أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
8 الرصافي يغضب ويتبرأ فوجئت بالرد الذي نشره الأستاذ الرصافي وأنا بعيد عن القاهرة.
وقد اتهمنا فيه (1) بأننا بدلنا أقواله (2) ولم نكن أمناء في نقلها (3) وبأنه استنتج من ذاك أننا لم نقرأ التعليقات قراءة مستنيرة بل مررنا بها مروراً خاطفاً، (4) وبأن يداً خفية تحركنا (!!) (5) وبأننا حاقدون عليه (6) وبأننا نعرف آداب البحث والنقد والمناقشة لكننا ضربنا صفحاً عنها في تناول تعليقاته لسبب لا يعرفه (7) وبأننا خلطنا بين آراء الفلاسفة اليونانيين في وحدة الوجود، وآراء الزنادقة من متصوفة المشرق (8) وبأن الغيرة الدينية هي التي أعمت بصائرنا عن الحق (9) ثم ذكر أنه ليس متصوفاً، وطلب إلينا أن نسأل الذين يعرفونه ليثبت لنا ذلك (10) وأنه لا يدعو إلى شيء كما هوّلنا نحن بذلك لدى العامة (!) (11) ثم ذكر أننا نتجنى على المتصوفة حين نتهمهم بميلهم إلى اللذائذ الجنسية الخسيسة وتحللهم من الشرائع والقوانين والآداب العامة.

إلى آخر هذا التخبط ونعود فنقول بأننا الآن بعيدون عن القاهرة.

فليست أعداد الرسالة التي سفهنا فيها تعليقات الأستاذ الجليل تحت أيدينا لنرى مقدار ما شوهدنا أقواله، ما دام هو لم يجرؤ أن يقدم لنا دليلاً واحداً على هذا التشويه.
وليست رسائل التعليقات تحت أيدينا كذلك، فقد أعطيناها لصديقنا الدكتور زكي مبارك ليرى فيها رأيه (وذلك منذ شهر تقريباً).

ونحن نطمئن الأستاذ الرصافي على سلامة تفكير الجمهور من القراء في مصر وفي العالم العربي.

لأنه جمهور لا يكتفي بأن يقال له إن كل ما ذكره دريني خشبة عن الأستاذ الجليل معروف الرصافي باطل ملفق ليصدق هذا القول.

ويسرنا أن نعترف للأستاذ الرصافي بأنه صحيح أن يداً خفية تحركنا للرد عليه.
لأنها يد الله التي تمحق الباطل والمبطلين دائماً.
الله الذي نتواضع في الإيمان به هذا الإيمان الفطري الساذج الذي لا يوقعنا في لغو اللاغين وتناقض المتناقضين، بعد أن بلونا من مثل ما يبلو أخونا الرصافي الآن ألواناً وألواناً.
إلا أنني لا أستطيع أن أسكت، حتى أعود إلى القاهرة بعد شهر أن شاء الله تعالى، دون أن أعرض على العقلاء في العالم الإسلامي كله جانباً من هذا الذي عاد الأستاذ الجليل معروف الرصافي فتحدث إلينا به في رده المتهافت، وذلك بخصوص استواء المتناقضات أمام الله أمام الناس: لما كان الصوفية يقولون: كل ما وقع في هذا الكون فهو حق، وأنه لا باطل إلا المحال كما هو مذكور في رسائل التعليقات، تساوت عندهم المتضادات، فالشر كالخير، والضلال كالهدى، كلاهما حق، لأنه واقع، ولو كان باطلاً لما وقع، لأن الباطل هو المحال الممتنع الوقوع، ولكن هذا التساوي في المتضادات إنما هو بالنسبة إلى الوجود الكلي - أي إلى ذات الله - لا بالنسبة إلينا، فذات الله في رأيهم لا يصدر عنها الباطل، بل كل ما صدر عنها فهو حق، وهم يستدلون على ذلك بآيات من القرآن كما هو مذكور في رسائل التعليقات .

.

.

ولا بد أن الأستاذ خشبة قد قرأ كتاب التصوف الإسلامي للدكتور زكي مبارك واطلع على ما نقله عن الجيلي من أن الله هو الهادي وهو المضل، وأن الضال متحقق بصفة الضلال، كما أن المهتدي متحقق بصفة الضلال، وأنهما أمام الله سواء، كما هو مذكور في رسائل التعليقات أيضاً، وهذا صريح في أن تساويهما إنما يكون أمام الله، أي بالنسبة إلى الله، لا بالنسبة إلينا) فما رأي العقلاء في العالم الإسلامي كله في هذا؟! لقد فزع الدكتور زكي مبارك (نفسه!) من الأخذ بهذا الضلال، وفزع منه على الأخلاق والقوانين والشرائع، فطمأنه الأستاذ الرصافي بأن التساوي إنما يكون أمام الله لا أمامنا نحن، أي بالنسبة إلى الله لا بالنسبة إلينا.

