أرشيف المقالات

الكتب

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
8 كتب وشخصيات تأليف الأستاذ سيد قطب هذا كتاب في النقد، نقد الأدب المعاصر، جاء في أبانه، فقد أصبحت المكتبة العربية الحديثة كما قال المؤلف: (تستحق ناقداً ففيها أعمال أدبية ناضجة، وفيها مذاهب فنية متبلورة كما أن فيها محاولات واتجاهات تستحق الاهتمام، فالناقد خليق أن يجد له عملا في هذه الظروف الجديدة.
)
وقد تناول المؤلف بالنقد في هذا الكتاب (كتباً) في مختلف أنواع الأدب، ومعها (شخصيات) مؤلفيها من شتى البلاد العربية، وحرص على أن تكون هذه الشخصيات (من جميع الأنماط والمستويات والاتجاهات) كما حرص على أن بصرر شخصية كل أديب تناول أحد كتبه بالنقد، (فالكتاب وصاحبه في هذا الكتاب موصوفان مرسومان مميزان) لأشك أنك الآن عرفت معنى اسم الكتاب (كتب وشخصيات) وتصورت موضوعة على وجه الإجمال، ولا أسارع - كما فعل المؤلف في أكثر كتبه وشخصياته - فأعطيك (مفتاح) شخصية مؤلفنا، بل أرى أن نحول معا - أولا - في أنحائه، ونتعرف سماته وطرائفه على قدر ما تحتمله هذه العجالة. بدأ الأستاذ سيد قطب بفصول في النقد العالم، بين فيها أصولا وأسساً نظرية للنقد، أهمها أو رؤوسها أن حق الناقد في الحكم على صحة الحالات النفسية والصور الذهنية رهن بالنسبة بين رصيده ورصيد الفنان من الآفاق النفسية، والتجارب الفنية على السواء. وأن صعوبة فهم النصوص الأدبية لا ترجع إلى غرابة اللفظ ووعورة التركيب، أمنا (هي صعوبة التصور والإدراك بسبب نقص الرصيد النفسي من التجارب الحسية والذهنية والروحية) و (أن الطبائع الفنية الممتازة، والنفوس الفنية الموفورة الرصيد، أقل عدداً في هذه الحياة من الطبائع الشائعة المكرورة والنفوس المحدودة التجارب). وأن مادة الفن الأصيلة هي التجارب الإنسانية، ومهمته أن يعرضها ويصف جزئياتها، ويسجل الانفعالات التي صاحبتها وبصور ما أحاط بها من تصورات وأخيلة، وأن قيمة العمل الفني في الاحتفاظ لهذا التصوير بالحرارة التي صاحبت الانفعال، وأما من يلقى الحقيقة الأخيرة التي انتهى إليها من تجربته فإن عمله يفقد المتعة الفنية ولا يستثير الحس والخيال بالمشاركة الطويلة المفصلة وأن التعبير الذي يرسم للمعنى صورة أو ظلا أدنى إلى الفن من التعبير الذي يلقى المعنى مجرداً. وأن الشعر يستمد معظم مؤثراته وانفعالاته من وراء الوعي (وكلما فاض الشعور فطغى على الوعي، وانطلق يستمد من الرواسب النفسية ويستوحي الظلال الشعورية، كان يجري في ميدانه الأصيل، وينشئ أجل آثار، وذلك مع عدم إغفال مقومات الشعر الأخرى من عمق وسعة اتصال بالحياة ونفاذ إلى الأسرار الكونية الخالدة). وبعد النقد العام بحثان: (النفس الإنسانية في الشعر العربي) و (والطبيعة في الشعر العربي) ثم يمضي الأستاذ إلى الكتب والشخصيات على ضوء الأسس العامة السابقة وما يشع من تفصيلات وفروع.
وهو يعني في معظمها بالشخصيات أكثر من الكتب، فكثيراً ما يبدأ بتسليم (مفتاح الشخصية) دون أن يبين كيف ضع هذا المفتاح.
ولعله يرمي بذلك إلى عرض نتيجة دراسته للشخصية في مختلف آثارها، ثم يسير مع القارئ في الكتاب الذي ينقده.
وهذا يفسر اهتمامه بالشخصيات أكثر من الكتب، على أن حظه من التوفيق في إبراز الشخصية كان أكثر في الشخصيات التي جال في أنحائها ودهاليزها وحجراتها قبل أن يعطى (مفتاحها). وقد تجلت براعة الأستاذ سيد خاصة في أكثر الموازيات التي قام بها بين الشخصيات ومؤلفاتها، كما صنع بين الدكتور طه حسين والأستاذ توفيق الحكيم، وقد خص الثاني بقسط كبير من عنايته في تحليله وتبيين سماته وملامحه. والجانب الذي يوجه إليه الأستاذ سيد أكثر همة في الأعمال الأدبية، هو الصور والظلال، فهو يجسم أهميتها في فصول النقد العام، ويتلمسها عند كل أديب، ويجعلها أكبر (صنجة) في الميزان، وله ألمعية نافذة في الوقوف والدلالة عليها. وقد أجاد في تطبيق أسس النقد في العام على الأمثلة التي اختارها لولا (شنشنة) ما كنا نود أن يكون (أخزمها) فقد حرص في كل فصل من الفصول الأولى، عند ذكر ميزات وقيم الفنون على أن يجرد أو ينقص نصيب الأدب العربي منها: فهذا الأدب يغلب عليه طابع المعاني العامة المتبلورة والقضايا الذهنية الكلية، ويطالع القارئ بنتيجة التجربة النفسية لا بطريقتها التي تشغل الحس وتستثير الخيال؛ وهو فقير في الصور والظلال؛ والشعر العربي لا يستطيع أن يقف على قدميه أمام الشعر العالمي فيما يلمح وراء الألفاظ والمعاني من الظلال الإنسانية والحالات النفسية؛ وأن الطبيعة لم تكن متصلة بإحساس الشعراء العرب اتصال الصداقة والألفة، فالطبيعة في الشعر العربي (تستعمل من الظاهر!) والأستاذ سيد يطلق هذه القذائف في وجه الأدب العربي؛ ثم يخلو إلى قطع مختارة من الأدب الغربية والهندية والفارسية، معظمها من كتاب (عرائس وشياطين) للأستاذ العقاد، فيعكف على ما فيها من الميزات التي جرد منها الأدب العربي، ويأتي من الشعر العربي بما يراه مجرداً من اللحم والدم.

