أرشيف المقالات

الأزهر وتفسير القرآن الكريم

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
8 للأستاذ محمود حسن منصور المدرس بكلية الشريعة لسنا بحاجة إلى القول بأن القرآن الكريم هو دستور الدين والدنيا، وأنه ينبوع الشريعة الصافي الذي يصدر عنه كل ناظر في التشريع، أو متعرض للأحكام أو منتفع بما فيه من التعاليم والآداب لسنا بحاجة إلى أن نقول ذلك فقد فرغ الناس منه، وآمنوا عن يقين به، وما تزال الحوادث تؤيده، والأيام تعززه وتزيده قوة في النفوس، ومتانة في القلوب ولسنا نريد أن ننكر على المفسرين الأولين للقرآن الكريم جهودهم الجبارة، ومحاولاتهم الكبيرة، وعنايتهم بتفسير هذا الكتاب الكريم، وخدمته من نواحي الفقه والبلاغة والإعراب، وغير ذلك مما تعرضوا له في تفاسيرهم، فلا شك أنهم أتوا من ذلك بما يفرضه عليهم واجبهم نحو دينهم وعلومهم، ولغة قومهم وكتاب ربهم، فأدوا رسالتهم وأبروا ذمتهم أمام الله والناس ولو أن باحثاً عنى بأن يستعرض هذه الأسفار المختلفة، وأن يزنها بما توزن به الجهود العلمية والإنتاجات القومية لوجد من ذلك ما يملأ نفسه روعة ويملأ قلبه إعجاباً، ولجرى لسانه بألفاظ الثناء على هؤلاء العلماء، ولجزاهم عن دينهم وأمتهم خير الجزاء كل ذلك حق لا ريب فيه تحدثت به آثارهم، وآمن به كل من تأنى له النظر في كتبهم، والبحث في مؤلفاتهم، كما آمن به علماء الأزهر ولكنا مع ذلك لا نستطيع أن ننكر ولا يستطيع إخواننا من العلماء ولا شيوخنا منهم أن ينكروا أن لهذه التفاسير عيوباً قد إحسها الناس من زمن طويل.
وقد ازداد إدراكهم لها في ذلك العصر الذي تغيرت فيه طرق الإقناع، وتنوعت أساليب البحث والتفكير، وتهيأ للعقل فيه نوع من النضوج لاشتغاله بالعلوم الكثيرة، ونظرة في الثقافات المختلفة.
فمن هذه العيوب: أولاً: تفشي الإسرائيليات في هذه الكتب المشهورة، كما تتفشى الأوباء المهلكة حتى تجد الكثير من الآيات قد صنعت لها القصص، ودبرت لها الخرافات، فأصبح الناظر في هذ الكتب مشغولاً بتنحيتها عن طريقه وإزالتها عن سبيله إن كان من العلماء، ومهدوا بأن تغزوه هذه الخرافات الباطلة في قرارة نفسه وصميم عقيدته، إن كان من العامة، وذلك هو السر فيما نشاهده من صعوبة مهمة العلماء المفكرين في توضيح هداية القرآن على وجهها الصحيح، وإيصالها سليمة إلى نفوس الناس ثانياً: تخصص كثير من هذه الكتب في نواح من التفسير هي في نفسها صالحة وقيمة وطيبة ومحتاج إليها.
فهذا تفسير يهتم بالنحو والإعراب، وهذا تفسير يعنى ببيان وجوه البلاغة والإعجاز، وهذا تفسير جعل مهمته التوفيق بين آيات القرآن ومذاهب الفقهاء وقلما تجد تفسيراً يفسر القرآن على نحو يشعرك بمقصده السامي، وغرضه النبيل من غرس العقائد الصحيحة السهلة التي لا تقيد فيها ولا غموض، وتبين الأحكام الناصعة الواضحة التي لا تشديد فيها ولا تعسف، وعرض التربية القرآنية الروحية والعقلية عرضاً عرضاً كريماً يتفق مع ما للقرآن من قيمة ذاتية وباعتباره كتاباً إلهياً خالداً صادراً عن الله الذي يعلم السر في السموات والأرض ثالثاً: اندفاع كثير من المفسرين بدافع الرغبة في تأييد مذاهبهم وتوطيد عقائدهم وآرائهم إلى تخريج القرآن على آراء أصحاب المذاهب والمعتقدات، ولو كان في ذلك الإخلال بالنظم والخروج به عن الأساليب العربية المألوفة، والنزول به إلى أدنى درجات الكلام فتراهم يقولون مذهب أهل السنة كذا، فيجب أن تؤول الآية لتطابق هذا المذهب، ومذهب الحقيقة كذا، فيجب أن تفهم الآية على نحو يبعدها من هذا المذهب، وهذه الآية تتفق الحقيقة مع مذهب الحنفية وتخالف مذهب المالكية، وهكذا، كأن القرآن إنما أنزله الله على حساب أهل المذاهب والمعتقدات الصحيحة والباطلة على حد سواء، وكأنه إنما جعل ليقاس على المذاهب لا لتقاس المذاهب عليه 4 - هذا إلى ما تراه وتشعر به من غموض بعض التفاسير في العبارة، وتكلفها في تحميل الآيات ما لا تحمل من المعاني، وقصورها عن مجاراة العرض الحديث الذي أصبح له أهمية كبرى في نظر العلماء والباحثين، والقراء والمنتفعين هذه عيوب نسمح لأنفسنا بأن نصفها بالخطر، ولا نظن أننا نبالغ إذا قلنا إنها نوع من الصد عن كتاب الله وعلماء الأزهر قادرون على تلافي هذه العيوب، يستطيعون الاضطلاع بمهمة إصلاحها وذودها عن كتاب الله، وتخليصه من براثنها، وهم مطالبون بذلك بحكم عملهم، وطبيعة دراستهم، ولن تغفر لهم الأمة أي نوع من أنواع التقصير مهما قيل في تبريره من الأعذار فأين الأثر الذي سيتحدث التاريخ عنه إلى الأجيال المقبلة عن عمل رجال الأزهر في هذه الناحية؟ أين التفسير الذي يلائم عقول العصر ولا يتصادم مع حقائق العلم، ولا يفرض في الناس الذين يطلب إليهم أن يتقبلوه هذه السذاجة العقلية التي تفرضها فيهم تلك الكتب حين تقول في تفسير قوله تعالى: (إلا إبليس كان من الجن) إن الملائكة قد اشتبكوا في حرب مع الشياطين كانت لهم مواقع، وقد انجلت معركة من هذه المعارك عن إبليس أسيراً وهو صغير، فأخذه الملائكة، ونشؤه نشأتهم وخرجوه في دائرتهم، فكانت النتيجة أن خاطبه الله خطابهم، وكلفه تكليفهم في كل الآيات الواردة في أمر الملائكة بالسجود لآدم ولا نفرض في الناس هذه العقول التي تستسيغ الإمعان في التخيل والإسراف في مجاراة الأوهام حين تعرض عليهم قصة من ألذ ما يتخيل، ومن أبعد ما يتصور حصوله، وأشبه ما يكون بما يعرف بحكايات (أم الغول) تعرض هذا عن تفسير قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد.
إرم ذات العماد.
التي لم يخلق مثلها في البلاد.
)
فتحدثك بأن شداد بن عاد سمع بالجنة وبنائها وما فيها فهب لبناء مدينة إرم في صحراء اليمن، وذلك بعد أن دانت له الملوك، وتم له ملك الدنيا.
ولما كان يريد أن تضارع الجنة إرم أو تضاربها، بناها من ذهب وفضة وياقوت وو.

ثم يخبرك بما كان بعد تمام بنائها الذي استمر ثلاثمائة سنة، وما كان من أمر عبد الله ابن قلابة معها، وما كان من حديث كعب مع معاوية في شأنها ويطول بي الحديث إذا عرضت لك غير هذا من تلك الخرافات والخيالات التي ملئت بها كتب المفسرين المشهورة فإذا كانت الأمة قد أحست حاجتها الماسة إلى وضع معجم لغوي بسيط أو وسيط فكلفت بذلك مجمع اللغة الملكي، فهو يحشد له قوته ويعد له عدته، وسيخرج به على الناس إما قريباً أو بعيداً، فالأمة أيضاً بحاجة إلى من يسد مثل هذه الثغرة في التفسير، فيكون لها تفسير يرتضيه العلماء وتتداوله الأيدي، ويحصل الناس منه على ما يبتغون من تفهم هداية القرآن واجتلاء محاسنه، والانتفاع بتعاليمه ومبادئه وللإمام المراغي في ذلك ما يصلح بحق أن يكون نموذجاً يحتذي ومبدأ يتبع، ظهر به على الأمة في دروسه الدينية، فقد تناول الآيات التي شرحها من جميع نواحيها الجديرة بالنظر، فجلا معانيها وراض صعابها، وكشف عن محاسنها وهدايتها، وذلل مشكلاتها العلمية فأخرجها سائغة سهلة سليمة متقبلة، وعرضها عرضاً يشرح النفس ويصل إلى القلم.
إلا أن للأستاذ الإمام المراغي من مهام منصبه الخطير ما يشغله عن موالاة ذلك إن اليوم يقوم فيه العلماء بهذا العمل الجليل هو اليوم الذي يثبتون فيه للأمة عملياً جدارتهم برسالتهم التي يحملون، والذي يدفعون به عن أنفسهم تلك السهام المصوبة إليهم من أصدقائهم وخصومهم فإن لا يكن هذا فلا أقل من أن يختار من تلك الكتب أكثرها نفعاً وأدناها إلى الصلاح فيتقدم له من يعلق عليه بما يميز طيبه من خبيثه، ويبين صالحه من فاسده، وينبه على ما فيه من أخطاء علمية أو خرافات باطلة، ويضمن ذلك التعليق القول في الناحية أو النواحي التي تتضمنها الآية وغفل عنها المفسر وبذلك يبقى الأصل وينتفع الناس بما فيه من علم نافع ويتقون شر ما فيه من خرافات وأوهام تفسد دينهم، وتضعف يقينهم. إن التبعة الملقاة على علماء الأزهر خطيرة، والمسؤولية التي عليهم أمام الله والناس عظيمة، وواجبهم نحو كتاب الله غير هين، وذلك أقل مجهود يبرئون به ذممهم، ويخدمون به دينهم وأمتهم أما أن نكتفي بالقول بأنا أعلم الناس وكتبنا خير الكتب، ودراستنا أجود الدراسات، فهذا ما لا تلقى به التبعة، ولا تنتفع به الأمة.
فالعمل العمل إن كنتم جادين محمود حسن منصور

شارك الخبر

المرئيات-١