أرشيف المقالات

تعريف القواعد الفقهية

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
2تعريف القواعد الفقهية   للقواعد الفقهية تعريفان: الأول: باعتبارها مركبة من جزأين: ♦ القواعد: جمع مفرده قاعدة، ولاستعمال لفظ القاعدة إطلاقات ومعان عدة عند أهل اللغة منها: 1 - الأساس: والقواعد دعائم كل شيء كقواعد الإسلام وقواعد البيت وغيرها، وقواعد البناء: أساسه[1]، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]، والقاعدة أصل الأُس، وتجمع على قواعد[2]، والأس: الشيء الوطيد الثابت، وجمعه أسس، والقواعد الأساس، وقواعد البيت أساسه[3].   2 - الأصل: هو أسفل كل شيء، ومنه قواعد الهودج: وهي خشبات أربع معترضة في أسفله تُرَكَّب عيدان الهودج فيها، وقواعد السحاب: أصولها المعترضة في آفاق السماء، شُبِّهت بقواعد البناء[4].   3 - المرأة المسنة: وامرأة قاعدة، إن أرادت القعود، وقعدت عن الحيض: انقطع عنها، وقعدت عن الزوج: صبرت، والجمع قواعد وفي التنزيل: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا ﴾ [النور: 60]، قال الزجاج رحمه الله في تفسير هذه الآية: هن اللواتي قعدن عن الزواج[5].   مما سبق من التعريفات التي ذكرتها يتبيَّن أن أقرب المعاني للقاعدة هو المعنى الأول وهو الأساس؛ لأن الأحكام تُبنى عليه، كما يُبنى الجدار على الأساس[6].   ♦ القاعدة اصطلاحًا: أما مفهوم القاعدة، فقد تنوعت عبارات العلماء فيها وتعددت ومن هذه التعريفات: 1- عرفها الجرجاني والإمام المناوي رحمهما الله بأنها: ((قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها))[7].   2- وعرفها أبو البقاء الكفوي رحمه الله بأنها: ((قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها))[8].   3- وعرفها الفيومي رحمه الله بأنها: ((الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته))[9].   ويلاحظ على هذه التعاريف بأنها تتفق في المعنى الاصطلاحي، فإنهم عبروا عنها بالقضية، والأمر الكلي وغيرها، والتعبير بالقضية أولى لتناولها جميع أركان المعرَّف على وجه الحقيقة للقاعدة، وأنها قضية كلية ينطبق حكمها على جميع أفرادها؛ بحيث لا يخرج عنها فرد، وإذا كان هناك شاذ أو نادر خارج عن نطاق القاعدة، فالشاذ أو النادر لا حكم له، ولا ينقض القاعدة، فلذلك اشتهر القول بأنه "ما من قاعدة إلا ولها شواذ"، حتى أصبح قاعدة عند الناس.   كما أن هذه التعريفات عامة في جميع العلوم، فإن لكل علم قواعدَ، فهناك قواعد أصولية ونحوية وقانونية وغيرها؛ لذلك قيل: لم يكتف القرافي بتقعيد القواعد الفقهية، بل تعدَّاها إلى تقعيد القواعد الأصولية والمقاصدية، واللغوية والمنطقية، وتفعيل هذه القواعد في عملية الاجتهاد والاستنباط.   فالقاعدة عامة إلا انها عند الجميع هي: أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته، كقول النحاة: المبتدأ مرفوع، وقول الأصوليين النهي للتحريم.   أ‌- الفقهية: نسبة إلى الفقه، والفقه لغة له معان أساسية ثلاثة؛ هي: الفهمُ، والعلم بالشيء، والفطنة والذكاء، تقول: فقه الرجل، بالكسر وفلان لا يفقه وأفقهتك الشيء ومنه قوله تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44]، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرًا، يُفقهه في الدين"[10]، كل ذلك بمعنى الفهم ثم خص به علم الشريعة، والمشتغل به فقيه[11].   وفي الاصطلاح: ((الفقه: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية))[12].   الثاني: تعريف القواعد الفقهية باعتباره علمًا: فقد عرف بتعريفات كثيرة منها ما عرف به الدكتور علي الندوي بأنها: ((حكم شرعي في قضية أغلبية يتعرف منها أحكام ما دخل تحتها))[13].   ومن هذا التعريف يتضح أن القواعد الفقهية متسمة بصفة الأغلبية لا الكلية ولذلك يقول الحموي: ((القاعدة عند الفقهاء غيرها عند النحاة والأصوليين؛ إذ هي عند الفقهاء حكم أكثري لا كلي ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه))[14].   والذي أراه والله أعلم أنها: قضية فقهية كلية تُعرف بها أحكام ما يدخل تحتها من مسائل الأبواب المختلفة.   فقلت: • (قضية)؛ لأن القضية لغةً: من القضاء وهو الحكم والفصل، وسُميت قضية لاشتمالها على الحكم وهو أبرز عناصرها؛ إذ هي تتكون من ثلاثة عناصر: محكوم به، ومحكوم عليه، وحكم.   ويراد بالقضية اصطلاحًا: إسناد أمرٍ إلى آخر سلبًا أو إيجابًا، فالتعريف بها إطلاق على النفي والإثبات، والقاعدة الفقهية تستعمل فيهما على حدٍّ سواء.   • (فقهية) لتمييز هذه القواعد عن غيرها من العلوم الأخرى كالقواعد الكلية في النحو وغيره.   • (كلية) لإخراج الاحكام الجزئية الفقهية الخاصة بمسألة معينة، فهي ليست من القواعد الفقهية، وعدلت عن القول بأنها: أغلبية؛ لأن لفظ القاعدة بذاته كلي، وإنما الأغلبية والأكثرية بحسب الجزئيات الداخلة تحت القاعدة، فمثلًا: اليقين لا يزول بالشك، فاليقين حكم كلي وليس حكمًا جزئيًّا، فلا يقبل فيه القول: إن أغلب اليقين أو أكثره لا يزول بالشك، فبانَ أن ما يذكر من استثناءات أو مخالفات لأي قاعدة هو نادر وشاذ، والنادر والشاذ لا حكم لهما، إضافة إلى أن عدم دخول بعض المسائل في القاعدة لا يدل على أن حكم القاعدة ليس بكلي في ذاته.   • (تُعرف به أحكام ما يدخل تحتها من مسائل) فيه إشارة إلى ما سأرجِّحه من أن القواعد الفقهية الكلية يمكن الاستناد إليها في استنباط الأحكام الفقهية من النصوص الشرعية.   • (الأبواب المختلفة) لتمييز القواعد عن الضوابط، فالضوابط جمع لشتات مسائل من باب واحدٍ، بخلاف القواعد فهي من أبواب متعددة.   فائدة: إن اختلاف العلماء في كلية القاعدة أو أغلبيتها، فمن نظر إلى القاعدة باعتبار وجود الاستثناءات فيها، قال: إن القاعدة الفقهية أغلبية، ومن نظر إلى أن الاستثناءات لا تؤثر في كليتها، قال: هي كلية.
والراجح أنها كلية للأمور الآتية: ♦ لما قدمتُ في الكلام عن قيد كلية.   ♦ إن الأصل في القواعد أن تكون كلية كما ذكر ذلك ابن النجار، وخروجها عن هذا الأصل مشكوك فيه، فنقيس القاعدة الفقهية على القواعد الأخرى من باقي العلوم إذ هي كلية.   ♦ إن الشريعة الإسلامية جاءت باعتبار الغالب الأكثر مكان الكلي المطرد..   إن المعتبر في عموم القاعدة كما قال الشاطبي هو العموم العادي لا العموم العقلي، والعموم العادي لا يقدح في كليته تخلف بعض الجزئيات، فالبلوغ مثلًا يكون عند سن 15، فإذا وجد من لم يبلغ عند 15، فإن ذلك لا يخرم القاعدة، أما العموم العقلي، فتنقدح كليته ولو تخلف فرد واحد، ولو سلم بأن هذه المستثنيات قد توافرت فيها الشروط، وانتفت عنها الموانع، فإن وجودها لا يقدح في كلية القاعدة بعد ثبوتها؛ لأن (الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي؛ لأن المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت)[15].   ♦ المستثنيات الخارجة عن القواعد الفقهية قد يكون خروجها لعدم انطباق شروط القاعدة عليها، وقد تكون داخلة، لكن لم يتبيَّن لنا وجه دخولها، وقد تكون هذه الفروع المستثناة داخلة في قاعدة أخرى، وعلى هذا نقول: ما من فرع استُثني إلا ويدخل تحت قاعدة أخرى، فالمستثنيات التي يوردها الفقهاء على قاعدة من القواعد، لم تكن دخلت تحت القاعدة أصلًا، لفقدها شرطًا من الشروط، أو وجود مانع من الموانع، وعلى هذا فهي مندرجة تحت قاعدة أخرى[16].


