أرشيف المقالات

قضية المرأة!

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
8 للأستاذ زكريا إبراهيم قضية المرأة قضية قديمة قدم العقل الإنساني نفسه، فإن الإنسان منذ خلق ولوع بالتمييز والمفاضلة، حريص على تعرف أوجه الخلاف والمماثلة، وقد وجد الإنسان موضعاً للتفرقة بين المرأة والرجل، فخلق لنفسه من ذلك مشكلة، وكان الرجل هو المسيطر، فتلبست المشكلة بالمرأة، ومن ثم نشأت تلك القضية الصعبة، (قضية المرأة) لا الرجل! وعلى الرغم من كثرة المناقشات التي أثيرت حول المفاضلة بين الرجل والمرأة، أو المساواة بينهما، فإن قضية المرأة لا تزال مستعصية على الحل، لأن وضع المشكلة نفسه ليس بالوضع الصحيح.
والواقع أن كل تلك المناقشات العقيمة، لا يمكن أن يترتب عليها إلا أن تزيد المشكلة تعقداً وتشابكاً، لأن من شأنها أن توقف المرأة وجهاً لوجه أمام الرجل، تناضله وتذود عن نفسها، كأنما هي بازاء خصم عنيد جائر! ولكن الأمر ليس من هذا في كثير أو قليل، فإن الصلة التي تربط بين الجنسين، ليس صلة (تفضيل)، وإنما هي صلة (تكميل) فكل مفاضلة بين الرجل والمرأة هي عبث لا طائل تحته، لأن المجال الذي يعمل فيه كل منهما يختلف عن المجال الذي يعمل فيه الآخر.
ولما كان الزواج هو الوحدة التي تجمع بين الجنسين، فإن النقص الذي يوجد لدى المرأة يستحيل إلى كمال إذا اقترنت بالرجل، والنقص الذي يوجد لدى الرجل يستحيل إلى كمال أيضاً إذا اقترن بالمرأة، فيذهب نقصها في كماله، ويذهب نقصه في كمالها، ويخرج من ذلك الإنسان الكامل! وقد أراد القديس أوغسطينوس أن يعبر عن فكرة تضافر الجنسين فقال: (لو أراد الله أن تكون المرأة حاكمة على الرجل لخلقها من رأس آدم؛ ولو أراد لها أن تكون أسيرة له، لخلقها من رجله؛ ولكنه خلقها من ضلعه، لأنه أراد أن يجعل منها شريكة للرجل، مساوية له) بيد أن هذا لا يعني أن المرأة والرجل على حد سوى، وإنما هو يعني أنه ليس ثمة وجه للمفاضلة بين الاثنين.
فإذا استثنينا ما يرجع إلى الجنس، قلنا أن الرجل والمرأة سواء.
وكل ما بين الرجل والمرأة من فرق في الناحية الجنسية، فذلك لضرورة تحتمها الوظيفة التي ينهض بها كل في المجال الذي اختصته الطبيعة به.
وهذه الضرورة قد جعلت تميل إلى التعشق الذاتي والاكتفاء بالذات، في حين جعلت الرجل يميل إلى التعشق الغيري والخروج عن الذات.
فالمرأة - كما يقول فرويد - حينما يكتمل نموها وتنضج أعضاؤها الجنسية (بعد أن كانت من قبل في حالة كمون يتزايد لديها الشعور بالتعشق الذاتي، فتنزع إلى الاكتفاء بذاتها - وتزداد قوة هذا النزوع إذا صاحبه اكتمال في الأنوثة والجمال، فيترتب على ذلك أن تعشق المرأة نفسها (فحسب) عشقاً يقرب في شدته من عشق الرجل لها.
ولهذا نجد أن المرأة لا تريد أن تحب، بل أن تكون محبوبة، فإنها بطبيعتها لا تريد أن تكون طالبة، بل أن تكون مطلوبة.
