، كأن يقدم الإنسان على أن يحصل المال عن طريق حرام بسبب الفقر الذي قد حصل له، فالغنى يمكن أن يكون نعمة أو يكون نقمة، وهو بلاء كما قال الله عز وجل: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، فإن البلوى تكون بالخير وتكون بالشر، والإنسان إذا أعطي المال ولم يشكر الله عز وجل على هذه النعمة، وحصل له الطغيان والإفساد بالمال، وصرفه في الأمور التي لا تجوز؛ يكون الغنى وبالاً عليه، والله تعالى يقول: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] فيحصل بسبب الغنى الطغيان من بعض الناس، يقول الله عز وجل: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ [الشورى:27].

ومن الناس من يستعمل المال في طاعة الله، ومن الناس من يستعمله فيما يعود عليه بالخير كما كان الصحابة رضي الله عنه وأرضاهم، مثل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما من أثرياء الصحابة الذين كانوا يصرفون أموالهم في سبيل الله عز وجل، فانتفعوا بذلك دنيا وأخرى، ونفعوا غيرهم، ويعود ثواب ذلك عليهم حيث ينفقون أموالهم في سبيل الله عز وجل.

والفقر وهو قلة ذات اليد فتنة، فقد يجعل الإنسان يقدم على سرقة أو يقدم على تسخط أو تألم وعدم صبر وما إلى ذلك من الأمور التي تترتب على الفقر الذي لا يكون معه صبر، فإن الشكر مع الغنى والصبر مع الفقر من الصفات المحمودة.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار...)

قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ].

إبراهيم بن موسى الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا عيسى ].

عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا هشام ].

هشام بن عروة بن الزبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

وهو عروة بن الزبير ، ثقة من فقهاء أهل المدينة السبعة في عصر التابعين أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورجال هذا الإسناد كلهم ممن خرج لهم أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم) قيل: المقصود بالقلة هي قلة المال، وعلى هذا فهو يماثل الفقر، وقيل: هي القلة في العدد التي لا تحصل معها نصرة، فهي تتعلق بقلة المال أو بقلة العدد.

والذلة: كون الإنسان يحصل له الذل والخوف والذعر ويكون ذليلاً.

وقوله: (وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم) يعني: أن يلحق الضرر بغيره أو غيره يحلق الضرر به، فهو يتعوذ بالله أن يكون ظالماً يظلم غيره أو مظلوماً يظلمه غيره.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة...)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

الشيخ: موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد بن سلمة ، وقد عرفنا أنه إذا جاء موسى بن إسماعيل عن حماد فالمراد به ابن سلمة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ أخبرنا إسحاق بن عبد الله ].

إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن يسار ].

سعيد بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن أبي هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن عوف حدثنا عبد الغفار بن داود حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك). ].

زوال النعمة ذهابها وسلبها، وكون الإنسان يكون في نعمة فيسلبها، فيتحول مثلاً من الغنى إلى الفقر.

والنعمة أعم من الغنى؛ لأن نعم الله عز وجل لا تحصى، فيدخل فيها الصحة والعافية ويدخل فيها المال، ويدخل فيها أنواع النعم؛ لأن النعمة هنا من المفرد المضاف إلى معرفة فتعم كقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، وقوله: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53].

وتحول العافية من الصحة إلى المرض، ومن الخير إلى الشر.

قوله: (وفجاءة نقمتك) يعني البغتة، حيث يكون الإنسان آمناً فيحصل له انتقام فجأة؛ لأن البغتة قد تحصل بها للإنسان أمور تضره.

وقوله: (وجميع سخطك) هذا عام يعم كل ما يسخط الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك...)

قوله: [ حدثنا ابن عوف ].

هو محمد بن عوف ثقة أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي .

[ حدثنا عبد الغفار بن داود ].

عبد الغفار بن داود وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة ].

يعقوب بن عبد الرحمن مر ذكره، وموسى بن عقبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن دينار ].

عبد الله بن دينار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ عن ابن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا ضبارة بن عبد الله بن أبي السليك عن دويد بن نافع حدثنا أبو صالح السمان قال: قال أبو هريرة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق)، الشقاق: هو المشاقة والمخاصمة بالباطل في مقابلة صاحب الحق.

والنفاق: هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر، وهو النفاق الاعتقادي، وكذلك النفاق العملي الذي منه الكذب وغير ذلك.

وسوء الأخلاق: تعميم بعد تخصيص؛ لأن سوء الأخلاق لفظ عام يشمل الأخلاق السيئة.

هذا الحديث لا يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن في إسناده راوياً مجهولاً، ولكن إذا دعا أحد بهذا الدعاء لا على أنه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لكونه دعاءً مشتملاً على أمر عظيم جامع، فلا بأس بأن يدعو به، لكن لا على اعتبار أنه حديث، وأن هذا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ لم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن معناه صحيح، والمسلم يسأل الله السلامة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، لكن لا يضيفه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لم يثب عنه عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق...)




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2882 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2828 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2722 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2692 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2683 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2671 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2669 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2649 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2638 استماع