أرشيف المقالات

منشأ عقيدة اليزيدية وتطورها

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
8 للأستاذ سعيد الديوه جي كانت الخلافة من أهم الأمور التي فرقت صفوف العرب والمسلمين، ذلك لأن الخليفة هو الذي يتولى أمور المسلمين الدينية والدنيوية.
وهذا مقام رفيع دونه كل مقام في الإسلام يطمع فيه القوي.
وقد تطاحنت الأسر القرشية في سبيلها منذ صدر الإسلام.
وحاول كل حزب أن يجعل له صبغة دينية يقوى مركزه بها بين الأحزاب المعارضة، فظهر في الإسلام فرق وطوائف عديدة كان الكثير منها دعوة دنيوية ولكنها تسير تحت ستار من الدين.
وبعد القضاء على الحركة تبقى صبغتها الدينية بين أتباعها وتستحيل إلى مذهب ديني.
وعلى مر الدهور يتطور هذا المذهب ويدخله الأساطير والتعاليم الشاذة.
ولربما استحال إلى دعوة هدامة أو مذهب مغال أو فرقة باطنية منفصلة عن الإسلام.
والتتبع لتاريخ الإسلام يرى الكثير من هذا.
فحركات الخوارج، وحركة المختار الثقفي، والقرامطة، والفاطمية والدروز، والنصيرية، كلها نشأت وتطورت على هذا المنوال وأصل اليزيدية فرقة إسلامية أموية سارت باسم الدين إلى مناصرة بني أمية في الخلافة والدفاع عنهم وناوأت (آل البيت) - أقوى حزب ناضل الأمويين - وعلى مر العصور تطورت إلى فرقة صوفية (عَدَوية) على يد رجل أموي، ففرقة مغالية في حب (يزيد بن معاوية)، ففرقة خارجة عن الإسلام.
كل ذلك كان في سبيل الخلافة وإرجاعها إلى بني أمية بعد سقوط دولتهم في الشرق إن أقوى نزاع شهده العالم الإسلامي على الخلافة هو النزاع بين العلويين والأمويين.
ذلك لأن العداوة بين بني أمية وبني هاشم قديمة.
ففي الجاهلية تنازعوا على زعامة مكة.
وفي الإسلام تجدد النزاع على الخلافة بعد مقتل (عثمان) فشق على الحزب الأموي أن تخرج الخلافة منهم بعد أن نالوها.
خاصة وأن (الإمام علياً) عزل ولاة (عثمان) فهل يرضى (معاوية) أن يترك (الشام) وما فيها من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم بعد أن حكمها عشرين عاماً؟ أنكر بيعة (علي) ودعا لنفسه واستعمل دهاءه وكرمه في جلب دهاة العرب إليه فقوى أمره، وبعد مقتل الإمام (علي) تنازل (الحسن) عن الخلافة وصار الحزب الأموي هو الحاكم المطلق ف ولم يكن (معاوية) بالخليفة المستضعف، بل ساس الناس بحلمه وجوده.
فعفا عن المذنب وتجاوز عن المسيء وأغدق عطايا عل كل قاصد، كما سل سيفه على من لم تنفع معه هذه الطرق فانقاد له الناس راغبين أو راهبين وبعد وفاة معاوية تولي ابنه (يزيد) على كره من أولاد الصحابة فثارت الأحزاب المعارضة، وأشدها الحزب العلوي فكانت فاجعة (كربلاء) التي أججت الأحقاد؛ واستمرت الثورات العلوية حتى انقراض الدولة الأموية وكانت هذه الثورات من أهم العوامل التي قوضت أركان الدولة وبعد سقوط الدولة الأموية انعكست الآية فانتقم العباسيون من الأمويين شر انتقام، حتى الأموات فإنهم لم يخلصوا من التمثيل بهم.
وصار الحزب الأموي هو المستضعف في البلاد وأخذ الأموين يلجأون إلأى الجبال والأماكن النائية عن النفوذ العباسي.
ولكنهم لم يعدموا الأنصار، كما أنهم لم ييأسوا من الخلافة، بل أحيوا النعرة الدينية التي كانت لحزبهم وأخذوا يزيدون عليها.
ونراهم قد قلدوا العلويين أو من قام باسمهم في ادعاءاتهم هذه.
وهذه النعرة الدينية لحزبهم كانت منذ أول عهدهم بالخلافة تسير أثر الدعوة العلوية؛ ولكن الأمويين خلال حكمهم لم يهتموا بها لاعتمادهم على بطشهم ونفوذهم.
وأما بعد سقوط دولتهم فإنهم صاروا مستضعفين في الأرض فتدرعو بالدين ليستروا تحته دعوتهم للدنيا.
وهذا أول ظهور الطائفة اليزيدية. ومن الأدلة التي تثبت أن أصل العقيدة اليزيدية هي حركة أموية مضادة لآل البيت: 1 - يوم عاشوراء: في هذا اليوم قتل (الحسين) عليه السلام فهو يوم كرب وبلاء على العلويين يظهرون فيه من العزاء والنياحة والحزن على ابن بنت رسول الله ﷺ، ما لا نشاهد مثله في غيره من الأيام.
ونجد الضد من هذا عند الأمويين، فإن الحجاج سن لأهل (الشام) أن يتخذوا هذا اليوم يوم سرور يوسعون فيه على عيالهم وينبسطون في المطاعم ويصنعون الحلوى، ويتخذون الأواني الجديدة، ويكتحلون ويدخلون الحمام ليرغموا بذلك شيعة (علي بن أبي طالب) كرم الله وجهه.
واستمر الأمر على ذلك عند الحزب الأموي بعد سقوط دولتهم، وهذا ما نراه عند اليزيدية فإنهم يتخذون هذا اليوم يوم سرور يخرجون بزينتهم إلى ظاهر قراهم ويرقصون رقصاتهم الشعبية على ضرب الطبول ونقر الدفوف، ويمرحون ويلعبون؛ ويصورون تماثيل من الطين لشهداء كربلاء يهجمون عليها برماحهم ويفتكون بها ويطؤونها بخيولهم.
كل ذلك لأن إلههم (يزيد) ظفر بعدوه (الحسين) في هذا اليوم وقتله. 2 - المهدي المنتظر والسفياني المنتظر: يعتقد الشيعة أن المهدي المنتظر سيظهر في آخر الزمان وسيملأ الدنيا عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وادعى الأمويون مقابل هذا: سيظهر من أولاد أبي سفيان من يكون أمره كأمر (المهدي المنتظر) وهو (السفياني المنتظر).
وزاد بعلق الأمويين بهذا الادعاء بعد سقوط دولتهم فصاروا يترقبون ظهوره.
وقد ذكر (المسعودي) أنه وجد ببلاد (طبرية) من بلاد الأردن في سنة 324هـ أحد علمائهم وقد ألف كتاباً بهذا وأنه ذكر فيه (من ظهور أمرهم ورجوع دولتهم وظهور السفياني في الوادي اليابس من أرض الشام، وإنهم أصحاب الحيل الشهب والرايات الصفر وما يكون لهم من الوقائع والحروب والغارات والزحوف الخ.
)
وهذا ما نجده عند اليزيدية، فإنهم يعتقدون أن (عدياً) وهو رجل أموي سيظهر في آخر الزمان وسيكون أمره كما تقدم، ويسميه بعضهم بالمهدي. وعندهم طبقة دينية يسمون (خدام المهدي) 3 - يذهب الحزب العلوي أن (علياً) وأولاده أحق بالخلافة وأن الحسين قتل مظلوماً. وبالضد من هذا يدعي الأمويون أنهم أحق بالخلافة وأن الحسين قتل بسيف الحق لأنه خرج على الإمام المبايع.
وأخذ كل فريق يعزز مدعاه ونغالي في تعظيم الذي يدعو إليه، ويحاول أن ينقص من قيمة الحزب المعارض.
وما زال هذا الأمر والمغالاة تزداد عند الفريقين حتى أدى إلى أن تعتقد بعض الفروق المغالبة أن علياً أحق بالنبوة من محمد، وأن البعض الآخر ذهب إلى أعظم من هذا، فادعى ألوهيته.
وكذا الأمر في (يزيد) فإن مناصريه ادعوا أنه كان إماماً عادلاً هادياً مهدياً، وأنه كان من الصحابة بل من أكابر الصحابة، وأنه كان من أولياء الله تعالى، ثم اعتقدوا أنه كان من الأنبياء وقالوا (من وقف في يزيد وقفه الله على نار جهنم)، ثم ذهبوا إلى أعظم من هذا فقالوا بألوهيته.
وهذا ما يعتقده اليزيدية أن (يزيد بن معاوية) هو ألههم.
ونجد قرى (الشبك) والتركمان، والصارلية، والجيجية حول الموصل، والبابوات في قضاء سنجار، وهم الذين يغالون في (الإمام علي) على مقربة من مواطن اليزيدية الذين يؤلهون (يزيد بن معاوية) 4 - اللعن: بعد أن خدع (عمرو بن العاص) (أبا موسى الأشعري) في مؤتمر (اذرح) صار (الإمام علي) يلعن معاوية وعمراً ومن والاهما بعد كل صلاة، وقابله معاوية بالمثل.
وبعد مقتل (الإمام علي) استمر الأمويون يلعنون أبا تراب بعد خطبة صلاة الجمعة.
ولما تولى (عمر بن عبد العزيز) الخلافة رفع هذه السنة السيئة ووضع مكانها (إن الله يأمر بالعدل والإحسان.

