أرشيف المقالات

بيع ضراب الفحل

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2بيع ضراب الفحل
اختلف العلماء في حكم بيع ضراب الفحل على قولين: الأول: عدم جواز بيعه مطلقاً. وهو قول الجمهور من الحنفية،[1] والشافعية،[2] والحنابلة.[3]   قال السرخسي في المبسوط: "والمراد بعسب التيس أخذ المال على الضراب وهو إنزاء الفحول على الإناث، وذلك حرام".[4]   وقال في روضة الطالبين: "نهي عن ثمن عسب الفحل.
والحاصل: إن بذل عوضاً عن الضراب، إن كان بيعاً، فباطل قطعاً، وكذا إن كان إجارة على الأصح".[5]   وقال الزركشي: "عسب الفحل ضرابه، وبيع ذلك - وكذلك إجارته لذلك - لا تصح، للنهي عن ذلك".[6]   واستدل أصحاب هذا القول بما يلي: 1 - حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن عسب الفحل.[7] وعسب الفحل ضرابه.
وبيعه أخذ عوضه.   2 - حديث جابر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل.[8]   3 - حديث أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن رجلا من كلاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل؟ "فنهاه"، فقال: يا رسول الله، إنا نطرق الفحل فنكرم، "فرخص له في الكرامة".[9]   4 - حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، وعسب التيس".[10] وغيرها من الأحاديث الصريحة في النهي عن بيع عسب الفحل، والذي يقتضي التحريم.   5 - أنه ليس بمال فهو مهين لا قيمة له، كما أنه غير معلوم، والتزام بما لا يقدر الوفاء به وهو الإحبال؛ فإن ذلك ليس في وسعه، وهو ينبني على نشاط الفحل.[11]   الثاني: جواز بيعه. وهو مذهب المالكية.[12] قال في جامع الأمهات عند ذكر البيوع المنهي عنها: "ومنه: بيع عسيب الفحل، وحمل على استئجار الفحل على علوق الأنثى، ولا يمكن تسليمه، فأما على أكوام أو زمان فيجوز".[13]   وحجة أصحاب هذا القول ما يلي:[14] 1 - أن النهي محمول على ما فيه غرر من اشتراط الحمل جمعاً بين الأدلة. 2 - أن تنهيض الفحل لذلك معلوم عادة من طبعه فهو مقدور على تسليمه. 3 - أن حركة الفحل مقصودة عادة عند جميع العقلاء ولولا ذلك لبطل النسل. 4 - أن تلك العين كاللبن في الرضاع للضرورة.   الترجيح: الذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن القول بالحرمة هو الراجح، لورود النصوص الصريحة الصحيحة أولاً، ولأن الفحل قد يجامع ولا يحصل قذف ومن ثم لا يحصل حبل، فيؤدي إلى التنازع.   فينبغي على أصحاب المواشي التعاون بينهم على البر، والسماح بالضراب إذا احتيج إليه دون ثمن، فإن أبى صاحب الفحل إلا الأجرة، فلا شيء على صاحب الشاة إن دفع له؛ فصاحب الشاة في حكم المضطر، والضرورات تبيح المحظورات.


[1] المبسوط: 15/ 83، وبدائع الصنائع: 4/ 175، والهداية: 3/ 238، والبحر الرائق: 8/ 21، والدر المختار وحاشية ابن عابدين: 3/ 415. [2] المجموع للنووي: 15/ 4، وروضة الطالبين: 3/ 397، وتحفة المحتاج: 4/ 292، ومغني المحتاج: 2/ 379، ونهاية المحتاج: 3/ 447. [3] المغني لابن قدامة: 4/ 159، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي: 3/ 639، والإنصاف: 4/ 301، وكشاف القناع: 3/ 166. [4] المبسوط للسرخسي: 15/ 83. [5] روضة الطالبين وعمدة المفتين: 3/ 398. [6] شرح الزركشي على مختصر الخرقي: 3/ 639. [7] أخرجه البخاري في كتاب الإجارة، باب عسب الفحل، برقم (2284). [8] أخرجه مسلم في كتاب المساقاة، باب تحريم بيع فضل الماء الذي يكون بالفلاة ويحتاج إليه لرعي الكلأ، وتحريم منع بذله، وتحريم بيع ضراب الفحل 1/ 1197 برقم (1565). [9] أخرجه الترمذي في البيوع، باب ما جاء في كراهية عسب الفحل برقم (1274)، والنسائي في البيوع، باب بيع ضراب الفحل برقم (4672). [10] السنن الكبرى للنسائي، كتاب البيوع، باب بيع ضراب الجمل، برقم (6226)؛ والمعجم لأبي يعلى: 172، برقم (197). [11] المبسوط للسرخسي: 15/ 83، وبدائع الصنائع: 5/ 145، والمجموع: 15/ 4، وأسنى المطالب: 2/ 30، وتحفة المحتاج: 4/ 292، ونهاية المحتاج: 3/ 447، ومغني المحتاج: 2/ 379، والمغني لابن قدامة: 4/ 159، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي: 3/ 639، وفتح الباري: 4/ 461، ونيل الأوطار: 5/ 174. [12] الذخيرة للقرافي: 5/ 414، والتاج والإكليل: 6/ 227، والشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي: 3/ 58، وعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة: 2/ 672. [13] جامع الأمهات: 349. [14] الذخيرة للقرافي: 5/ 414، والمغني: 4/ 159.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