لأننا لا وجود لنا، لأن الوجود الكلي المطلق هو الله.
إن الأستاذ الرصافي يطلب إلينا تفسير الآيات التي استشهد بها المتخبطون على لغوهم هذا، وهو يطلب إلينا ذلك ظاناً أنه يوقفنا أمام مشكل صوره له اضطرابه.
ونحن نطمئنه، لأننا سوف نعود إليه،.

ثم نسأله هل ينكر أنه ينكر البعث كما يؤمن به المسلمون، وأنه ينكر القرآن كلام الله، بل هو كلام محمد ألقى في روعه أنه يقوله بلسان الله، وأنه لا معنى للعقاب والثواب والحساب إلا على الصور الجنونية التي زخرفها له وسواسه، وأنه ينكر الأدعية، ومنها الصلوات، لأنها لن تغير من قوانين (الوجود الكلي المطلق شيئاً)؟! وبعد.

فهل صحيح أن الرصافي لم يدعنا إلى شيء؟! هل نسي ما علق به على ذلك المستشرق الإيطالي الجاهل؟ ألم يطلب إلينا أن نفيق؟! نفيق مم يا ترى؟! وإلى عود قريب إن شاء الله.
دريني خشبة إلى الأستاذ زكريا إبراهيم ما هذا يا أخي؟ لماذا قطعت أحاديثك عن وحدة الوجود بعد إذ بدأتها؟ ماذا حدث؟ د.
خ إلى الأستاذ الجليل النشاشيبي ذكرت أيها الأستاذ الجليل في العدد (576) من الرسالة الغراء ضمن (نقل الأديب) التي لا يفي بمدحها لسان أو بيان قصة ابن يعيش حينما أخذ يسرح قول ذي الرمة: أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ...
وبين النقا.

آأنت أم أم سالم فأطال القول في ذلك، بحيث يفهمه البليد البعيد الذهن، ولكن الفقيه الذي كان يقرأ عليه ويسمع منه سأله بعد كل ذلك: إيش في هذه المرأة الحسناء يشبه الظبية؟ فتندر عليه الشيخ قائلاً: تشبهها في ذنبها وقرونها! فضحك الحاضرون، وخجل الفقيه، ولم يعد إلى المجلس بعد ذلك! هذا ولم تعلق على القصة بشيء.
ولكن ما رأي الأستاذ الجليل حينما يعلم - وهو خير من علم ويعلم - أن ما ذكره الشيخ موفق الدين على سبيل التندر والانبساط قد ورد على سبيل الجد والنقد، وأوخذ به ذو الرمة من جارية معاصرة له، وقد أقر الشاعر لها بهذه المؤاخذة، واحتال عليها بالمال كي تكتم هذا العيب؟ ذكر ابن الجوزي في كتابه (الأذكياء) ص 165 القصة التالية: دخل ذو الرمة الكوفة، فبينا هو يسير في بعض شوارعها على نجيب له إذ رأى جارية سوداء واقفة على باب دار، فاستحسنها ووقعت بقلبه، فدنا إليها فقال: يا جارية! اسقني ماء! فأخرجت إليه كوزاً فشرب، فأراد أن يمازحها ويستدعي كلامها، فقال: يا جارية! ما أحر ماءك!.
فقالت: لو شئت لأقبلت على عيوب شعرك وتركت حرّ مائي وبرده، فقال لها: وأي شعري له عيب؟ فقالت: ألست ذا الرمة؟ قال: بلى.
قالت: فأنت الذي شبهت عنزاً بقفرة ...
لها ذنب فوق استها أم سالم جعلت لها قرنين فوق جبينها ...
وطبيين مسودين مثل المحاجم وساقين إن يستمكنا منك يتركا ...
بجلدك يا غيلان مثل المآثم أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ...
وبين النقا آأنت أم أم سالم؟! قال: نشدتك بالله إلا أخذت راحلتي وما عليها ولم تظهري هذا؛ ونزل عن راحلته فدفعها إليها، وذهب ليمضي فدفعتها إليه، وضمنت له ألا تذكر لأحد ما جرى! هذه هي القصة، فما رأي الأستاذ الجليل؟.
. أحمد الشرباصي خريج كلية اللغة العربية

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