أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
8 الشيخ عباس أويت إلى مرقدي حين الظهيرة فلمحت العدد الأخير من مجلة الرسالة فأخذته آنس بمطالعة عناوينه إلى أن يُريح عليّ النوم راحتي وجمامي، ووقع بصري على حديث أخي الدكتور زكي ذي الشجون والأشجان فسارعت إلى الفصل الذي عنوانه: (الشيخ عباس الجمل) أرجو أن أطلع فيه على بشرى أو فكاهة أو دعابة فقرأت ما روّعني وعزب بسروري وراحتي وأقض مضجعي قرأت قول الدكتور وهو يعنى على أدباء مصر تجافيهم: (فجع الشيخ عباس الجمل بغرق ابنه طاهر وهو يقارع أمواج البحر في دمياط فما تحركت يراعة أديب لمواساته في ذلك الرزء الجليل) (وبترت ساق الشيخ عباس منذ أسابيع فما بكى شاعر ولا تأثر كاتب لمصيبة الأديب) الخ فأما المصيبة الأولى فقد عرفتها من قبل وراعني نبؤها وأنا في اسطنبول منذ أربع سنين؛ وأما المصيبة الأخيرة فما عرفت نبأها الفاجع إلا من كلام الدكتور زكي وقد وقعت من نفسي وقلبي موقعاً مفظعاً أليماً وإذا بي أجلس واجماً تسير بي الذكَر في عالم من مصائب الماضي والحاضر، وتسرح بيَ الفكَر فيما أصاب الرجال الكبائر من أحداث وأرزاء، فذكرت فيما ذكرت عقبة بن أبي وقاص حينما قطعت رجله في الموقعة يوم صفين فلبث يقاتل مرتجزاً: الفحل يحمي شوكه معقولاً وتذكرت هذا الفارس العربي عبد الله بن شبرة الجُرَشي وكانت يده قطعت في موقعة فلطاس إحدى وقائع الروم فقال يرثيها في أبيات أولها: ويل أم جار غداة الروع فارقني ...
أهْونْ عليْ به إذ بان فانقطعا يميني يديْ غدت مني مفارقة ...
لم استطع يوم فلطاس لها تبعا ثم إذا بي أسير إلى خزانة كتبي ألتمس عروة بن الزبير لأقرأ ما قال حين أصيب برجله، وأتأسى بما عزاه به أصحابه، وذكرت قول أحد المعزين له: (يا أبا محمد والله ما أعددناك للصراع ولا للسباق، ولقد أبقى الله لنا أكثرك: عقلك وعلمك) وطلبت بقية هذا الكلام في مظانه فلم أهتد إليه، ولكني وجدت في ابن خلكان خبر عروة حين صبر لقطع رجله يتحرك ولا يتأوه ووجدت فيه هذه الكلمة: وكان أحسن من عزاه إبراهيم بن محمد بن طلحة فقال له: (والله ما بك حاجة إلى المشي ولا أرب في السعي، وقد تقدمك عضو من أعضائك وابن من أبنائك إلى الجنة؛ وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء، وعنه غير أغنياء، من علمك ورأيك نفعك الله وإيانا به.
والله ولي ثوابك، والضمين بحسبك)
يا أخانا العباس! إن لك في أرزاء الرجال وخطوب الزمان أسوة وعبرة؛ وإن لك من دينك وعقلك وعلمك ما يغنيك أن تساق إليك الأسى والمواعظ.
وإنا لنعرفك كبيراً أبياً عزيزاً، وإنا لنرجو أن نجدك اليوم أكبر وآبى وأعز من أن يضعضعك خطب، أو يبهظك رزء.
وأنك لتعلم أن الحر الأبي يسير في هذه الحياة صابراً على لأوائها، مستكبراً على أرزائها مشى الجمل الثقال بالحمل الثقيل لا يرزح ولا يرزم ولا يعيا ولا يقف دون غايته يا أخانا العباس! إن لك من دينك وعقلك وعلمك وأدبك ما يؤنسك بالصبر والرضا، ويوطن نفسك للحادثة وإن جلت، والخطب وإن فدح، وإن لك من إبائك وشممك ما يربأ بك أن تضيق بالرزء الشديد، وتطأطأ للنازلة الجليلة والله يجعل هذا آخر محنك، ونهاية بلائك ويبقيك لآلك وإخوانك موفور العقل والعلم، معافى في نفسك وبدنك وأسرتك وأما الأخ الدكتور زكي فقد صدق حين نعى على الإخوان تقاطعهم وغفلة بعضهم عن بعض.
وإنَّا يا أخي زكي - ولا تؤاخذني بهذا التشبيه - لنسير من مشاغل هذه الحياة جليلها وسفسافها في مثل طريق الساقية أو مدار الساقية: حركة دائبة في مضطرَب متشابه ضيق، لو سارت فيه الدابة أبد الدهر ما خرجت منه وإن توهمت - وهي محجوبة العينين - أنها أبعدت المسير، وتناءى ما بين مبدئها ومنتهاها.
