أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
8 2 الشعر الجديد لم يذهب عني، إذ كتبت مقالي السابق، أن التجدد من سنن الكون النافذة، وأنه من طبائعه الدائبة، وأنه سار في كل شئ، حتى المعاني التي في النفوس، والفكر التي في العقول، بل هو قوام الحياة وسر البقاء لقد رأينا الشعر العربي يتجدد منذ القدم ويتطور، ويتغير ويتحول، ويساير مختلف البيئات، ويتابع متعاقب العصور فهل عبر الأعراب الأولون عن أغراضهم وميولهم كما كان يعبر سلائلهم من بعدهم؟ وهل تصرف شعراؤهم الأقدمون في فنون القول كما كان يتصرف محدثوهم؟ ألا ترى إلى الشعر قبيل الإسلام كيف صفت ديباجته، وندر فيه الحوشى من اللفظ، والمتعقد من التركيب، والنافر من المعنى؟ إن العرب إذ ذاك كانوا قد خالطوا من جاورهم من الأمم المتمدينة، بالتجارة والرحلة؛ فاستعاروا منهم كثيراً من الألفاظ والمعاني، فتطعم لسانهم شيئاً جديداً، وتذوق فنوناً طريفة، امتزجت كلها، فخرجت ألواناً عذبة، وطعوماً سائغة ثم كان الإسلام، فقلب أوضاع الحياة العربية، وكانت متهيئة لهذا الانقلاب، كما هو شأن الحوادث الجسام في التاريخ لا تولد فجاءة؛ وإنما تعمل أسبابها في الخفاء، فتمهد للفورة. وكان القرآن الكريم، فاجتمع هذان العاملان على أن يجددا تجديداً لم يعهد من قبل - في لغة الحديث وفي الخطابة وفي الشعر وكلنا يعرف ماذا كانت أغراض الشعر الجاهلي؛ وكلنا يعرف أيضاً كيف عاد كثير منه في صدر الإسلام أسلحة سياسية ذات مضاء وكذلك كانت حال الشعر - أو أبرز أحواله - في الدولة الأموية أو في معظمها ثم تعاقبت العصور بعد ذلك وتتابعت الأحداث في البلاد الخاضعة للإسلام.
وكان الشعر في خلال تلك الحقب يزدهر تارة ويذبل تارة.
وربما أشرق في ناحية وخبا في أخرى في وقت معاً، متأثراً في ذلك رقى البيئة أو انحطاطها، وقيام العدل أو فشو الظلم، واضمحلال الدولة أو عنفوانها من هذه المثل الوجيزة - التي ما ادعينا أن ندلي فيها بعلم أو رأي جديد - نرى أن الشعر من حيث أنه كائن خاضع لمؤثرات شتى، في تجدد مستمر وتقلب وتحول.
فلكل بيئة لونها ونتاجها لا شك في ذلك.
والبيئة - كما يقول علماء التربية - تشمل كل مؤثر أيا كانت طبيعته فهكذا يجب أن يفهم - في لغة الأدب - معنى التجدد، لا كما يوهمنا هؤلاء الأدعياء الذين أشرت إليهم في مقالتي السابقة، أولئك الذين سنحاول فيما يلي من حديثنا تصوير مذهبهم في القول، وإن كنا قد أخذنا على أنفسنا ألا يتخلل كلامنا ما يتم على أشخاصهم بلفظ أو إشارة، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا لقد تكون هذه المحاولة شاقة جداً، لالتواء طرقهم، واعتياص أساليبهم، وتستّرهم في تجديدهم وراء القعقعة والزخرف والترقيش ولكنا سنحاول إن شاء الله. (أ.
ع)
من الفلك القديم ساق إلىّ الأستاذ إبراهيم السعيد عجلان في الرسالة عدد 554 بعض أسئلة تتعلق باصطلاحات فلكية وردت في مقدمة ابن خلدون واستعملها العرب القدماء في مؤلفاتهم وقبل الإجابة ألفت النظر إلى أن ابن خلدون لم يكن عالماً فلكياً ولا من الذين اشتغلوا بالرصد.
وما جاء في مقدمته من معلومات وآراء في الفلك قد اقتبسه من فلكي زمانه أو من الذين سبقوه من عرب ويونان، ولم يكن من وضعه أو نتيجة لدرسه وبحثه. وحين نعرض لآراء التي سأل عنها الأستاذ إبراهيم إنما نعرض للآراء التي كانت معروفة شائعة عند فلاسفة اليونان والعرب ومفكريهم في القرون المتوسطة وما قبلها كان القدماء يعتقدون أن الأرض كرة قائمة في الفضاء على لا شئ، وإنها مركز الكون تحيط بها الشمس والقمر والكواكب والنجوم دائرة دورة كاملة كل يوم من الشرق إلى الغرب جاثمة من فوقها نهاراً ومن تحتها ليلاً ولكل من الشمس والقمر والكواكب والنجوم فلك حول الأرض أي طريق دائري يسير عليه.
وهذه كلها تدور حول (الأرض) في أفلاك؛ فالقمر - وهو أقرب الأجرام إلى الأرض - يدور حول الأرض في فلك هو أقرب الأفلاك.
وفوق فلك القمر فلك عطارد، ثم فلك الزهرة، ثم فلك الشمس، ثم فلك المريخ، ثم فلك المشتري، ثم فلك زحل، ثم فلك النجوم هذا ما كان يقول به بطليموس وغيره من علماء اليونان.
وقد أخذ كثيرون من علماء العرب ومن قبلهم الرومان بهذا الرأي واعتمدوا عليه.
ومن هنا يتبين أن المقصود من الفلك الأعلى هو فلك النجوم الثوابت وهو يسير من الشرق إلى الغرب وتتبعه في ذلك سائر الأفلاك التي تحته أو التي في جوفه ومع أن كلا من الكواكب السيارة وغير السيارة خاضع لسير آخر خاص به لا محل لتفصيله؛ فإنها على الرغم من ذلك تتحرك حول الأرض من الشرق إلى الغرب.
وهنا يتجلى السبب في استعمال (قهراً) أو (قسراُ) كما وردت في بعض الكتب الفلكية القديمة ولقد عانى العرب ومن قبلهم علماء اليونان كثيراً في تعليل بعض الحركات وفي تفسير بعض الظواهر الطبيعية على أساس ما أخذوا به واعتمدوا عليه في جعل الأرض مركز الكون.
وعجبنا كما عجب غيرنا كيف أن بطليموس وأضرابه من حكماء اليونان والرومان وفلكي العرب والإسلام وفيهم البوزجاني والبتاني والبيروني والصوفي والطوسي وغيرهم - وهم من ذوي الأدمغة الكبيرة - نقول كيف أن هؤلاء تمسكوا بهذا الرأي وكيف أن أفق تفكيرهم لم يصل إلى استجلاء حقيقته وكشف الخطأ فيه، وأن عقولهم الجبارة لم تستطع أن تقودهم إلى معرفة حقيقة مكان الأرض من الكون والواقع المقطوع به الآن أن الأرض جرم من الأجرام السماوية يدور حول الشمس ويخضع للنواميس والأنظمة التي تخضع لها موجودات هذا الكون، وأنها (أي الأرض) سيار كبقية السيارات لا أكثر! (نابلس) قدوري حافظ طوقان

شارك الخبر

المرئيات-١