أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
8 حول لفظ الفشل أجمع اللغويون على تفسير (الفشل) بالجبن والفرع والضعف، أو هو ضعف مع جبن، كما قال بعضهم.
ولم يخرج مفسرو القرآن الكريم عن ذلك في الآيات التي ورد فيها هذا اللفظ: كقوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا) (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر) ولكن الكتاب لهذا العهد درجوا على استعمال (الفشل) بمعنى الإخفاق والخيبة، وأهملوا الوضع الأصلي للكلمة. ولقد كنت نهت على هذا الخطأ منذ بعيد في إحدى المجلات.
وما كنت لأعود إليه، لولا أن رأيت في الرسالة عدد 545 كلاماً في هذا الموضوع للأستاذ الجليل عباس محمود العقاد يرد به على الشيخ الفاضل محمود أبي رية فقد عثر الشيخ في كتاب (عبقرية الإمام) (ببعض ألفاظ كان يقف عندها، مثل:.

وفشل ص 81 و 96 و110 و 126) قال: (هل يجوز استعمال كلمة (فشل) في معنى أخفق وخاب؟) فقال الأستاذ العقاد في رده: أما (فشل) بمعنى أخفق فلها حكم آخر.
فهذه الكلمة من الاستعمال الحديث الذي شاع حتى غطى على معنى الكلمة القديم، مع تقارب المعنيين، حتى ليجوز أن يحمل أحدهما قصد الآخر، لأن التراخي والضعف والخواء قريبة كلها من الحبوط والإخفاق) وأنا أقول إن الإخفاق لا يلازم الضعف والتراخي حتما؛ فقد يكون الإخفاق نتيجة للضعف، أو ما يدور حول الضعف من المعاني.
وقد يكون نتيجة لعوامل أخرى لا تمت للضعف بصلة؛ فقد يخفق الشجاع، وينجح الجبان الضعيف في أمر واحد يحاولانه معاً؛ فالضعف شئ، والإخفاق شئ آخر ولو صح هذا التقارب بين المعنيين (حتى ليجوز أن يحمل أحدهما قصد الآخر)، لجاز أن يطلق الإخفاق ويراد به الضعف أو ما يلابسه من المعاني، فيقال مثلاً: أخفق فلان في كذا، أي ضعف وجبن، وهو ما لا يمكن في اللغة وقال الأستاذ العقاد في دفاعه أيضاً: (وتجدد المعاني على حسب العصور سنة لا تحيد عنها لغة من اللغات، وفي مقدمتها اللغة العربية، فلو أننا أخذنا ألف كلمة من المعجم، وتعقبنا معانيها في العصور المختلفة، لما وجدا خمسين أو ستين فيها ثابتة على معنى واحد في جميع العصور.
وربما غب المعنى الجديد، وبطل المعنى القديم وهو أصيل في عدة كلمات) (خذ مثلاً كلمتي الجديد والقديم، وكيف ظهرا، ثم كيف تحولا إلى الغرض الذي نعنيه الآن.
فالثوب الجديد هو الثوب الذي قطع حديثاً من (جده) فهو جديد أو بحدود.
وكانوا يقطعون المنسوجات عند شرائها كما نقطعها اليوم؛ فيسمونها جديدة من أجل ذلك) (ثم نسيت كلمة (الحديد) بمعنى المقطوع؛ فلا يتصرف إليها الذهن الآن إلا بتفسير أو تعيين.
وأصبحنا نعبر بالجدة عن أمور لا تقطع ولا هي من المحسوسات.
فنقول (المعنى الجديد) و (الفكر الجديد)، وما شابه هذه الأوصاف ثم ساق الأستاذ أمثلة أخرى لهذا من اللغة المأثورة، وشرح تطور المعنى فيها وتحوله وأنا أقول إن هذا قياس مع الفارق.
فإن العرب هم الذين استعملوا (الجديد) - مثلاً - في المعنى الأصلي وما تفرع عليه بعد ذلك من المعاني، للعلاقة التي شرحها الأستاذ، تجوزاً سائغاً. وهذا ديدنهم في المجاز والاستعارة يلمحون العلاقة والمناسبة بين المعنيين، فيستعيرون لفظ المعنى القديم للمعنى الجديد؛ فتفرعت اللغة بهذا واتسعت، وتحولت المعاني، وتولد بعضها من بعض، حتى عادت المعاني المجازية أضعاف الحقيقة الأصلية فالأستاذ العقاد جاء بأمثلة من المعجمات ليشرح بها هذا التحول المجازي، المنبعث من مقتضيات التطور الطبيعي في الأمة على ممر العصور ولا كذلك نرى الحال في لفظ (الفشل): فهذا لفظ سلم لنا بمعناه كاملاً، لم يتحول ولم يتطور.
وصان هذا المعنى القرآن الكريم.
ثم تنقل في العصور هكذا، عصراً بعد عصر، حتى إذا كان عصرنا هذا أخطأ في فهمه الناس، وتناقلوا هذا الخطأ، وثبتوا عليه، ثم تلمسوا له المعاذير فليس تحوله من معناه الوضعي إلى المعنى الفاشي الآن خاضعاً لسنة التطور الطبيعي التي تخضع لها اللغات جميعاً وإنما هو وليد الخطأ في الفهم وليس معنى هذا أنه يمتنع التجوز في هذا اللفظ على الإطلاق وإنما ندعى هنا - كما أسلفنا - انعدام التقارب بين الإخفاق والضعف - على الوجه الذي قرره الأستاذ - ومن ثم ننكر (أن يحمل أحدهما قصد الآخر) ثم نحا الأستاذ في جفاعه منحى آخر فقال: على أنني حين استعملت كلمة (الفشل) لم أكد أخرج بها عما اصطلح عليه الأولون؛ فقلت: (يحاول الغلبة من حيث فشل) ولو جعلت (الفشل) هنا بمعنى ضعف، لكانت مقابلة للغلبة أحسن مقابلة) ثم ساق عباراته الثلاث الباقية التي استعمل فيها كلمة (الفشل) وأولها على هذا النحو ولكنا إن أسغنا فهم (الفشل) في هذه العبارة بمعنى الضعف، فكيف يمكن أن نسيغه في قوله: (ولا طائل في البحث عن علة هذا الخذلان الصريح، أكان هو الطمع في الملك بعد فشل على، أم النقمة على الأشتر) أو في قوله: (منى بالفشل، لأنه عمل بغير ما أشار به أصحابه الدهاة) أو في قوله: (ولكنها خطة سلبية لا يمتحن بها رأي ولا عمل، ولا ترتبط بها تجربة ولا فشل) أترك هذا لحكم القراء ولذوقهم هذا ما عناني من مقال الأستاذ الجليل، علقت عليه بما عن لذهني الكيل وبعد فليس من التزمت في شئ أن نحارب أوضاعاً واستعمالات ليست من صميم اللغة الصحيحة، ولا هي مما يخرج تخريجاً مجازياً مقبولاً وليس من التزمت في شئ أن نعمل على أن نفهم لغة الفصحاء وكلام الله تعالى على الوجه الصحيح. (ا.
ع) 1 - هل عرفنا المؤلف كان العلامة الأمير شكيب أرسلان نشر كتاب (محاسن المساعي في مناقب الإمام أبي عمرو الأوزاعي) غفلاً من اسم مؤلفه وقد رأيت في الجزء الثاني من (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي) في ترجمة احمد بن محمد المعروف بابن زيد أن له تأليفاً بهذا الاسم عينه، ثم رأيت في فهرس دار الكتب المصرية مخطوطة بهذا الاسم نفسه منسوبة إلى الحافظ احمد بن علي بن حجر العسقلاني وابن زيد المذكور معاصر لابن حجر وممن سمع عليه بدمشق كما يقول السخاوي.
فلو كان له تأليف بهذا الاسم لعرف ذلك أبن زيد فسمى كتابه باسم آخر، ولما خفي ذلك على السخاوي - وهو التلميذ الملازم لابن حجر وأعرف الناس بمؤلفاته - فيشير إليه في ترجمة ابن زيد على احتمال اتفاقهما في الاسم ولعل الاطلاع على مخطوطة الدار تؤيد ما أذهب إليه. 2 - أول غلط قال (الأستاذ الجليل) الناقد المحقق في كلمته الماتعة عن (لامية شعية بن غريض) - في العدد 552 من الرسالة - وروى الإمام المرزباني في (معجم الشعراء) لشعية مقطوعة ختامها هذا البيت: وأجتنب المقاذع حيث كانت ...
وأترك ما هويت لما خشيت والصواب أن راوي المقطوعة هو الإمام الآمدي في كتابه (المؤتلف والمختلف) وسبب غلط الأستاذ هو أن الكتابين (المعجم والمؤتلف) مطبوعان معاً في مجلد واحد. عدنان.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١