أرشيف المقالات

طنجة والنظام الدولي

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
8 ضرورة تقرير وحدة مراكش واستقلالها في المؤتمر الدولي القادم للأديب عبد المجيد بن جلون تقع مدينة طنجة عند المدخل الغربي للبحر الأبيض المتوسط وهي مدينة جميلة خضعت لمؤثرات غريبة وحكم عليها موقعها الجغرافي بأن تنفرد عن أمها مراكش بالنظام الدولي. ولسنا نريد أن نتحدث هنا عن النظم المطبقة فيها بقدر ما نريد أن نلفت النظر إلى ما لهذا النظام من أثر سيئ في حياة المراكشيين الذين يقطنونها. وأول ما يلاحظ هو أن المدينة أصبحت وكرا من أوكار الجاسوسية في العالم، ففيها تلتقي أجناس مختلفة لا حصر لها، تفد إليها من الشرق والغرب، وبذلك تلتقي فيها الأخبار ويسهل إذاعتها والتقاطها، ولكل من الشيوعية والفاشية والديمقراطية فيها عيون ساهرة أو أفواه ناطقة.
وقد كان لوجود هذا المزيج البشري الغريب تأثير عميق على أحوال المدينة العامة، فانتشرت المراقص والحانات وأمكنة المقامرة ونقل إليها هؤلاء الوافدون عليها - وهم من طبقات منحطة في الغالب - كل ما يوجد في العالم من موبقات. ثم إن هؤلاء الوافدين عليها قد تجاهلوا أن هناك غيرهم في المدينة مع أن عدد المراكشيين ينيف على مئة ألف يشتط الأجانب في اغتصاب حقوقهم من الإدارة الدولية، ولما كانت هذه الإدارة تتأثر بعوامل مغرضة، ولما كان الفرنسيون والأسبانيون يخشون من أن يستفيد المراكشيون من الأنظمة الحرة التي يعمل الأجانب على استصدارها، فقد استطاعوا أن يصلوا إلى غاياتهم بالتفريق بين التشريعات الخاصة بالأجانب والتشريعات الخاصة بالوطنيين؛ وبذلك صدرت قوانين استثنائية لحق الأهالي منها ضرر بليغ. صحيح أن جلالة ملك مراكش الممثل بواسطة مندوب هو السلطة التشريعية العليا للمدينة، وأن كل ما يخصها يصدر بمراسيم ملكية، ولكن كل هذا من الناحية الشكلية فقط، أما الحقيقة الواقعة فهي أن حق الاعتراض الذي يتمتع به أعضاء مجلسها قد أفقد المراكشيين كل سلطان؛ وبينما يدفع الأهالي الوطنيون 90 % من ضرائب المدينة، إذا بالأجانب يتمتعون بالمدارس الخاصة والقوانين الاستثنائية والامتيازات المجحفة، أي إن الأجانب يعيشون فيها على حساب المراكشيين. ولما كانت لبعض الدول الممثلة في المجلس أغراض معينة تعمل على تحقيقها، ولما كانت هذه الأغراض المعينة تتضارب في بعض الأحيان، ولما كان النفوذ يتنقل بالدور بين الأعضاء تحت الرياسة الاسمية لمندوب جلالة الملك - فقد تعرضت المدينة ونظامها للخلل بسبب كثرة الإبرام والنقض وفوضى الأهواء والنزعات. ثم بعد ذلك نجد أن المدينة كانت تتمتع قبل النظام الدولي بنهضة ثقافية واجتماعية قد تعرضت في حياتها للشلل بسبب استفحال أمر الأجانب فيها؛ وهكذا تعطلت فيها مشروعات الإصلاح كما تعطلت فيها الصحف العربية وهي التي كانت يوما ما المهذ الذي نشأت فيه الصحافة العربية المراكشية، ويكفي أن نقول لكي نبرهن على مبلغ الضرر الذي ألحقه الأجانب بها، أنه لم تصدر فيها صحيفة واحدة باللغة العربية منذ نشأ النظام الدولي فيها، وأن الصحف تصدر فيها