وإذا تهيأ للمرأة حظ كبير من هذا (التعشق الذاتي) فإنها تكون جذابة إلى أبعد حد، لأن التعشق الذاتي من شأنه أن يجتذب انتباه أولئك الذين تخلوا عن جزء من عشقهم الذاتي، وراحوا يلتمسون (موضوعاً) آخر لعشقهم - والسر في هذه الجاذبية، يرجع إلى أن المرأة (النرجسية) تكون في العادة جميلة الخلقة (لأن فرط الجمال هو الذي يدفع إلى التعشق الذاتي)، فضلا عن أن اكتفاءها بذاتها من شأنه أن يحيطها بهالة سحرية من الغموض المستحب الذي يزيد الرجل ولوعاً بها! ولكن هذا لا يمنع من أن تكون هناك طائفة أخرى من النساء، يتخذ الحب عندها شكله المعروف لدى الرجال، فتنزع المرأة إلى البحث عن هدف من الجنس الآخر تجعله موضوعاً لحبها؛ ويكون هذا لنزوع مصحوبا بتقدير مبالغ فيه للناحية الجنسية ويجب أن نلاحظ أن الحاجة الجنسية لدى المرأة تختلف عنها لدى الرجل، فإن اللذة الجنسية عندها ليست غاية في ذاتها كما هي عند الرجل - وإنما هي مجرد وسيلة لغاية أخرى تفوقها، وهي الأمومة: فغريزة الأمومة عند الأنثى أقوى بكثير من الغريزة الجنسية، كما تدلنا على ذلك التجارب التي أجريت على فصائل الحيوان.
وإذا كانت المرأة - كما يقول مارانيون - تشعر بميل إلى الحياة الجنسية، فما ذلك إلا لكي تتخذ من الرجل وسيلة تحقق بها غاية الأمومة التي هي عندها كل شيء.
ففي أبعد أغوار نفس المرأة، تكمن الرغبة في الأمومة.
وهذه الرغبة القوية هي التي تصبغ بصبغتها كل حياة المرأة.
أما اللذة الجنسية فهي عند المرأة بمثابة عرض مصاحب يقترن بالشعور الذي تظهره نحو ذلك الرجل الذي اختارته لكي يكون أباً لأولادها.
ومن أجل ذلك فانه إذا كان الرجل قد يطلب اللذة الجنسية للذة الجنسية نفسها فإن المرأة لا يمكن أن تقنع بذلك مطلقاً، لأن كل ارتباط يتم بينها وبين الرجل، دون أن تستتبعه ولادة طفل، هو في نظرها عديم الجدوى ولما كان الحافز الجنسي عند المرأة أقل شدة منه عند الرجل فإن من اليسير على المرأة أن توجه ميلها الجنسي توجيهاً آخر.
وبفضل هذه المقدرة، تستطيع المرأة أن تضمن لنفسها العفة بجهد أيسر من الجهد الذي يحتاج إليه الرجل.
فهي تستطيع بسهولة أن تجد منفذاً لحاجتها الجنسية، وذلك بالاشتراك في أعمال البر أو القيام ببعض المشروعات الاجتماعية أو باتخاذ بعض الأبناء الخ ولعل من دلائل ضعف الحافز الجنسي لدى المرأة بالنسبة إلى الرجل، أن في استطاعة المرأة بسهولة أن تصادق امرأة أخرى صداقة متينة حارة؛ وهذه الصداقة تصطبغ في بعض الأحيان بصبغة حب الجنس للجنس فتكون مظهراً لإرضاء الحاجة الجنسية عن طريق آخر، حين لا تساعد الظروف على إيجاد المنفذ الطبيعي لهذه الحاجة ومن ناحية أخرى فإن وظيفة الأمومة قد اقتضت أن تتصف المرأة ببعض الصفات الثانوية الأخرى التي تهيئ لها القيام بالمهمة المعدة لها: فالمرأة أكثر حساسية من الرجل، وأسرع استجابة للمؤثرات الوجدانية.
وهي تنظر إلى الحياة من خلال عواطفها ووجداناتها، وكثيراً ما تهتدي عن طريق شعورها إلى حقائق لا يستطيع الرجل أن يهتدي إليها بعقله.
وإذا كانت المرأة لا تستطيع أن تلحق بالرجل في ميدان التجريد العقلي فإن هذا لا يمكن أن يكون دليلاً على عجز أو قصور، لأن العقل إذا كان يعين الرجل أحياناً على أن يحكم حكماً صحيحاً، فانه أيضاً كثيراً ما يجنح به عن جادة الصواب.
وليس من شك في أن المرأة إذا وضعت في موضع القضاء، فإنها لن تصدر أحكامها، إلا وفقاً لما يمليه عليها قلبها وشعورها، ولكن (هل يمكن أن تكون هناك طريقة في الحكم خير من تلك التي نحكم فيها على أفعال الآخرين، بمقتضى العقل المقترن بالعاطفة)؟ (للحديث بقية) زكريا إبراهيم

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