أرشيف المقالات

سيكولوجية إدلر

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
8 تلخيص وتبسيط للأستاذ محمد أديب العامري نظرة عامة يرى الفرد إدلر أن اتصال الإنسان - ذكراً كان أو أنثى - بالحياة والناس يقوم على دعائم ثلاث: العمل والحب والعلاقة الاجتماعية.
هذه عنده هي وظائف الفرد في الحياة؛ فإذا كان الفرد مطمئناً فيها جميعاً كان إنساناً سوياً هانئاً، وإلا فإنه لا ينجو حين تنقصه الحياة إحدى هذه الصفات الثلاث من أن يكون هدفاً لانحراف عصبي. ولإدلر نظرية قائمة بذاتها في علم النفس مركزها فكرة (النقص).
ويظهر من تجارب الناس في الحياة أن فلسفة إدلر النفسية تقوم على شيء من الصحة، إن لم تقم على الصحة كلها، بالرغم من النزاع العنيف بين أتباعه وأتباع فرويد. ونظرية إدلر الأساسية في علم النفس بسيطة.
وقد وضعها هو في عبارات وشروح سهلة تجعل كثيرين ينظرون إليها مرتابين أول الأمر، خشية أن تكون هذه الفكرة قولاً عادياً لا طائل وراءه.
والذي قرب نظرية إدلر من الأذهان أمران: أولهما نزعته العنيفة إلى التبسيط، وثانيهما طواعية أمثلة كثيرة من الحياة لتكون شواهد عليها، وشعور كل إنسان بشيء منها في نفسه.
والنظرية تؤول بعد إلى دعوة إصلاحية عامة ذات مساس شديد بمصالح الناس وهنائهم.
ولا عجب في ذلك فإدلر يعتقد مع وليم جيمس (أن العلم الحقيقي ليس إلا العلم الذي يتصل بالحياة اتصالاً مباشراً). وفلسفة إدلر في علم النفس تدعى (السيكولوجية الفردية).
وهو يذكر أن هذه السيكولوجية إنما نتجت معه من دراسته لدوافع الحياة الخلاقة، أي الدوافع الخفية التي تحدو بالأحياء إلى الرقي والتطور، بالرغم من أي عائق يعوقها.
ولذلك يرى أن الكائن البشري وحدة تستهدف غرضاً معيناً في اندفاعها نحو الرقي والتكامل.
إن للنفس البشرية طابعاً خاصاً يتكون في الصغر.
والنفس تحب أن تتكامل فتسد ما بها من نقص أو تندفع إلى الأمام نحو هدف ثابت للرقي. وإدلر قد لاحظ أن الجسم البشري تتساند جميع أعضائه لتحفظ الجسم وتسعده.
بل هو يلاحظ أن أجزاء الجسم تحاول أن تسد أي نقص يطرأ عليه.
فالجسم يجرح مثلاً فتعمل سائر أعضائه على تغذية المكان المجروح ووقايته حتى يلتئم ويذهب الألم والتشويه الناتجان من ذلك: (الحياة تحاول دائماً أن تستمر، وقوى الحياة لا تخضع قط لأي عائق من الخارج يحول دون استمرارها من غير أن تجهد نفسها في التغلب عليه.
وأن حركة النفس لشبيهة بحركة الحياة العضوية)
وهذا معناه أن النفس البشرية كذلك تتعاون أجزاؤها في سبيل إسعاد النفس كلها ودفعها إلى الأمام في طريق السمو.
فالنفس البشرية لها هدف أو مثل أعلى، وهي تحاول أن تتخطى الحالة التي تكون عليها.
فلو كانت منقوصة حاولت أجزاؤها الأخرى أن تسد النقص.
أما هذا الهدف فإنه يتكون في أول عهد الطفولة الباكر في السنوات الأربع أو الخمس الأولى من حياة الطفل.
ويتركز الهدف الذي تستهدفه النفس حول نقص تحس به من جراء عضو مفقود أو مشوه.
فالطفل ينقصه هذا وهدفه الذي تستهدفه نفسه من جراء هذا النقص يكون وحدة كاملة يسميها إدلر (النموذج الأول).
.
- وهذا النموذج الأول للطفل يظل هو في أساسه لا يتغير مدى حياة الطفل، وإنما يمكن تعديله وتوجيهه وجهات حسنة، وهذه هي فائدة السيكولوجية الفردية.
وخير وقت لهذا التعديل والتوجيه هو في فترة العمر الباكرة، التي يتكون أثناءها النموذج الأول وليس من الضروري أن يتشكل الشعور بالنقص من جراء فقدان عضو أو تشوهه، ولكن حرمان الطفل من مميزات الحياة، وخاصة بالنسبة إلى غيره من الناس، يولد فيه الشعور بالنقص.
فالتربية الناعمة المرهفة (المدللة) للطفل التي تحفه بعناية زائدة لا حاجة إليها، أو الكره الشديد الذي يحس معه الطفل حرج مركزه بالنسبة إلى غيره، هي من الأمور التي تزرع فيه الشعور بالنقص من ناحية أخرى.
إن الطفل المدلل يتعود الاعتماد على أهله، فإذا نما لم يستطع مقابلة الحياة، وإنما يطلبها على الشكل الذي كان يطالب به أهله وهو صغير؛ وبالطبع لا يجد من الحياة التلبية التي كان يجدها من أهله، فتتغلب عليه الحياة وتهزمه، وينحرف بذلك إلى نواحي الحياة الضارة.
فالحياء الشديد، والادعاء، والقعود عن العمل، والإجرام، والجنون والإدمان على الخمر.

