أرشيف المقالات

الأدب المصري وكيف ننظر إليه

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
8 للأستاذ شكري فيصل أثارت كلمة (زهير زهير) في (المكشوف) التي نقلتها الرسالة الغراء في العدد 294 موضوعاً جديداً للبحث عن الأدب المصري، وعن مظاهر هذا الأدب، وما كان من أثر المؤلفات والمطابع المصرية في الأقطار العربية الأخرى وأشهد أن كلمة (المكشوف) كانت جريئة.

وأن حملة (زهير زهير) كانت شديدة قاسية بخست الأدب المصري والثقافة المصرية حقهما وفضلهما على وضوح هذا الحق وعظم هذا الفضل وما كان لي أن أعرض لبواعث هذه الحملة ولا يسرنا أن نذهب إلى الظن بأن العصبية الدينية، أو النزعة الإقليمية، تملي مثل هذه الآراء أو أبعد منها، وإنما الذي يهمنا أن ننافس السيد زهير زهير فيما عرض له يقول الكاتب: إن أكثر المؤلفات التي تخرجها المطبعة المصرية غير مصري، وهى تختلف بين أن تكون نوادر مخطوطات أو طبعات جديدة لكتاب قديم، وإن المؤلفات المصرية الحديثة مخبأة لا تظهر على وجهه، وهو يتساءل عن كتاب واحد ذي قيمة لمؤلف مصري صميم لنتساءل: ألا يكون إخراج المخطوطات النادرة، والقيام على تصحيحها وطبعها ونشرها، أو تجديد طبع الكتب القديمة وإصلاحها وإخراجها للناس منقولة محببة، عملاً أدبياً ذا قيمة؟ وهل يقتصر العمل الأدبي على كتابة مقال، أو تأليف قصة، أو نظم قصيدة؟ نحن في طور من أطوار النهضة، ونحن في هذه النهضة محتاجون إلى هذه المكتبة القديمة، ننبش آثارها، ونحيى مواتها ونجلو صدأها، ونظهرها طريفة براقة، تجتذبنا إليها، لنفيد من علمها الغزير، وفوائدها الكثيرة، والعمل في هذه الناحية والتوفر على إخراج هذه الثروة الدفينة عمل أدبي قيم، وجهد علمي شاق ونحن لا ننظر إلى الأدب المصري في المقالة والقصة والقصيدة، فهذه ناحية واحدة من نواح كثيرة متعددة؛ وإنما ننظر إليه على أنه مجموعة من الجهود تتناول إحياء الثقافة الغافية، ونشر المؤلفات القديمة، والإنتاج وعلى هذا فقد قدمت المطبعة المصرية إلى العالم العربي أجل الخدمات، وستظل النهضة الحديثة في الأدب العربي مدينة للمطابع المصرية، لأنها كانت أكثر مطابع الشرق العربي إنتاجاً ولأنها في هذا الإنتاج بعثت النشاط والحركة في ذهن العالم النائم ومن العبث ومن الإنكار أن ننسى فضل المطبعة الأميرية، ومطبعة الساسي والحلبي وكثير غيرها، فقد ولدت هذه المطابع بما أخرجت من كتب، وقدمت من ثمرات، تياراً فكرياً كان له أكبر الأثر في الحركة الأدبية الحاضرة والعالم العربي كله على المطبعة المصرية، ينظر إليها كما ينظر المزارع إلى السماء، يأمل خيرها، ويرجو غيثها؛ والسيد زهير يعرف ذلك في بيروت، وأعرفه أنا في دمشق، ويعرفه غيري وغيره في العراق والمغرب والحجاز؛ وهو لا يجهل أيضاً أن الجيل الحاضر قد فتح عينيه على المنفلوطي والزيات وطه حسين وأحمد أمين والمازني والعقاد والحكيم وشوقي وحافظ ومطران ورامي، وأنه قرأ هؤلاء وكثيراً غيرهم وأفاد منهم فأصلح لسانه وقوّم بيانه، وثقف عقله، ثم التفت إلى المكتبة العربية الزاخرة فلم تطق عيناه هذه الأوراق الصفراء البالية، فكاد يعزف عنها لولا أن تداركته المطبعة المصرية بهذه الذخائر الممتعة التي أخرجتها للناس الواقع أن امتداد الأدب المصري، والثقافة المصرية، في أجواء البلاد العربية قد كان.

وأنه كان امتداداً واسعاً.

وأن أثره كان طيباً عميماً.

وأن البلاد العربية كلها مدينة له، عالة عليه، فقد استثار في أجوائها الحياة، وسكب فيها بعد رقدة طويلة روحاً جديدة نيرة وليس من عرفان الجميل حين يشتد منها الساعد، في العراق ودمشق وبيروت، وتبدأ البذور التي رعتها المطبعة المصرية بالإنماء، أن نجحد الفضل الأول وننكره ونزدريه. وبعد فهل صحيح أن المطبعة المصرية اقتصرت على المؤلفات القديمة، وأن المؤلفات المصرية الحديثة أنشأها كتاب مصريون بمادة أجنبية مستوردة من الخارج؟ نحن نحب أن يقوم النقاش الأدبي، وأن تنضج الحركة الفكرية، ولكنا لا نحب أبداً أن يكون هذا النقاش قائماً على عصبية مفرطة أو خيال خصب.

وإلاّ فمن ذا الذي يقول إن المؤلفات المصرية الحديثة غير موجودة؟ أنا أحيل السيد زهيراً إلى فهارس المكتبات العامة، فسيجد فيها كل ما كان مخبأ لا يظهر على وجهه، وسيحفظ للقراء أوقاتهم مخافة أن يضيعوها في التعداد المضني. وكأن السيد (زهيراً) قد أحس هذا الإسراف.

وهذا الإفراط، فحاول أن يبرهن عليه، فما استطاع أكثر من أن يعدد الشعر الجاهلي وحياة محمد وضحى الإسلام ولكن هل يكفي أن تكون نزعة الشك التي سُبق إليها طه حسين، أو نظرة دورمنكهيم إلى حياة النبي، أو آراء المستشرقين في الثقافة العربية.

هل تكفي هذه وحدها لتجرد الأدب المصري كله من ميزاته كلها؟؟ ومن ذا يقول إن التأليف يجب أن يكون مبتكراً في كل نواحيه وكل خصائصه؟.
.
وهل يحرم على العقل الإنساني أن يستفيد من عقول إنسانية أخرى؟.
. إن حقائق العلم مشاعة، وإن ثمرات الفكر وقف مباح للناس كلهم، يفيدون منه ويبنون عليه، وإذا كان كل عالم من العلماء مضطراً إلى أن يبدأ أبحاثه من النقطة الأولى، أو أن يبتدئ تعداده - كما يقول الرياضيون - من الصفر، فإن الحضارة الإنسانية ستظل حيث هي لا تتزحزح. وهذه سنة الكون يبني المتأخرون على غرار المتقدمين أو ينتقدون ما بنوا، ليشرعوا في منهج آخر.

وهذا ما فعله طه حسين واحمد أمين وهيكل، وقد يكون أكبر أخطائهم أنهم لم يشيروا إلى بعض المصادر التي أخذوا عنها في الطبعات الأولى.

أو أنهم أشاروا إليها في اختصار واقتضاب. والترجمة أيضاً.

ألا تكون ناحية من نواحي النهضة الأدبية.

وهل يقتضي تكوين الأدب المصري ألا تكون هناك ترجمة أو مترجمون.

وهل تدل ترجمة بعض المؤلفات الأدبية والفلسفية، على أن مادة الأدب المصري مستوردة من الخارج؟ إن عصور النهضة في أقطار الدنيا مقرونة ببعث وتجديد وترجمة.

ولقد كان البعث والتجديد عن طريق إخراج المؤلفات القديمة، ثم كانت الترجمة أيضاً على أيدي كثيرين وتناولت الأدب والرواية والفلسفة، وأضافت إلى الأدب العربي لوناً جديداً من ألوان الثقافة، وأطلعت الأقطار العربية على علم الغرب وأدبه وفلسفته هذه هي الناحية العلمية من النهضة الفكرية في مصر.

أما الناحية الأدبية فهل نستطيع أن نتجهم لها أيضاً بمثل هذه الجرأة وهذا الإنكار؟.

وهل كانت مؤلفات توفيق الحكيم منقولة عن لغة أجنبية؟.

وهل مقالات الزيات وأمين والعريان مستوردة من الخارج؟.

ثم هل كان خيوط العنكبوت وعلى هامش السيرة وعشرات غيرها، يخجل المنصف أن نعددها له، غير مصرية.
؟ هنالك بعض نقاط ضعيفة في الأدب المصري.

ولكن هذه النقاط الضعيفة لا تقتضي أن تذهب بنا هذا المذهب الجاحد في الإنكار الشديد، وأن تدفع بنا إلى مثل هذه الأدلة الهزيلة.
فنقول إن مصر التي تسيطر بثقافتها على البلاد العربية قد عجز أدباؤها وعلماؤها عن وضع الموسوعة الإسلامية، أو إن أكبر أديب فيها ينادي بفرعونيتها، أو أنه لم يخلق فيها بعد ناثر أو شاعر يسجل في ملحمة شعرية أو نثرية الأحداث الخطيرة التي تعاقبت عليها ومتى كان رأي قديم لأديب كبير باعثاً على إنكار ثقافة بلد كامل؟ وما هي العلاقة بين هذا وذاك؟ أفلا يحس الأستاذ زهير زهير نفسه في بيروت آراء أشد من هذه، وأقوى في النيل من الإسلام، وطعنه في ظهره.
ألا يرى ذلك في كليات التبشير ونشرات الأدباء المبشرين؟.

ثم هل يكون العجز عن تأليف موسوعة دليلاً على ما نتعمده من إنكار؟ إن الأقطار العربية، ومصر منها، لا يعيبها أنها لم تشرع بعد في الموسوعة الإسلامية فلقد كانت غارقة في معترك سياسي عنيف، وكانت قوى علمائها وعامتها منصرفة إلى السياسة ومتأثرة بها، والموسوعات إنما تتطلب الاستقرار والنعيم والثروة.

ولئن توفر بعض هذا في مصر فلم يتوفر كله، وحين يبدأ قطر عربي آخر بالموسوعة الإسلامية نستطيع أن نقرنه بعد ذلك إلى مصر، لنهب أحدهما الزعامة الأدبية وبعد فإن الأستاذ (زهير زهير) قد أغرق.

وقد كان في كلمته حائراً بين امتداد الثقافة، وسيطرة الزعامة، وفرعونية مصر، وإنكار الأدب المصري.

ولقد كان متجاوزاً حدود الجرأة حتى سمى هذه الثقافة (ثقافة لقيطة) وكما عز عليه كلبناني عربي، يعز علينا كعرب مسلمين أن يؤخذ الشاب العربي المسلم بعصبيات إقليمية، ونعرات دينية، (وأن يخدع بالدعايات المأجورة المجانية) (نزيل القاهرة) شكري فيصل

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