أرشيف المقالات

عم يتساءلون؟

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
8 للأستاذ أحمد رمزي إن الذين رأوا حربين عالميتين، أطلقوا على الأولى (الحرب العظمى)، وعلى الثانية (الحرب العالمية)! يتساءلون اليوم عما يأتي به الغد لهذا البلد الأمين لقد تبلورت أمانينا عند نهاية الحرب الماضية في كلمة (الاستقلال التام)، فخيل إلينا أنها سلَّم النجاة، وتلقينا من قادتنا أن علة بلادنا هي سيطرة الغالب على مرافق الحياة فيها، وأن العلاج الشافي هو (الاستقلال)! وهانحن أولاء اليوم - كما بدأنا بالأمس فقط - تغير الإسم، فأصبح (الأماني القومية) بدل عنوان (الاستقلال)، ولكن هناك فارق، ففي الماضي كنا نصدق ونؤمل وننتظر، كنا ننظر إلى القادة نظرة ملؤها الإجلال.
أما اليوم، فإننا نجر وراءنا ربيع قرن من التجارب القاسية، والأحلام الضائعة، والآمال التي لم تتحقق.
فهل لدى هذا المجموع اليوم من القوى الروحية الواقعة ما يجعله يترقب طلوع شمس الحقيقة، كما تطلع إليها الجيل السابق وعمل للوصول إليها؟ من واجب الجيل الناشئ والمخضرمين أن يوجهوا هذا السؤال إلى أنفسهم أولاً، وأن يعلموا يقيناً أنه قد يسهل تحريك الشعور الوطني أو القومي أو العاطفي، كما حدث عام 1919، ولكن لا نريد أن تتكرر أخطاء 25 عاماً مرة أخرى، فما العمل؟ يجب أن نعرف مقدار ما لدينا من عوامل البناء قبل أن نحرك القوى الدافعة، لكي لا تعرض مشروعاتنا دائما للفشل والتراجع كما حدث في الماضي، وكما يحدث في الوقت الحاضر ولنا أن نتساءل: إلى أي مدى يمكن أن تسير بنا القوى الروحية والمقاييس العليا والسياسة العاطفية؟ ولماذا تتبخر هذه القيم وتفنى لدى الصدمة الأولى؟ إذا عدنا إلى أنفسنا وجدنا أننا نشأنا على النمط الذي وجدنا عليه آباءنا من قبل، فحملنا أخطاءهم ومزاياهم، وجاء التعليم الحديث الأوربي، فتعلمنا على القدر الذي سمح لنا به، كما صيغت نفوسنا في القالب الذي أراد واضعو هذا التثقيف أن تصاغ عليه، فماذا كانت النتيجة جاءت أذواقنا مختلفة، وثقافتنا واهية، ونظرتنا للأشياء ناقصة، وهذه مجتمعة علة هذا التبلبل والتفكك القائم اليوم واكتفينا بالسير على قدر، والنوم على الأمجاد الماضية، وكانت الوعود غير المعقولة تغذينا، والعبارات المسجعة تشبعنا، وطالما خدرتنا الألفاظ والمقالات المنمقة، فلهونا بالمظهر عن الجوهر وعما ينفع الناس ويمكث في الأرض؟ وأخوف شيء على مستقبل هذه الأمة أن ننشئ الجيل الجديد على هذا النسق، فهل لدينا من الشجاعة والإخلاص الصحيح ما يدفعنا إلى إنقاذه وحمايته من الأقدار التي لم تنصفنا؟ سؤال تصعب الإجابة عليه، ولكن فلنجتهد أن نواجه أكبر أزمة مرت بالبلاد منذ قرون طويلة، ذلك لأننا نعيش في عالم يتطور بسرعة غريبة لم نعهدها من قبل، وسيصيبنا منه الكثير من الخير والشر معاً. أضف إلى ذلك أن القيم الروحية والقيود الخلقية التي عشنا أجيالا تحت أكنافها، قد أخذت تنهار ولم تترك ما يحل مكانها، ورأينا في خمس سنوات الحرب، وهي تعدل خمسين عاماً تقدماً مادياً يكاد يكون خاطفاً، وتسابقاً إلى إحراز الغنى والثروة في أي طريق، ويصحب كل هذا تدهور أخلاقي، وفقدان للثقة، وسخرية من كل من يؤمن بالصالح العام، أو يدعو إليه وأمامنا جيل ناشئ يرجو لأمته حياة أرقى وأعلى وأسعد مما نعيش عليه الآن، وهو جيل سيحاسب ويناقش، وبما إنه إنساني، فمن الطبيعي أن يتعجل الخطوات، بل يخلق الظروف لاستعجالها، وسيتوهم في نفسه القوة والمقدرة، وسيكافح إلى مدنية جديدة أقرب إلى أحلامه وأكثر طلاوة ونفعاً مما ألفناه، وسيقول: إنني أريد أن أحيا حياة أقرب إلى حياة البشر، فماذا أعددنا لهذا اليوم؟ أنا لست بمتشائم، ولن أحاول أن أقلل من طاقة مصر، أو من قيمة القوى الإنشائية والخلقية، ولكني أخشى الأخطار التي تواجه هذا الجيل، وأولها الغرور الذي يتملك الأفراد والجماعات على السواء، وقد أصبح علة من علل المجتمعات الشرقية الناشئة. إننا ندعوه أن يتعرف على نفسه، فإذا عرف ما ينقصه أسرع إلى استكماله، وإذا اكتشف نواحي القوة الكامنة التي لديه أخذ في تقويتها.
ثم ليعرف تماماً أن مقدرات هذا الوطن ليست ملكاً له وحده، بل هناك من الآباء والأعمام والأخوال والأخوة من لهم الحق معه، وهناك قوى أخرى غير ظاهرة لها وزنها. وليعلم أيضاً أن المسائل السياسية إذا حلت على حسب رغباته فإنها لا تكفي لإسعاد الأمة، بل إن العمل بعد تصفيتها أخصب في المطالبة بها: لأن قدرة هذه البلاد محدودة، وقوة الأفراد الإنشائية ومقدرتهم على التنظيم محدودة، فلا يمكن أن نبالغ فيما يمكن عمله، وما يمكن أن نصل إليه أحمد رمزي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