بعدة لغات أخرى، ذلك أنه يوجد في القانون الذي صدر سنة 1923 بند خطير يمنع الأهالي من القيام بأي نشاط سياسي مهما كان طابعه مراكشيا، وهذا البند ينص على منعهم من مطالبة فرنسا وأسبانيا بإصلاح الموقف في مراكش تحت ستار (منع الدعاية للقضية المراكشية) أو (عدم القيام بأي نشاط ضد نظام الحماية في منطقتي مراكش الخاضعتين للحماية الفرنسية والأسبانية). ولعل الأجانب قد أدركوا مساوئ هذا النظام، ولذلك قرروا إعادة النظر فيه بواسطة عقد مؤتمر في خلال الشهور القليلة القادمة، وأملنا هو أن يدركوا هذه الحقائق التي سردناها، فيعيدوا إلى مندوب جلالة الملك سلطته الحقيقية، ويفكوا عن مئة ألف من المراكشيين القيود الثقيلة التي فرضها عليهم نظام سنة 1923 بحيث تكون الأغلبية الساحقة من المراكشيين بنسبة 10 إلى 100 بحجة أنهم يؤلفون هذه النسبة الضخمة.
ونحن نعرف أن المؤتمر سوف يتألف من أعضاء دول الجزيرة كما نعرف أن مراكش إحدى هذه الدول، ولذلك يجب ألا تمثل فيه فحسب، بل يجب أن يكون صوتها مسموعا وأن يكون هذا الصوت صادرا عن الشعب المراكشي ذاته. ونحن متأكدون من أن أي نظام دولي مهما كان لونه لن يحقق مصالح هذه المدينة ولا مصالح القطر كله، ولذلك يجب أن ينظر المؤتمر في مسألة مراكش كلها لا في مسألة طنجة وحدها، على اعتبار أن المدينة غير منفصلة عن أمها الكبرى، فلأجل بحث مسألة طنجة يجب البحث عن مسألة مراكش كما يرجع الباحث في الفروع إلى الأصول. إن الداء الوبيل الذي لن يستقر معه نظام في أي شبر من الأقاليم المراكشية هو نظام الحماية، نظام التقسيم والتبديد والفوضى، ذلك أن الأساس الذي يقوم عليه نظام الحماية في مراكش أساس فاشل، وهو أساس يعبر عن قصر في النظر شنيع، وهذا الأساس هو تقسيم مراكش إلى عدة مناطق.
فلو فرضنا أن الإخاء والحرية والمساواة والعدالة تحققت - ولو في الخيال - في كل منطقة من هذه المناطق، فإن ذلك لن يغني فتيلا في إرضاء المراكشي، لأنه ممنوع من أن يمد يده لمصافحة أخيه، ولأنه قد انتزع انتزاعا من أمه مراكش. وإذن فليس هناك حل لهذه المشكلة المراكشية سوى إلغاء الحماية، وإلغاء التقسيم، وتقرير مبدأ جديد هو مبدأ الوحدة المراكشية، ولا سبيل إلى تحقيق هذه الوحدة - من وجهة النظر العملية - إلا بإلغاء الحماية وتقرير مبدأ الاستقلال، ثم بعد ذلك تجتمع دول معاهدة الجزيرة الخضراء - ومنها مراكش - لتنظر في نظام جديد يحفظ كرامة المراكشيين ومصالح الأجانب في وقت واحد. مبدأ الحماية والتقسيم مبدأ جائر تحمل المراكشيون بسببهما أفظع التضحيات، ومبدأ الاستقلال والوحدة هو المبدأ الذي يجب أن يقوم عليه كل بحث يتعرض لأي جزء من أجزاء مراكش؛ وكل حل غير هذا بعيد عن أن يثبت الأمن والنظام، أو يضمن الديمقراطية لشعب حارب في سبيل الديمقراطية عشر سنوات كاملة في حربين عالميتين! الديمقراطية! إنها النظام الذي ساهم المراكشيون في تدعيمه بأعز ما يملكون من دماء ومع ذلك ما يزالون إلى اليوم محرومين من التمتع بأبسط مزاياها. عبد المجيد بن جلون

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