الخ: هي مظاهر مما تؤول إليه حالة الطفل إذا نشأ غير سوي، واستولى عليه شعور بالنقص وعندما يلخص إدلر نظريته يقول: (لا مندوحة من الاعتراف بأن طريقة السيكولوجية الفردية تبدأ وتنتهي بمشكلة النقص.

فالنقص هو أساس الجهاد البشري والنجاح.
غير أن الشعور بالنقص هو أساس جميع مشاكلنا النفسية.
إن الفرد لم يجد هدفاً من الرفعة تعرض لشعوره بالنقص، وهذا الشعور يقوده إلى مخرج يخلصه من مواجهة الحياة، هذا المخرج هو الذي يدعى (مركب العظمة)؛ ولا يزيد هذا المركب عن كونه هدفاً عابثاً غير مفيد، يوهم بالرضا الذي يناله الإنسان من نجاح خيالي.
)
وما دام الشعور بالنقص هذا هو أول ما تنحل إليه نظرية إدلر النفسية وآخره، فجدير بنا أن نبحث هذا الشعور بشيء من التفصيل: الشعور بالنقص فكما قد أسلفنا من قبل يبدأ الشعور بالنقص في الطفل من نقص أو ضعف في التركيب الجسماني، ومن الحرمان النفسي مهما كان نوعه.
ويتوقف نوع الشعور على نوع الضعف أو على نوع الحرمان.
ويشمل ذلك عوامل البيئة التي نشأ فيها الطفل، وخاصة طبائع الوالدين والناس المحيطين به وجميع الذين يؤثرون في تربيته أو الوضع الاقتصادي الذي ينشاً فيه ومن البين المهم أن الطفل لا يقوى على العيش وحده حين يولد، ولذلك كان لا مناص له من أن يعتمد على غيره - عائلته - في مطلع حياته واعتماده هو مبدأ إحساسه بالحاجة إلى غيره.
وهذا الإحساس يستمر معه في الحياة؛ فمتى كبر وأضحى مستقلاً كان موضعه بالنسبة إلى المجتمع كما كان موضعه بالنسبة إلى عائلته وهو صغير؛ وبعبارة أخرى تنتقل حاجة الفرد إلى جماعة أكبر.
ومن هنا يشعر الكبير بحاجة إلى الناس.
وشعوره بالنقص يحمله على مواصلة العلاقة بالمجتمع.
(فمبدأ الحياة الاجتماعية)، كما يقول إدلر (هو ضعف الفرد؛ واستمرار ضعفه بالنسبة للمجتمع يلزمه أن يكون اجتماعياً).
وهذه الملاحظة مهمة من ناحيتين: أولاهما إشارتها إلى أن الإنسان اجتماعي بالطبع، والأخرى الإلماع إلى أن طمأنينة الفرد في المجتمع الذي يعيش فيه من أحق علاقات الشعور بالنقص كما سيجيء (البقية في العدد القادم) محمد أديب العامري

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