شرح سنن أبي داود [110]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدعاء بين السجدتين.

حدثنا محمد بن مسعود حدثنا زيد بن الحباب حدثنا كامل أبو العلاء حدثني حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني) ].

قوله: [ باب الدعاء بين السجدتين ] يعني: في الصلاة، فهذه الترجمة تتعلق بالدعاء الذي يكون بين السجدتين.

وقد أورد في ذلك حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني)]، وهذه الخمس الكلمات: كلها مما يحتاج إليه العبد.

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرجل الذي قال: (هذه لربي فما لي؟) أنه أرشده عليه الصلاة والسلام إلى أن يدعو بمثل هذا الدعاء أو بما هو قريب من هذا الدعاء، وقد مر ذلك قريباً.

قوله: [ (فاغفر لي) ] أي: اغفر ذنوبي.

وقوله: [ (وارحمني) ] أي: اشملني برحمتك الواسعة التي وسعت كل شيء.

وقوله: [ (وعافني) ] أي: ارزقني العافية والسلامة من كل شر في الدنيا والآخرة.

وقوله: [ (واهدني) ] أي: ثبتني على ما حصل لي من الهدى وزدني هدى إلى هدى؛ لأن طلب الهداية يشمل أمرين: التثبيت على ما قد حصل، والمزيد مما لم يحصل أو حصول زيادة على ما قد حصل، كما قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17]، فهو يطلب الثبات على الهداية الحاصلة والمزيد من الهداية.

وقوله: [ (وارزقني) ] أي: ارزقني رزقاً حلالاً أستفيد منه في دنياي وأخراي.

فهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يدل على أن هذا الدعاء يكون بين السجدتين، وهو مشتمل على هذه الخمس الدعوات التي العبد بحاجة إليها وحاجته إليها عظيمة ولا سيما الهداية، ولهذا جاء في سورة الفاتحة طلب الهداية: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] في كل ركعة من ركعات الصلاة؛ لأن حاجة الناس إلى ذلك فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة؛ لأن هذا هو الذي فيه الزاد إلى الحياة الأخروية، وهو الهداية إلى الصراط المستقيم والثبات على طاعة الله وعلى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي...)

قوله: [ حدثنا محمد بن مسعود ].

محمد بن مسعود ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده.

[ حدثنا زيد بن الحباب ].

زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا كامل أبو العلاء ].

كامل أبو العلاء صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ حدثني حبيب بن أبي ثابت ].

حبيب بن أبي ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن جبير ].

سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدعاء بين السجدتين.

حدثنا محمد بن مسعود حدثنا زيد بن الحباب حدثنا كامل أبو العلاء حدثني حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني) ].

قوله: [ باب الدعاء بين السجدتين ] يعني: في الصلاة، فهذه الترجمة تتعلق بالدعاء الذي يكون بين السجدتين.

وقد أورد في ذلك حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني)]، وهذه الخمس الكلمات: كلها مما يحتاج إليه العبد.

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرجل الذي قال: (هذه لربي فما لي؟) أنه أرشده عليه الصلاة والسلام إلى أن يدعو بمثل هذا الدعاء أو بما هو قريب من هذا الدعاء، وقد مر ذلك قريباً.

قوله: [ (فاغفر لي) ] أي: اغفر ذنوبي.

وقوله: [ (وارحمني) ] أي: اشملني برحمتك الواسعة التي وسعت كل شيء.

وقوله: [ (وعافني) ] أي: ارزقني العافية والسلامة من كل شر في الدنيا والآخرة.

وقوله: [ (واهدني) ] أي: ثبتني على ما حصل لي من الهدى وزدني هدى إلى هدى؛ لأن طلب الهداية يشمل أمرين: التثبيت على ما قد حصل، والمزيد مما لم يحصل أو حصول زيادة على ما قد حصل، كما قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17]، فهو يطلب الثبات على الهداية الحاصلة والمزيد من الهداية.

وقوله: [ (وارزقني) ] أي: ارزقني رزقاً حلالاً أستفيد منه في دنياي وأخراي.

فهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يدل على أن هذا الدعاء يكون بين السجدتين، وهو مشتمل على هذه الخمس الدعوات التي العبد بحاجة إليها وحاجته إليها عظيمة ولا سيما الهداية، ولهذا جاء في سورة الفاتحة طلب الهداية: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] في كل ركعة من ركعات الصلاة؛ لأن حاجة الناس إلى ذلك فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة؛ لأن هذا هو الذي فيه الزاد إلى الحياة الأخروية، وهو الهداية إلى الصراط المستقيم والثبات على طاعة الله وعلى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ حدثنا محمد بن مسعود ].

محمد بن مسعود ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده.

[ حدثنا زيد بن الحباب ].

زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا كامل أبو العلاء ].

كامل أبو العلاء صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ حدثني حبيب بن أبي ثابت ].

حبيب بن أبي ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن جبير ].

سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رفع النساء إذا كن مع الرجال رءوسهن من السجدة.

حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري ، عن مولى لـأسماء ابنة أبي بكر ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم، كراهية أن يرين من عورات الرجال) ].

قوله: [ باب رفع النساء إذا كن مع الرجال رءوسهن من السجدة ].

يعني: متى يكون ذلك؟ وهل يكون حالهن مثل حال الرجال؟ أي: إذا انقطع صوت الإمام رفعن رءوسهن كما يرفع الرجال أو أنهن يتأخرن؟

والمقصود من الترجمة أنهن يتأخرن، وذلك لعلة، وهي: كون ملابس الرجال فيها ضيق وقلة، فكان الواحد منهم يلبس الثوب الواحد، والمقصود بالثوب اللفافة التي يلفها على نفسه؛ لأن الثوب يطلق على ما هو أعم من القميص، فاللفافة التي يلفها على نفسه يقال لها: ثوب، وكان في ثيابهم قصر أو قلة، فقد تبدو عورتهم إذا سجدوا، فأمر النساء إذا صلين مع الرجال ألا يرفعن رءوسهن إلا بعدما يرفع الرجال رءوسهم ويجلسون، أي: يتأخرن قليلاً، وهذا إنما هو في هذه الحالة.

أما إذا كان الأمر ليس فيه شيء مما يحذر فيرفعن كما يرفع الرجال؛ لأن هذا النهي أو أرشادهن إلى ألا يفعلن ذلك إنما هو لئلا تحصل رؤية عورة أحد من الرجال.

وقد مر بنا حديث عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه الصحابي الصغير، الذي كان يصلي بقومه وعليه ثوب ضيق، وكان إذا سجد أحياناً تبدو عورته، فذكر أن امرأة قالت: (غطوا سوءة إمامكم) فاشتروا له قميصاً، فكان يصلي بهم به وقد فرح بذلك فرحاً شديداً لأنه حصل على قميص، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من القلة والفاقة، وهم خير الناس رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

قوله: [ (فلا ترفع رأسها) ] يعني: من السجود.

وقوله: [ (حتى يرفع الرجال رءوسهم) ] يعني: حتى يستقر الرجال ويجلسوا، فعند ذلك يرفعن رءوسهن.

قوله: [ (كراهية أن يرين من عورات الرجال) ] يعني: هذا النهي لكراهية أن ترى النساء من عورات الرجال، وذلك للضيق وشدة الحاجة وعدم السعة في الملابس.

فقوله صلى الله عليه وسلم: [ (من كان منكن تؤمن بالله واليوم الآخر) ] فيه حث وترغيب وتنبيه للمرأة التي تؤمن بالله واليوم الآخر على أن تبتعد عن أن ترى العورات، وأن تتعرض لرؤية العورات.

مناسبة ذكر الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله

قوله: [ (من كانت منكن تؤمن بالله) ] الإيمان بالله هو أساس كل شيء، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر كل هذا تابع للإيمان بالله عز وجل، فيؤمن المرء بالله وبما جاء عن الله، وبما أخبر الله تعالى به من ملائكة وإرسال رسل مضوا وإنزال كتب مضت، ويوم آخر يأتي ويجازى الناس فيه بأعمالهم، وقضاء الله تعالى وقدره، ولكنه نص على الإيمان بالله عز وجل وأتى بعده باليوم الآخر؛ لأن الذي يخاف الله عز وجل ويخشى من ذلك اليوم إذا ذكر به فإنه يخاف من الحساب فيه ومن العقوبة، فيحسب لذلك حساباً، ولهذا يأتي كثيراً في النصوص ذكر الإيمان بالله ومعه الإيمان باليوم الآخر؛ لأن فيه التنبيه على الجزاء والحساب، وأن الإنسان سيحاسب، ويجازى على ما قدم إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً، كما قال الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، وكما جاء في الحديث القدسي: (إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).

إذاً: التنصيص على اليوم الآخر مع الإيمان بالله لأنه يوم الجزاء والحساب، ففيه تنبيه عى الجزاء والعقوبة لمن حصل منه المخالفة.

شاهد يشهد لهذا الحديث

والحديث في سنده رجل مجهول، وهو مولى أسماء بنت أبي بكر ، وقد أخرج له أبو داود ، لكن معنى الحديث جاءت له شواهد تدل على ما دل عليه، فليس التعويل على ما جاء في هذا الإسناد، بل قد سبق أن مر بنا حديث في [باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلي] عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: (لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأمثال الصبيان، فقال قائل: يا معشر النساء! لا ترفعن رءوسكن حتى يرفع الرجال)، وذلك حتى لا يرين العورات، فهو يدل على مثل ما دل عليه الحديث الذي معنا الذي فيه الرجل المجهول.

وهذا النهي مقيد بهذا الأمر، فإذا لم يكن هناك شيء من هذا وكانت الثياب ساترة وكافية وليس فيها انكشاف عورة فليس هناك بأس.

تراجم رجال إسناد حديث (من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم)

قوله: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ].

محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود وحده.

[ حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني يماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أنبأنا معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري ].

عبد الله بن مسلم أخي الزهري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن مولى لـأسماء ابنة أبي بكر ].

مولى أسماء مجهول، أخرج له أبو داود وحده.

[ عن أسماء بنت أبي بكر ].

هي أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي صحابية أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وهي التي اجتمع لها إسلام أبيها وجدها وابنها، فأبوها أبو بكر بن أبي قحافة ، وجدها أبو قحافة ، وابنها عبد الله بن الزبير ، وكل هؤلاء صحابة اجتمع لهم الإسلام والصحبة.

ومولى أسماء بنت أبي بكر قد يكون هو عبد الله بن كيسان كما صرح به المزي في التهذيب (8/517) والحافظ ابن حجر في تهذيبه.

ولكن الحافظ قال في التقريب في باب المبهمات: عبد الله بن مسلم أخو الزهري عن مولى أسماء يحتمل أن يكون عبد الله بن كيسان .

وقال المنذري : مولى أسماء مجهول، والحديث تفرد به أبو داود .

و المزي لم يذكر من الرواة عن أسماء إلا عبد الله بن كيسان .

و عبد الله بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و ابن حجر يقول: يحتمل أن يكون هو، وعلى كل فالحديث ثابت، سواءٌ أكان المبهم ابن كيسان -وهو ثقة ولا إشكال- أم كان غيره؛ لأن الحديث لم يأت من هذه الطريق وحدها بل جاء من غيرها.

والشيخ الألباني صححه.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2886 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2829 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2726 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2695 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2687 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2670 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2650 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2640 استماع