[1] ينظر: مفردات ألفاظ القرآن 679. [2] ينظر: تاج العروس 1/ 2209. [3] ينظر: معجم مقاييس اللغة 1/ 14، لسان العرب 3/ 357. [4] ينظر: تهذيب اللغة: مادة (قعد) 1/ 151 – 135، معجم مقاييس اللغة: 5/ 109، لسان العرب 3/ 357. [5] ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/ 53. [6] ينظر: قاعدة لا مساغ للاجتهاد مع النص للدكتور حمد الصاعدي 17. [7] التعريفات 219، والتوقيف على مهمات التعاريف 1/ 569. [8] الكليات لأبي البقاء الكفوي، 1156. [9] المصباح المنير للفيومي، 700. [10] صحيح البخاري: كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، 1/ 39، رقم: (71)، صحيح مسلم: الزكاة، باب النهي عن المسألة، 3/ 94، رقم: (2436). [11] ينظر: الصحاح 6/ 2243، مادة فقه، المعجم الوسيط 2/ 698. [12] التمهيد في تخريج الفروع على الأصول: 50. [13] القواعد الفقهية للندوي: 43. [14] غمز عيون البصائر 1/ 51. [15] الموافقات، شرح دراز 2/ 53. [16] ينظر: الموافقات 2/ 53-54، قاعدة اليقين لا يزول بالشك للباحسين 13، القواعد الفقهية من المغني 1/ 100، موسوعة القواعد الفقهية 1/ 24.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن