أرشيف المقالات

آداب الزكاة والصدقات

مدة قراءة المادة : 19 دقائق .
2آداب الزكاة والصدقات   1 - أن تكون الصدقة من كسب طيب: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ[1][البقرة: 267]، روى مسلمٌ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾[المؤمنون: 51]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجلَ يُطِيل السفر أشعثَ أغبرَ، يمدُّ يدَيْه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمُه حرامٌ، ومشرَبُه حرام، وملبَسُه حرام، وغُذي بالحرام؛ فأنَّى يُستجاب لذلك؟!))[2].   2 - أن تكون الصدقة من أجود المال: قال تعالى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا[3] الْخَبِيثَ[4] مِنْهُ تُنْفِقُونَ[5] وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ[6] إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ[7] وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ[8] حَمِيدٌ[9][البقرة: 267].
وقال سبحانه: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ[10] حَتَّى تُنْفِقُوا[11] مِمَّا تُحِبُّونَ[12][آل عمران: 92].   ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحاء، وكانت مستقبلةَ المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخُلها، ويشرب مِن ماءٍ فيها طيِّبٍ، قال أنس: فلما أُنزلت هذه الآية ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وإن أحب أموالي إليَّ بَيْرُحاء، وإنها صدقةٌ لله، أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بخٍ، ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ، وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين))، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه[13].   3 - عدم تأخير الزكاة عن وقتها: الزكاة ركن من أركان الإسلام، فيجب على المسلم الذي وجبت عليه الزكاة - في مال، أو زرع، أو تجارة، أو ذَهَب، أو غير ذلك، ألا يُؤخِّرها عن وقتها.   ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))[14].   وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن آتاه الله مالًا، فلم يؤدِّ زكاته؛ مُثِّل له ماله شُجاعًا أقرعَ[15] له زبيبتانِ[16] يُطوِّقه[17] يوم القيامة يأخذ بلِهْزِمَتَيه[18] - يعني: بشِدْقَيْه - يقول: أنا مالُكَ، أنا كنزُكَ))، ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180[19]].   قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ[20] مَعْرُوشَاتٍ[21] وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ[22] وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ[23] وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا[24] وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ[25] يَوْمَ حَصَادِهِ[26] وَلَا تُسْرِفُوا[27] إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].   4 - أن يُؤدِّي الزكاة بنفس طيِّبة: روى الطبراني في الصغير - بسند صحيح - عن عبدالله بن معاوية الغاضري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ مَن فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: مَن عبدالله وحده وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيِّبةً بها نفسُه، رافدة عليه[28] كل عام، ولا يعطي الهرِمة[29] ولا الدرِنة[30] ولا المريضة، ولا الشَّرَط[31] اللئيمة[32]، ولكن مِن وسط أموالكم[33]، فإن الله لم يسألكم خيرَه، ولم يأمركم بشرِّه[34].   5 - عدم التهاون في إخراج زكاة الحلي: روى أبو داود - بسند حسن - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، أن امرأةً[35] أتَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مَسَكَتانِ[36] غليظتان من ذَهَب.   فقال: لها: ((أتعطين زكاة هذا؟))، قالت: لا، قال: ((أيسرُّك[37] أن يُسوِّرَك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟!))، قال: فخلعتهما، فألقَتْهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله[38].   6 - ألا يبطل صدقته بالمن والأذى: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ[39] وَالْأَذَى[40][البقرة: 264]. روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان الذي لا يُعطي شيئًا إلا منَّه، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبِل إزاره))[41].   7 - الإخلاص في الصدقة: قال تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ[42] وَتَثْبِيتًا[43] مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ[44] بِرَبْوَةٍ[45] أَصَابَهَا وَابِلٌ[46] فَآتَتْ[47] أُكُلَهَا[48] ضِعْفَيْنِ[49] فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ[50] وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 265].   روى النسائي - بسند حسن - عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لا يقبَلُ مِن العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغي به وجهه))[51].   8 - إخفاء الصدقة: قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271]. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعةٌ يُظِلُّهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبه مُعلَّق في المساجد، ورجلانِ تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل دعَتْه امرأة ذات منصب وجمال؛ فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه))[52].   9 - إظهار الصدقة إذا كان فيه مصلحة: قال تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾ [البقرة: 271].   روى مسلم عن جَرير بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كُنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاءه قومٌ حفاةٌ عراةٌ مجتابِي النِّمار[53] أو العباء[54]، متقلِّدي السيوف - عامَّتُهم من مضر، بل كلهم من مضر - فتمعَّر[55] وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لِما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذَّن، وأقام فصلى، ثم خطب، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1] إلى آخر الآية ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[النساء: 1] والآية التي في الحشر ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 18]، تصدق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره))، حتى قال: ((ولو بشقِّ تمرة))، قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّة، كادت كفُّه تَعجِزُ عنها، بل قد عجَزت، قال: ثم تتابع الناسُ[56]، حتى رأيت كومينِ من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل[57] كأنه مُذْهَبةٌ[58]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سنَّ في الإسلام سُنةً حسنةً، فله أجرُها وأجرُ مَن عمِل بها بعده، مِن غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومَن سنَّ في الإسلام سنةً سيئةً، كان عليه وِزْرها ووِزْر مَن عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء))[59].


[1] ما كسبتم: بالتجارة والصناعة وغيرهما.
[2] رواه مسلم (1015). [3] ولا تيمموا: تقصدوا.
[4] الخبيث: الرديء.
[5] تنفقون: في الزكاة.
[6] ولستم بآخذيه؛ أي: الخبيث لو أعطيتموه في حقوقكم.
[7] إلا أن تغمضوا فيه: بالتساهل وغض البصر، فكيف تؤدُّون منه حق الله؟! ومعناه: لو كان لأحدكم على رجل حق، فجاءه بهذا لم يأخذه إلا وهو يرى أنه قد أغمض له عن حقه وتركه.
[8] واعلموا أن الله غني: عن نفقاتكم.
[9] حميد: محمود في أفعاله.
[10] لن تنالوا البر؛ أي: ثوابه وهو الجنة.
[11] حتى تنفقوا: تتصدقوا.
[12] مما تحبون: من أموالكم.
[13] متفق عليه: رواه البخاري (1461)، ومسلم (998).
[14] متفق عليه: رواه البخاري (8)، ومسلم (16). [15] شجاعًا أقرع: ثعبانًا ضخمًا قد تساقط شعره من كثرة سمِّه.
[16] زبيبتانِ: نابان يخرجان من فيه.
[17] يطوقه: يصير ذلك الثعبان طوقًا له في رقبته.
[18] بلِهْزِمَتَيْه: بجانبي فمه.
[19] رواه البخاري (1403). [20] أنشأ جنات: خلق جنات، جمع جنة، وهي البستان.
[21] معروشات: ما انبسط على وجه الأرض وانتشر مما يعرش، مثل: الكرم والقرع والبطيخ وغيرها.
[22] وغير معروشات: ما قام على ساق وبسق، مثل: النخل والزرع وسائر الأشجار.
[23] مختلفًا أكله: ثمره وطعمه، منها الحلو والحامض، والجيد والرديء.
[24] متشابهًا: في الوَرَق، وغير متشابه في الحَبَّ والطعم.
[25] حقه: ما وجب فيه من الزكاة.
[26] يوم حصاده: يوم حصاده إن كان حَبًّا، وجذاذه إن كان نخلًا.
[27] ولا تسرفوا في إخراجه؛ أي: بألا تبقوا لعيالكم منه شيئًا.
[28] رافدة عليه: تعينه نفسه على أداء الزكاة.
[29] الهرمة: كبيرة السن.
[30] الدرنة: الجرباء.
[31] الشرط: صغار المال وشراره.
[32] اللئيمة: البخيلة باللبن.
[33] من وسط أموالكم: فيه دليل على أنه ينبغي أن يخرج الزكاة من أوساط المال، لا من شراره، ولا من خياره.
[34] صحيح: أخرجه أبو داود (2/103، رقم 1582)، بسند رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، ولكن وصله الطبراني في الصغير (ص 115)، والبيهقي (4/95، رقم 7067)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/300، رقم 1062)، بسند صحيح.
[35] أن امرأة: هي أسماء بنت يزيد بن السكن.
[36] مسكتان: الواحدة مسكة وهي الإسورة والخلاخيل. [37] أيسرك: قال: الخطابي: إنما هو تأويل قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 35].
[38] حسن: رواه أبو داود (1568)، والترمذي (637)، ورواه النسائي (2479). [39] المن: وهو أن يمن عليه بعطائه؛ فيقول أعطيتك كذا، ويعد نعمه عليه فيكدرها.
[40] الأذى: أن يعيره فيقول إلى كم تسأل وكم تؤذيني؟! وقيل من الأذى: هو أن يذكر إنفاقه عليه عند من لا يحب وقوفه عليه.
[41] رواه مسلم (1006).
[42] ابتغاء مرضات الله: طلبًا لرضا الله تعالى.
[43] تثبيتًا: تحقيقًا وتيقنًا بمثوبة الله تعالى لهم على إنفاقهم في سبيله.
[44] كمثل جنة: بستان.
[45] بربوة: مكان مرتفع مستوٍ.
[46] وابل: مطر غزير.
[47] فآتت: أعطت.
[48] أكلها: ثمرها.
[49] ضعفين: مثلي ما يثمر غيرها.
[50] فطَلٌّ: مطر خفيف يصيبها ويكفيها لارتفاعها.
[51] حسن: رواه النسائي (3140) بسند حسن.
[52] متفق عليه: رواه البخاري (1423)، ومسلم (1031). [53] النمار: جمع نَمِرة، وهي ثياب صوف فيها تنمير.
مجتابي النمار: خرقوها وقوروا وسطها، ولبِسوها، من الفقر.
[54] العباء: جمع عباءة وعباية لغتان.
[55] فتمعر: تغير.
[56] فتتابع الناس: وكان الفضل العظيم للبادي بهذا الخير والفاتح لباب هذا الإحسان.
[57] يتهلل: أي يستنير فرحًا وسرورًا.
[58] مُذهَبة: فضة مذهبة، وهو وصف لحسن الوجه.
[59] رواه مسلم (1017).



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير