أرشيف المقالات

غضبة إسلامية

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
8 للأستاذ عبد الله عفيفي بك استهل عام اثنين وستين وثلاثمائة والدولة الإسلامية ببغداد تعاني جرحاً أليماً أصابها في الصميم، فقد اقتحم الروم بلاد الجزيرة وأمعنوا فيها، ودخلوا نصيبين واستباحوا وقتلوا وسبوا أهلها إلا من نجا بنفسه وهم عدد قليل وجاء الناجون إلى بغداد ودخلوا المساجد وكسروا المنابر ومنعوا الخطباء ووقف رجالهم ونساؤهم وأطفالهم يخطبون الناس.
وهل هنالك أخطب من امرأة تقص على الناس مأساة ابنتها العذراء، أو طفل يحدثهم عن مذبحة أخوته الصغار؟ هنالك ثار المسلمون ومادت بغداد بثورتهم حتى أصبحت أرضها وسماؤها وجوها ونهرها وجبلها رجوما من النار وكان عز الدولة بن بويه القائم بالأمر في خلافة المطيع لله غائبا في بالكوفة، فذهب إليه وفد من علماء المسلمين ووصفوا له الخطب الفادح والثورة الجائحة، وأن ليس للمسلمين إلا أن ينتقموا أو يموتوا، وعادوا وعاد معهم عز الدولة، ونادى بالنفير في الناس.
هنالك ثارت الجماهير، وتألبت العامة، وخرج كل رجل عما يملك، وخرجت كل امرأة عما تملك، حتى عن أولادها فتياناً وصبياناً، وكل من يغني غناء قل أو كثر في سبيل الله ونزل الخليفة عن ماله كله، وأثاث بيته كله، ثم جمع ثيابه وباعها، وهدم داره وباع أنقاضها، وقدم الحديد العاصم لها ليستعين به المجاهدون في الله وسار الجيش كالسيل المندفع، أو كالعاصفة الثائرة، وأقوى أسلحته الغضبة الحامية لما أصاب المسلمين من ذل وهوان؛ وغضبة المسلم لله شعلة الإيمان في صدره وقوة الله في يده وكان الروم قد أقاموا مقالع الصخر ومجانيق الحديد ومقاذف اللهب على أسوار نصيبين؛ فلما جاء المسلمون قذفهم الروم بذلك كله فلم يبالوا بشيء منه.
وما أسرع ما أحاطوا بالعدو وأوقعوا به وقعة قد لا يكون لها نظير في التاريخ.
وأسروا أمير الجيوش وقواده وبطارقته والسفاحين من رجاله وساقوهم إلى بغداد ليقضي فيهم أمير المؤمنين بقضاء الله المنتقم الجبار وبعد ثلاث سنوات حشد الروم قوى هائلة ولم يهاجموا هذا الحصن من حصون الإسلام بل هاجموا الحصن الثاني وهو الدولة الفاطمية واقتحموا حلب وحمص وحماة وفعلوا بها مثل ما فعلوا من قبل بنصيبين وهنا يظهر الروح الإسلامي النبيل فقد كتب عز الدولة إلى العزيز بالله الخليفة الفاطمي يقدم له ولاءه وولاء الخليفة العباسي ليشترك المسلمون في مصر وبغداد على دفع العدو المشترك، فتقبل العزيز هذا الود الإسلامي بأحسن القبول وقال إن الجيش المصري سيحمل هذه المرة العبء كله وسار الجيش الفاطمي يحمل الراية الإسلامية من نصر إلى نصر، حتى دفعوا العدو دفعا وراء الحدود، ثم وقف الفريقان متحاجزين يحجزهما نهر يسمى (نهر المقلوب) ولكن الجيش الإسلامي آلى على نفسه أن يضرب العدو في عقر داره، حتى يقلم أظفاره عن الغدر بالمسلمين، فكيف وليس على النهر جسر، وليس فيه مخاضة؟ هنالك تظهر القوة الإسلامية التي لا تخاف الموت، فقد خلعت إحدى الفرق الإسلامية ثيابها الظاهرة، وتقدمت في النهر سابحة، وبينما هي تسبح كانت تضرب العدو بالنشاب!! وكان العدو ضربها كذلك بكل ما ملكت يداه وبعد جهاد تحار من هوله العقول بلغت الفرقة الشاطئ وتبعها الجيش كله وضربوا العدو ضربة مزقته أشنع تمزيق.
ولو طال عمر العزيز بالله أياماً لسار هذا الجيش يحمل رسالة الله إلى آخر مداه أيها المسلمون في بغداد وفي مصر؛ بل أيها المسلمون في بقاع الأرض جميعا: بعد عامين اثنين ينقضي على موقعة نصيبين التي باع فيها الخليفة ثيابه ونزع الحديد من أنقاض بيته ألف عام وبعد خمسة أعوام ينقضي على موقعة حلب التي ضرب فيها المسلمون عدوهم وهم مندفعون سابحين في النهر ألف عام وبعد خمسة أعوام ينقضي على الوحدة المقدسة التي انعقدت بين المسلمين في مصر وبغداد ألف عام فهل تتأهبون لإقامة الأعياد الألفية لهذه الأحداث الجسام؟ وليست الأعياد زينات تمر ولا أعلاما تقام، ولكن الأعياد الشاملة عرض للقوة، وتوثيق للوحدة، وإبرام للعهد، وإذكاء للعزيمة، وإعزاز للإسلام فهل أنتم مستعدون؟ عبد الله عفيفي

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن