أرشيف المقالات

في جنة الدنيا دمشق

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
8 غماغم الربيع للأستاذ صلاح الدين المنجد - 1 - تعالي يا عروسي الخلوب تعالي.

يا سيدة بردى المعطر وابنة قاسيون الجميل.
اسمعي أيتها الغوطة المفتان.
لقد جئتك مسرعاً ولهان، وباسماً فرحان.
خرجت من الغيوم البيض كالعذارى، فخفقت في الفضاء، ورتعت في الهواء، وطوفت في الأرض، ثم أويت إلى أحضانك الريا.

يا غوطة الشآم.
! لقد حملتُ إليك كل ما تشتهين.
لك الزهر.

لتحليك بسماته ولك النحل.

لتطربك همساته ولك العطر.

لتسكر نفحاته فتعالي.

جعلك لك الخلود، وحملت إليك الجمال، وأوتيت إلى أحضانك من بين الغيوم.
! - 2 - اسمعي.

اسمعي.
سأجعلك فتنة النظر.
سأحييك بالنور والجمال، وأجعلك مغنى الحب ومرتع الخيال، وأوشي جنباتك الزهر بالأفياء والظلال، وأحلى أعطافك الخضر بلآلئ الغمام.

الغمام الذي أذيته لك لؤلؤاً يبسم ويرف.
! فانظري إلي.
أنا الربيع الجميل.
إليك أويت يا غوطة الشآم.
! - 3 - ما لربوعك صامتة لا تبين.
؟ أأحزنها خفوق المجد، وزوال النعيم.
؟ أم شجاها تولى الصحب وفقد الحبيب.
؟ اسمعي همسي.

ولا تحزني.
لقد شهدت مواكب الملوك العظام.

وفتحت أحضانك للمحبين والهيام.

وسمعت أحاديث المجد يرويها آل غسان.

ثم استقبلت الفاتحين والغزاة، وبسمت للطارئين والبداة.

فرتعوا في المغاني، وهوموا في الرباع، ثم.

ثم غبيتهم على حفافي نهرك، وكفنتهم بوردك وزهرك، بين العشب والنعناع.
إلا تحسين.

إلا تحسين.
وتحتك عظام تئن، وأطلال تنام! عظام أو الملوك الغطاريف الرافلين بالحرير، الغارقين في النعيم، اللاهين في الحنايا والقصور. وأين القصور يا غوطة الشام؟ أين أغاني الوليد وأهازيجه.

أين سكرات يزيد وصبواته.

أين ترانيم المجد وأغاريده؟.
أين.

أين.
؟ اقدر لتلك الدماء التي شربتها أن تصبح زهرات حمراء، ولتلك الرفات التي طويتها أن تنقلب أعاشيب خضراء؟.
فاضحكي يا عروسي.
لقد مضوا كلهم وبقيت أنت.

وسيمضي غيرهم وتبقين: اضحكي لعيني الحلوتين.

أنا الربيع.

فلقد حملت إليك النور.

وأتيت من أجلاك من بين الغيوم.
! - 4 - أيامي قصيرة في الأرض يا عروسي.
تمر كومضة البرق، وبسمة الأمل، وقبلة الحبيب الراحل.
فافتحي لي أحضانك.

وسأنثر قلبي في جنباتك.

وأروي من دمي أكنافك.
يا من في أحضانك نثرت قلوب.

وبين ذراعيك جادت نفوس، وعلى شفتيك أهرقت دماء.
وكان للمجد في صدرك تاريخ، وللنور في فضائك عيد، وللحب في محانيك تغريد، وللأغاني في سمائك ترديد.
فابسمي لعيني الحلوتين.

يا عروس الشآم فلقد ولدتني الغيوم البيض كالعذارى.

فجئت أحمل لك الحياة والنور! - 5 - واسمعوا أيضاً.

اسمعوا.
! أنتم أيها الفنانون يا من تبعدون الجمال وتقدسون النور.
تعالوا إلى غوطة الشآم.
انظروا لجمال الفينان؛ والدلال النشوان، والتبرج والفتون! واسمعوا غماغم الهوى المعسول، وتأوهات الزهر المسحور وتمتعوا بالربيع النديان غافياً على ركبتي العروس.

ينفث الرحيق، وينشر الأريج، ويداعيها بالقبل، ويسكب بين يديها الدموع.

فنبت عند كل قبلة زهرة.

ويتفجر عند كل دمعة ينبوع.
تعالوا.

وانظروا ميلاد الشعر والحب.
أقبلوا.

وارنوا إلى هداياي.
زهور سمت نجوم السماء وعطور فاقت أفاويه الهنود.
ومياه رقيقة كنجوى المحبين ولكن.

لا.

ما العطور، وما الزهور.
لقد وهت لها الحياة، الحياة، والجمال والنور - 6 - بشرك يا غوطة الشآم.
إلى أحضانك جئت من الغمام.
أنا الربيع الجميل أنا الذي أدغدغ النهود فتثب، وأشعل الخدود فتلتهب، وأغرق الألحاظ بالسحر والفتون.

وأهز القدود بسكر الشباب، وأغمر القلوب بالحب والحنان.
أنا الربيع.
أنا ضحكات الشفاه، وخفقان القلوب، وغمز العيون.
أنا رنين القبلات، واختلاج القسمات، وأحلام العذارى، وهمس الأحباب.
أنا.

أنا نصوع الزهر، وسطوع العطر.
أنا الحب، أنا الجمال.
مررت على الجنان.

واصطفيت أبدع الألوان، وجئت إلى أحضانك مسرعاً عجلان.
فابسمي.

واضحكي.
فلقد ولدتني الغيوم البيض كالعذارى، فجئتك أحمل لك الحياة الحياة، والنور.

والجمال.
! (دمشق) صلاح الدين المنجد

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