وهذا صنيع عجيب لأن القطع غير العربية التي أتى بها مختارة، والأستاذ العقاد الذي اختار هذه القطع من معادنها التي هو خبير بها لم يفعل شيئاً مما فعله سيد قطب في استخدامها في الجملة على الأدب العربي ولست أرى المجال هنا لإثبات ما نفاه المؤلف عن الأدب العربي، لأنني هنا بصدد التعريف والنظرات العامة. وأستطيع الآن أن أقول إن الأستاذ يجاوز ميدانه جاهداً، فيثير غباراً تقذى بع عيون بريئة.
ولم يكن المؤلف منصفاً كل الإنصاف في الموازنة بين شوقي وعزيز أباظة في الرواية الشعرية، ومرد ذلك - فيما ألمح - إلى ما استقر عنده من هو أن أمر شوقي في الشعر، وقد بدأ تحامله على شوقي في نقد الأبيات الآتية من (مجنون ليلى): لمْ إذن يا هند من ...
قيس ومما قال تبرا أنعم (مناز) مساء ...
نعمت سعد مساء أوغل الليل فلنقم ...
بل رويدا واسمعي (ليل) خلي عني دعني يأخذ عليه في البيت الأول تسكين ميم (لم) وتسهيل الهمزة في (تبرا) وفي الباقي ترخيم منازل وليلى بجعلهما (مناز) و (ليل) وبعد هذه ضرورات يعيبها عليه.

مع العلم بأن تسكين هزة (لم) وتسهيل الهزة كثير جداً في الشعر، ولا غبار عليه.

أما ترخيم المنادى فليس من الضرورات، فهو يكون في النثر كما يكون في الشعر؛ وهذا، وذاك، وذلك، أمور مستساغة، بل كثيراً ما تستعذب وتستملح. ومما أخطئه الإنصاف فيه نقده لتيمور إذ يصف فنه بالفتور، وبأنه يؤثر اللطف والدعة على الانفعال والحرية.
وهو في هذا يضع موازين (غير مختومة.
.)
ويزين بها. فهذا أديب وديع لطيف يصدر في أدبه عن ذات نفسه، فيؤثر فيه اللطف والدعة، أليس هذا من (الصدق الذاتي) في الأدب؟ أولا يكون النتاج معجبا إلا إذا صخب فيه الأديب وعربد.
؟ وعلى الرغم من كل ذلك فكتاب (كتب وشخصيات) مرحلة من مراحل النقد في أدبنا الحديث، فيها نضج كثير ودنو من المثال، وأسلوب الكتاب هو أسلوب الأستاذ سيد قطب الذي يعرفه القراء دقيق التعبير نابضاً بالحياة، وسيد قطب هو (الناقد اللازم) الآن للمكتبة العربية، وعدته في ذلك (رصيد) ضخم من الطبيعة الفنية، ونفاذ بارع، وجد بالغ، وقدر لا بأس به من التجرد من عوائق مسير النقد في سبيل الإنصاف، على أن هذا القدر يعوز الكثيرين.
عباس حسان خضر

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن