أرشيف المقالات

من برجنا العاجي

مدة قراءة المادة : دقيقتان .
8 يقع لي أحياناً أن أهبط محلاً عاماً فيتقدم إلى شخص لا أعرفه، يحييني تحية رقيقة ويقول: (أحد قرائك المعجبين) ثم يمضي دون أن يزيد.
ويحدث لي دائماً في كل عيد أن أفض البريد فأجد بطاقات التمنيات ورسائل التهاني كأنها باقات الورد من قراء كرام لم تبصرهم عيني ولم يروني إلا فكرة تعيش في سياج السطور على أديم الصفحات هنا معنى الاتصال الروحي، أرفع ألوان الاتصال، وأسمى أنواع المشاعر.
وإني ليملؤني العجب حيناً، ويداخلني الزهو أحياناً إذ لأجد في الشرق مثل هؤلاء القراء! لكن مهلاً.

فيم العجب؟ ألسنا القائلين الشرق هو قلب (الروحانية) النابض؟ إنما المدهش حقاً هو أن نرى قراء الغرب يبعثون كل صباح ملايين الرسائل إلى كتابهم المحبوبين! نعم أين هذا الاتصال الروحي من ذاك! إذا قلنا إن الفرق في عدد القراء وانتشار الأمية أو التعليم لكذبتنا النسب والأرقام، ولتبين لنا آخر الأمر أن الشرق متخلف في هذا المضمار على كل حال إن عيب الشرق هو (الكسل).
والقارئ الشرقي على وجه عام رخو المزاج فاقد النشاط.
إنه يطالع وتتأثر نفسه ويتفتح قلبه، ثم لا يلبث أن يتثاءب ويلقي الكتاب وينسي المؤلف وتخمد فيه الجذوة.
ثم هو بعد ذلك كثير الإهمال قليل الاكتراث.
فأين القوة الداخلية التي تدفعه إلى طلب الاتصال بذلك الروح الذي أنس إليه؟ إنه (يستهلك) مادة الكتاب مثلما يستهلك مادة الطعام دون أن يلقي بالاً إلى الطاهي الذي أعده لمادته.
وهكذا ينكشف الأمر عن هذه النتيجة العجيبة: إن روحانية الشرق قد هبط بها (كسل النفس) إلى المادية، وإن مادية الغرب قد ارتفع بها (تيقظ النفس) إلى الروحانية! توفيق الحك

شارك الخبر

المرئيات-١