ولست أدري إلام تشغلنا الشواغل عما هو أعظم من التقاء أخ بأخ، وتفقد صديق صديقاً، ومذاكرة أديب مثله؛ وفي أولئك من قضاء الحق ومتعة النفس وربح العقل وفقه الأمور، مالا نجد وإن حرصنا في هذه الحركة العاجلة التي كادت تسلب الإنسان عقله وإرادته. عبد الوهاب عزام حول اللهجات العامية يقصد علماء اللغة بكلمة (اللهجات المصرية) ما يشمل اللهجات العربية المستخدمة في السودان، فليس السودان جزءاً لا يتجزأ من مصر في نظر علماء الجغرافيا وأساطين القانون وعدول السياسة فحسب، بل هو كذلك أيضاً في نظر علماء اللغات ولذلك لم أر ضرورة لأن أخصه بالذكر في مقالي عن طوائف اللهجات العامية، بل رأيت أن عطفه على مصر، كما يفعل الغربيون، قد يسئ إلى الحقيقة فيشعر بأنه بلد آخر منفصل عنها. فليفرح إذن روع الأستاذ أحمد المبارك عيسى.
فما كان لمثلي، وأنا من مواليد السودان ومن أكثر الناس إيماناً بوحدة وادي النيل، أن أغفل أمر هذا البلد الأمين. وإنا لنرتقب بذاهب الصبر أن تواتي الظروف حضرة الأستاذ المبارك فيتحفنا على صفحات (الرسالة) بما وعد به من مختارات في الأدب القومي للسوادن، ويزيدنا بذلك يقيناً أن اللهجات المصرية كافة من أقرب اللهجات العامية إلى العربية الفصحى. أشكر للأستاذ جودة مرعشلي بدمشق تصحيحه لما ورد سهواً في مقالي بصدد أسماء بعض القرى السورية التي لا يزال أهلها يتكلمون بلهجة منحدرة من الآرامية الغربية. علي عبد الواحد وافي هل نستفيد مما نقرأ؟ المعروف في اللغة أن فعولاً لا بمعنى فاعل مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، وأن ما يستوي فيه المذكر والمؤنث لا يجمع جمع مذكر سالماً مثل: صبور وفخور وغيور. وأذكر أني قرأت مقالاً منذ شهور للكاتب الكبير الأستاذ العقاد بالرسالة جمع فيه غيوراً على غيورين، وهو خطأ كما ترى. ثم حدث أن الأستاذ السباعي بيومي جمع فخوراً على فخورين في مقال له بالعدد 401 من الرسالة رداً على الدكتور زكي مبارك فتنبه أحد القراء لهذه الغلطة وأشار إليها في الرسالة بعد ذلك. وحدث أيضاً أن الأديب طه الساكت كتب منذ أسابيع كلمة مسهبة في الرسالة عن هذه القاعدة، وذكر الشواهد لها، ودعا الكتاب إلى مراعاتها. وأخيراً رأينا الأستاذ العقاد يقول في العدد 411 من الرسالة: (فإن الشك في وجود المغاداة يغلق المسالك بين ألسنة المصلحين الغيورين). ولا شك أن إصرار الأستاذ الكبير العقاد على هذا الجمع لهذا الكلمة - وهو عضو مجمعنا اللغوي - يدلنا على أن له رأياً فيها يخالف ما أجمع عليه نحاة البصرة. فهل يتفضل الأستاذ ببيان رأيه على صفحات الرسالة فنكون من الشاكرين؟ (بني سويف) محمد محمود رضوان المدرس بالمدرسة النموذجية فتوى واستفتاء 1 - تحت هذا العنوان في عدد (الرسالة) 318 أفتيت واستفتيت الأدباء والباحثين في بعض المباحث الأدبية، وعرضت لهم ما بين روايتي الوسيط والمفصل من التناقض في ترجمة ابن خلكان، ثم استبان لي صواب رواية الوسيط ومنشأ خطأ المفصل على الرغم من أني كنت أستبعد أن يقع مؤلفوه الأماثل في مثل هذا الخطأ؛ وإلى القراء البيان: قال ابن خلكان نفسه: ومولدي يوم الخميس بعد صلاة العصر حادي عشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستمائة بمدينة إربل بمدرسة سلطانها الملك المعظم مظفر الدين بن زين الدين رحمهما الله. وقال هو نفسه في ترجمة أبي الفضل أحمد بن كمال الدين: وتولى التدريس بمدرسة الملك المعظم بعد والدي رحمه الله تعالى، وكان وصوله إليها من الموصل في أوائل شوال سنة عشرة وستمائة؛ وكانت وفاة الوالد ليلة الاثنين الثاني والعشرين من شعبان من السنة المذكورة، وكنت أحضر درسه وأنا صغير، وما سمعت أحداً يلقي الدروس مثله. ومن هذا يظهر جلياً أنه أخذ مبادئ العلم عن شيخه أبي الفضل، لا عن والده كما قال أصحاب المفصل، ومنشأ الخطأ أنهم رجعوا ضمير (درسه) إلى الوالد وغفلوا عن المترجم له وحق لمن استفتى ثم أفتى بعد عمر أن يقول: بيدي لا بيد عمرو 2 - نقرأ في كتب السيرة أن للنبي ﷺ خصائص؛ ونطالع في كتب الأدب كثيراً من خصائص اللغة العربية؛ ونسمع بكتاب الخصائص لابن جني - وإن لم يره إلا قليل - فما مفرد هذا لجمع؟ أمرضتني كتب اللغة، ولم تسعفني، ثم رأيت أقرب الموارد يقول: (والخاصة الذي تخصه لنفسك.

والخاصيّة نسبة إلى الخاصة ج خاصيات وخصائص على غير القياس)
، وفي أثناء مطالعتي في (المواهب اللدنية) ألقيته يقول: (وقد ذكر بعض العلماء أنه ﷺ أوتي ثلاثة آلاف معجزة وخصيصية) فما قول السيد وحيد؛ والأستاذ الكبير (ا.
ع)
؟ 3 - نبه كثير من الباحثين على خطأ الافتعال من قَطَف وعابوا (المقتطف) علماً على المجلة المعروفة؛ فما رأيهم في قصيدة النابغة الشيباني الفائيّة وفيها يقول: تَسبي القلوب بوجه لا كفاء له ...
كالبدر تم جمالاً حين ينتصف تحت الخمار لها جَثْل تُعكِّفه ...
مثل العثاكيل سودا حين تقتطف وبعد فكثير من مفردات اللغة العربية حائر بين المخطئين والمصوبين، فهل يضع المجمع اللغوي الملكي حدَّا لهذه الفوضى؟ طه محمد الساكت المدرس بمعهد القاهرة حول استدراك في غزوة حنين ذكر الأستاذ الفاضل سعيد الأفغاني في العدد (422) من مجلة الرسالة الغراء استدراكاً على مقالي الأول في غزوة حنين؛ وقد جاء فيه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الذي سئل عن الخوارج (أكفار هم)؟ فقال: (من الكفر فروا) قيل: (أمنافقون هم)؟ فقال: (إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، وهؤلاء يذكرون الله كثيراً).
قيل (فما هم)؟ قال: (فتنة غشيتهم). وكنت أحب أن يذكر الأستاذ سعيد الأفغاني المصدر الذي نسب فيه ذلك إلى علي بن أبي طالب، لأن هذا قد يفيد في تحقيق نسبة ذلك القول إلى النبي ﷺ كما ذكرت، أو إلى علي بن أبي طالب كما ذكر هو؛ فأما المصدر الذي نقلت عنه نسبة ذلك إلى النبي ﷺ؛ فهو كتاب إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون المعروف بالسيرة الحلبية، وهو تأليف نور الدين علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي القاهري الشافعي المتوفى سنة 1044هـ.
وقد جاء ذلك في الجزء الثالث (ص140) من النسخة المطبوعة بمطبعة محمد علي صبيح بمصر ولا شك أن صدور ذلك القول من النبي ﷺ لا يمنع صدوره بعده من علي بن أبي طالب، والقطع بالصواب في مثل ذلك كما قطع الأستاذ سعيد الأفغاني لا ضرورة إليه، لأن صدوره محتمل من النبي ﷺ؛ وليس هناك ما يمنع صحة نسبته إليه على سبيل القطع عبد المتعال الصعيدي القصر العيني في العدد (418) من الرسالة الغراء ذكر الأستاذ طه الساكت خطأ الكثيرين في تسمية ابن قيم الجوزية ثم قال: (وقريب من هذا الخطأ - وإن تكلف بعض الكتاب تصحيحه - قولهم (القصر العيني)، وإنما هو قصر العيني بالإضافة إلى الأمير الشهابي أحمد بن عبد الرحيم بن البدر العيني نسبة إلى (عين تاب) على ثلاث مراحل من حلب) أ.
هـ. والواقع أنني كتبت في العام الماضي عن هذا التصحيح في مجلتي (منبر الشرق) و (الصباح) الغراوين، ولكني عدتُ فوجدت أن قولهم (القصر العيني) صحيح لا غبار عليه ولا تكلف فيه، وذلك لأن قولنا (قصر العيني) من باب الإضافة، وقولنا (القصر العيني) من باب النسب، والصلة وثيقة بين الإضافة والنسب، حتى لقد كتب الشيخ (الأشموني) في كتابه عنوانَ (النسب) ثم قال: (هذا هو الأعرف في ترجمة هذا الباب، ويُسمى أيضاً باب الإضافة، وقد سمَّاه سيبويه بالتسميتين.
)
. فقل (قصر العيني) وقل (القصر العيني) ولا تضيِّق على نفسك، فلغة الضاد أفسح مجالاً وأرحب صدراً، ولنا في لهجاتها ورواياتها وأقوال أهليها متسع ومستراد! (البجلات) أحمد الشرباصي

شارك الخبر

المرئيات-١