الآية)
، ولكن بعض أنصار الحزب الأموي المغالين لم ينتهوا عن هذا.
فأهل (حرَّان) امتنعوا عن الصلاة وقالوا: (لا صلاة إلا بلعن أبي تراب) واستمروا على ذلك، حتى ظهور الدعوة العباسية.
وكان العلويون يقابلون هذا اللعن بأكثر منه، وزادوا فيه بعد واقعة (كربلاء)، وصار اللعن يوجه بصورة خاصة إلى (يزيد).
أما الشيخ (عدي) فإنه لما رأى تفاقم الأمر عند الفريقين، وأن هذا مناف للتعاليم الإسلامية، وأن من الصعب أن يكف أحد الحزبين عن لعن الآخر، حرم اللعن مطلقاً.
ولكن الفكرة تطورت إلى أبعد من هذا عند اليزيدية، فإنهم حرموا اللعن حتى على الشيطان.
ومع أن اللعن صار من المحرمات عندهم؛ فإن يزيدية (جبل مقلوب) استمروا على الطعن في علي وأولاده في أيام الجمعة والعيدين، كما كانت عليه العادة في الدولة الأموية.
وكان فيهم فرقة مغالية جداً في اللعن تقف مصلتة السيوف وتلعن (علياً) وأولاده، ويقال لهم (السيافة) واستمر الأمر على ذلك إلى القرن الحادي عشر الهجري (للحديث صلة) سعيد الديوه جي بالموصل

شارك الخبر

مشكاة أسفل ١