أرشيف المقالات

حول كتب الوفيات:

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
8 عود على بدء للأستاذ أحمد الشرباصي كنت قد نبهت أخي الأديب الأستاذ وديع فلسطين على صفحات مجلة (الرسالة) الغراء إلى أن كتاب (وفيات الأعيان) ليس كما يظن ويقول - كتاباً مقصوراً على ذكر وفيات المشهورين من الرجال، بل هو كتاب تاريخ جامع، فيه أخبار وأشعار، وحوادث وقصص؛ ولما نشرت هذه الكلمة لقيني أخي الأستاذ علي محمد حسن المدرس بالأزهر الشريف فحادثني عن هذه الكلمة، ثم ذكر أنه سمع بأن هناك كتاباً أسمه (وفيات الأعيان) غير كتاب ابن خلكان، وقد اقتصر صاحبه على ذكر وفيات من عرف من الرجال، وأن هذا الكتاب موجود بدار الكتب المصرية بالقاهرة.
! شغلني هذا الموضوع، فعجلت بالذهاب إلى الدار، وأخذت أراجع فهارس كتبها المخطوطة والمطبوعة لأستنبئها عما فيها من كتب تسمى بالاسم المذكور أو تقاربه؛ فوجدت فيها كتاب (وفيات الأعيان) لابن خلكان، وهو أشهر من أن يعرف؛ ووجدت فيها كتاب (فوات الوفيات) لمحمد بن شاكر بن أحمد الكتبي المتوفى سنة 764هـ؛ وهو كتاب متوسط، يقع في مجادين مطبوع بالمطبعة لأميرية ببولاق، في عهد الخديوي إسماعيل باشا سنة 1283هـ؛ وأنتهز هذه الفرصة لأقول إن هذه الطبعة مملوءة بالتحريفات والتصحيفات والأخطاء المطبعية مما تقذى منه العين، ويضج له المطابع على الرغم من أن الطابع أحصى في أول كلُّ مجلد منهما جانباً كبيراً جداً من الأخطاء والغلطات المهمات، وترك الباقي لفطنه القارئ الأديب اللبيب كما يقول.
! وكتاب الوفيات للكتبي يعتبر كتذييل أو تتميم لوفيات ابن خلكان؛ وقد أوجز المؤلف عمله في كتابه، ومجهوده في مؤلفه في المقدمة الطويلة التي قال فيها بعد البسملة والحمدلة والصلاة على الرسول والآل: (وبعد، فإن علم التاريخ مرآة الزمان لمن تدبر، ومشكاة أنور يطلع بها على تجارب الأمم من أمعن النظر وتفكر، وكنت ممن أكثر لكتبه المطالعة، واستجلى من فوائده المراجعة، فلما وقفت على كتاب (وفيات الأعيان) لقاضي القضاة ابن خلكان قدس الله روحة - روحه وجدته من أحسنها وضعاً، لما اشتمل عليه من الفوائد الغزيرة، والمحاسن الكثيرة، غير أنه لم يذكر أحدا ًمن الخلفاء، ورأيته قد أخل بتراجم فضلاء زمانه، وجمع ممن تقدم على أوانه، ولم أعلم أذلك ذهول عنهم، أم لم يقع له ترجمة أحد منهم، فأحببت أن أجمع كتاباً يتضمن ذكر من لم يذكره من الأئمة الخلفاء والسادة الفضلاء، وأذيل من وفاته إلى الآن، فاستخرت الله تعالى، فانشرح لذلك صدري وتوكلت عليه وفوضت إليه أمري، وسميته بـ (فوات الوفيات)؛ والله تعلى المسئول أن يوفق في القول والعمل.
وأن يتجاوز عن هفوات الخطأ والزلل)
. ثم أخذت أقلب بين يدي صفحات (الفوات) فإذا أنا أقع في نهايته على نص مهم لمصححه الشيخ نصر أبو الوفا الهوريني، إذ أن هذا النص قد تحدث عن كثير من الكتب التي ألفت في الوفيات كتذييل لكتب سابقة أو تعليق على مؤلفات متقدمة، وقد كفاني هذا النص مئونة البحث والتنقيب عما تحدث عنه من كتب؛ قال: (وأعلم أن الوفيات قد أشتمل على 846 ترجمة، وذيل عليه عبد الباقي المخزومي المكي المتوفى سنة 843؛ كما تقدم في هذا الكتاب؛ بنحو ثلاثين ترجمة؛ وكذا ذيل حسن بن أيبك المتوفى بالتاريخ المذكور؛ وذيل عليه عبد الباقي الشيخ زين الدين عبد الرحيم العراقي المتوفى 806؛ وأما هذا الفوات فإنه أشتمل على 572 ترجمة، منها نحو ست تراجم أو سبعة مذكورة في الوفيات فليست من الفوات كما يعرفه من استقصى فهارس الكتابين؟ وأما كتاب الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي الذي انتهى فيه إلى آخر سنة 760 قبل وفاته بأربع سنين فإني كنت أتوهم أنه ذيل آخر للوفيات غير موجود بمصر، حتى كتبت ذلك ببعض الهوامش بناء على هذا التوهم، إلى أن رأيت في كشف الظنون أنه كتاب حافل جمع فيه تراجم الأعيان ونجباء الزمان، ممن وقع عليه اختياره، فلم يغادر أحداً من أعيان الصحابة والتابعين والملوك والأمراء والقضاة والعمال والقراء والمحدثين والفقهاء والمشايخ والأولياء والصلحاء والنحاة والأدباء والشعراء والأطباء والحكماء وأصحاب الملل والنحل والبدع والآراء وأعيان كلُّ فن ممن اشهر أو أتقن إلا ذكره؛ إلى أن قال في (الكشف): فازداد النفع به للمحدث والأديب)!. وظاهرة من عبارة الشيخ نصر الهوريني أن هذه الكتب التي ذكرها ليست مقصورة على ذكر (وفيات) فقط؛ أما فيما يتعلق بكتاب الصفدي فواضح بعد ما عرفناه من حديث كشف الظنون عنه؛ وأما فيما يتعلق بالكتب الباقية فلأنها تذييل لوفيات الأعيان، فتكون على طريقته: وقد عرفنا من قبل طريقة ابن خلكان في الترجمة والتاريخ. فلنواصل البحث إذن في فهارس الدار، علنا نجد ذلك الكتاب الذي سمع به ذلك الزميل.
! هاأنذا أجد أخيراً كتاباَ أسمه (الوفيات) لمن يسمى تقي الدين محمد بن هجرس بن رافع المولود سنة 704؛ فلعله الكتاب المنشود، ولعلى أفوز بعد طول العناء بالمقصود.
طلبت الكتاب للاطلاع عليه في قاعة المطالعة بالدار (وهو مخطوط) فلم أوفق لتحقيق ذلك، لأن المشرفين على دار الكتب في هذا الميدان لا يحسنون معاملة المطالعين، فتارة يقال لي: وضح الجزء المطلوب!.
وتارة يقال لي: إن الكتاب لدى حضرات موظفي الدار!.
وتارة يقال إن الكتاب في الخارج.
! وأخيراً قيل لي بعد أن استعنت بموظف في الدار: إنه موجود في المغارة.
! فلم أجد أمامي إلا أعود إلى الفهرس المفصل المطبوع، علّي أجد فيه تلخيصاً لطريقة الكتاب؛ وفعلا وجدت هذا التلخيص، وقد جاء فيه، تحت عنوان: (الوفيات) برقم (126م) ما يلي: (تأليف تقي الدين محمد بن هجرس بن رافع، المولود في شهر ذي القعدة سنة 704؛ المتوفى في اليوم الثاني عشر من شهر جمادى الأولى، وقيل في اليوم الرابع عشر من جمادى الآخرة من السنة المتقدمة (؟) بدمشق؛ وهو ذيل على تاريخ الحافظ أبي محمد القاسم بن محمد بن يوسف الملقب علم الدين البرزالي الشافعي الدمشقي المولود في شهر جمادى الأولى سنة 665؛ في العشر الأخيرة من ذي القعدة، أو في اليوم الرابع من شهر ذي الحجة سنة 739 حينما كان محرماً بالحج.

انتهى البرزالي في تاريخه إلى آخر سنة 736 وابتدأ المؤلف ذيله من سنة 737 وانتهى فيه إلى سنة 773هـ، وفي آخره ترجمة الفيروزابادي وترجمة تمربغا، نقلاً عن المورد الصافي، لابن تغرى بردى؛ نسخة من مجلد، مخطوطة، بقلم معتاد، منقولة من خط الحافظ الشهير بابن ناصر الدين، وقولبت عليه)
.
! إذن ليس هذا الكتاب أيضاً مقصوراً على ذكر الوفيات، بل فيه تراجم وتواريخ؛ وقد وقفت فهارس الدار التي بين يدي عند هذا الحد، فأين إذن ذلك الكتاب الذي سمع به ذلك الصديق، والذي يؤكد وجوده ويقول إنه لم يذكر فيه إلا وفيات الأعيان من الرجال؟.

(وفوق كلُّ ذي علم عليم)؛ ولذلك وشك رأيت أن أكتب هذه الكلمة على صفحات الرسالة الغراء عله يوجد بين قرائها من يعرف شيئاً عن هذا الكتاب المنشود، فينبئنا بخيره، ويقص علينا طرفاً من أمره، والحقيقة بنت البحث. أحمد الشرباصي المدرس بالأزهر الشريف

شارك الخبر

المرئيات-١