أرشيف المقالات

الأحكام التكليفية الخمسة في الإسلام

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
2الأحكام التكليفية الخمسة في الإسلام   (الأَحْكَامُ التَّكْلِيفِيةُ خَمْسَةٌ) وسبب حصر الأحكام التكليفية في خمسة أحكام. ♦ أن الخطاب الشرعي إما أن يكون طلبًا أو تخييرًا.
♦ فإن كان طلبًا فهذا يشمل طلبَ الفعلِ، وطلبَ التركِ.
وطلبُ الفعل: قد يكون جازمًا وغيرَ جازم، فالجازمُ هو الواجب، وغيرُ الجازم هو المندوب.
وطلبُ الترك: قد يكون جازمًا وغير جازم، فالجازمُ هو المحرَّم، وغيرُ الجازم هو المكروه.
♦ أما إن كان الخطاب الشرعي تخييرًا لا طلب فيه، فهذا هو المباح [1] . 1- (الوُجُوبُ): الوجوب: لُغَةً: السقوط، والوقوع، ومنه وجب البيع؛ أي: وقع، ووجب الميت؛ أي: سقَط [2] ، ومنه قول الله تعالى: ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾ [الحج: 36]؛ أي: سقطت ووجَبت [3] .
والواجب اصطلاحًا: هو ما أمر الشارع بفعله على سبيل الحتم والإلزام، بحيث يثاب فاعله امتثالًا، ويستحق تاركه العقاب [4] .
فقولنا: (ما أمر الشارع بفعله): خرج به الحرام، والمكروه، والمباح؛ أما الحرام والمكروه فقد نهى الشارع عن فعلهما، وأما المباحُ فلم يأمر الشارعُ بفعله.
وقولنا: (على سبيل الحتم والإلزام): خرج به المستحب، فإنه مأمورٌ به ليس على سبيل الحتم والإلزام.
وقولنا: (بحيث يثاب فاعله امتثالًا): أي: يفعله على وجه الطاعة والقُرْبة، خرج به ما فُعل على سبيل العادة، فلو صلى أو صام غيرَ ممتثلٍ، فلا يثاب على فعله، ومن نوى التبرُّد فغسلَ أعضاءَ الوضوء لا يُعدُّ متوضِّئًا.
ومن الأدلة على أنه يُشترط للثواب الامتثالِ لأمر الله سبحانه وتعالى: قول الله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].
وقولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)) [5] .
قال الإمام النووي: تقدير هذا الحديث أنَّ الأعمالَ تُحسبُ بنيةٍ، ولا تُحسبُ إذا كانت بلا نية، وفيه دليلٌ على أن الطهارة - وهي الوضوء والغسل والتيمُّم - لا تصح إلا بالنية، وكذلك الصلاة والزكاة والصوم والحج والاعتكاف، وسائر العبادات [6] .
وقولنا: (ويستحق تاركه العقاب): أي: إن ترك المكلَّفُ الواجبَ، فإنه يكون مستحِقًّا لعقاب الله، وفي هذا ردٌّ على مَن يوجب على الله سبحانه وتعالى العقاب لأهل المعاصي.
ومن الأدلة على أن تارك الواجب يستحق العقاب: قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 14]. وقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجن: 23].
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: (مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى)[7]، أي امتنع عن قبول الحق، أو عن امتثال الأمر[8].
وأهل السنة يقولون فيمن ترك واجبًا، هو تحتَ مشيئة الله سبحانه وتعالى؛ إن شاء الله عذَّبه، وإن شاء عفا عنه، ولا يُوجبون على الله عقابَه.
لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].
2- (وَالاِسْتِحْبَابُ): الاستحباب لُغَةً: من حبَّ الشيء، واستحبَّ الشيء: إذا أحبَّه ورغَّب فيه، واستحبَّه عليه؛ أي: آثره عليه[9]،ومنه قول الله تعالى: ﴿ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾ [فصلت: 17]، وقول الله تعالى: ﴿ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ﴾ [التوبة: 23]؛ أي: إن آثروه عليه[10].
والاستحباب اصطلاحًا: هو ما أمرَ الشارعُ بفعله ليس على سبيل الحتمِ والإلزام، بحيث يثاب فاعلُه امتثالًا، ولا يُعاقب تاركه[11].
فقولنا: (ما أمر الشارع بفعله): خرج به الحرام والمكروه، والمباح كما تقدم في الواجب. وقولنا: (ليس على سبيل الحتم والإلزام): خرج به الواجب، فإنه مأمورٌ به على سبيل الحتم والإلزام. وقولنا: (بحيث يثاب فاعله امتثالًا): خرج به ما فُعِل على سبيل العادة، فلو تطوَّع بصلاةٍ، أو صيامٍ غيرَ ممتَثِلٍ، فلا يثاب على فعله. وقولنا: (ولا يعاقب تاركه): فلو ترك المكلَّفُ المستحبَّ لم يعاقبْ عليه إلا أنه يُلام على الترك.
وسئل الإمام أحمد عمن يترك الوتر متعمِّدا، فقال: (رجل سوء)[12].
3- (وَالحُرْمَةُ): الحُرْمة لُغَةً: مصدر حرُمَ، وهي ما لا يَحِلُّ لك انتِهاكُه[13]؛ من ذِمَّةٍ، أَو حقٍّ، أَو نحوِ ذلك[14]، والجمع حُرُمات، ومنه قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ ﴾ [الحج: 30].
والحرام اصطلاحًا: هو ما نهى الشارعُ عن فعله على سبيل الحتم والإلزام؛ بحيث يثاب تاركه امتثالًا، ويستحق فاعلُه العقاب[15].
فقولنا: (ما نهى الشارع عن فعلِه): خرج به الواجبُ، والمستحبُّ، والمباحُ؛ أما الواجب والمستحب فقد أمر الشارع بفعلهما، وأما المباح فلم يأمرِ الشارع بفعله.
وقولنا: (على سبيل الحتم والإلزام): خرَج به المكروه، فإنه مَنْهِيٌّ عنه ليس على سبيل الحتم والإلزام.
وقولنا: (بحيث يثاب تاركه امتثالًا): خرج به ما تَرَك على سبيل العادة، فلو ترَك شربَ الخمر لأجل أنه لا يُحبُّها، أو ترك الزنا لأجل أنه لا شهوةَ له، فلا يُثابُ على تركه.
وقولنا: (ويستحق فاعلُه العقاب): أي: إن فعَلَ المكلَّفُ المحرَّمَ، فإنه يكون مستحِقًّا لعقاب الله، وفي هذا ردٌّ على من يُوجب على الله سبحانه وتعالى العقابَ لأهل المعاصي.
وأهل السنة يقولون فيمن فعَل معصية: هو تحتَ مشيئةِ الله سبحانه وتعالى؛ إن شاء الله عذبه، وإن شاء عفا عنه، ولا يوجبون على الله عقاب العاصي.
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].
وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 14].
قال الإمام القرطبي: (العصيانُ إنْ أُريدَ به الكفرُ فالخلودُ على بابِه، وإن أُريدَ به الكبائرُ وتجاوزُ أوامرِ اللهِ تعالى، فالخلودُ مستَعارٌ لمدَّةٍ ما، كما تقولُ: خَلَّدَ اللهُ مُلْكَهُ)[16].
4- (وَالكَرَاهَةُ): الكَرَاهة لُغَةً: مصدر كَرُهَ، وهو البُغض، وهو عكس الحُبِّ[17]، ومنه قول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8].
والمكروه اصطلاحًا: هو ما نهى الشارع عن فِعله ليس على سبيل الحتم والإلزام، بحيث يثاب تاركه امتثالًا، ولا يعاقب فاعله[18].
فقولنا: (ما نهى الشارع عن فعلِه): خَرَج به الواجب، والمستَحب، والمباح كما تقدم في الحرام.
وقولنا: (ليس على سبيل الحتم والإلزام): خَرَج به الحرام، فإنه مَنهيٌّ عنه على سبيل الحتمِ والإلزامِ.
وقولنا: (بحيث يثاب تاركه امتثالًا): خَرَج به ما تُرك على سبيل العادةِ، فلو ترَكَ أكلَ الثومِ والبصلِ لأجلِ أنه لا يُحبُّهما، فلا يُثابُ على تركه.
وقولنا: (ولا يعاقب فاعله): فلو فعلَ المُكلَّفُ المكروهَ لم يعاقبْ على فعلِه إلا أنه يُلام على الفعلِ.
5- (وَالإِبَاحَةُ): الإباحة لُغَةً: مصدر أباح، ومنه أباح السر؛ أي: أظهره وجهَر به، وأباح المحظور؛ أي: جعَله حلالًا[19].
واصطلاحًا: كما سيأتي في كلام شيخنا حفظه الله.
فائدة: الفرق بين (الإيجاب، والوجوب، والواجب)، والفرق بين (الندب، والمندوب)، والفرق بين (التحريم، والحرمة، والمحرم)، والفرق بين (الكراهة، والمكروه)، والفرق بين (الإباحة، والمباح)[20]: الحكم أثره في فعل المكلف الفعل المطلوب على هذا الوجه الإيجاب الوجوب الواجب الندب الندب المندوب التحريم الحرمة المحرم الكراهة الكراهة المكروه الإباحة الإباحة المباح
قال الدكتور الأشقر: (الإيجاب: هو التعبير السليم، وهو طريقة الأصوليين لا الوجوب، ولا الواجب؛ لأن الحكم خطاب الله فمنه (الإيجاب).
ومن قال: (الوجوب) فقد نظر إلى أن الفعل إذا أوجَبه الله فقد وجب وجوبًا. فالوجوب: صفة الفعل الذي وجب، فهو أثرُ الإيجاب.
ومن قال: (الواجب) فقد نظر إلى الوصف الذي ثبَت للموجب نفسه؛ أي: قد وجب، فهو واجبٌ.
وهكذا يقال في: التحريم، والاستحباب، والكراهة، والإباحة، والمحرم، والحرمة، والمستحب، والمكروه، والمباح على الترتيب)
[21].


[1] انظر: تاريخ التشريع الإسلامي، د.
مناع القطان، صـ (60).
[2] انظر: مقاييس اللغة، مادة «سقط». [3] انظر: المفردات في غريب القرآن، للأصفهاني، صـ (854). [4] انظر: شرح الكوكب المنير (1 /349)، ومذكرة في أصول الفقه، صـ (12). [5] متفق عليه: رواه البخاري (1)، ومسلم (1907)، عن عمر رضي الله عنه. [6] انظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (13/54). [7] صحيح: رواه البخاري (7280). [8] انظر: عمدة القاري، للعيني (25/27). [9] انظر: لسان العرب، وتاج العروس، مادة «حبب». [10] انظر: المفردات في غريب القرآن، صـ (215). [11] انظر: شرح الكوكب المنير (1/402-403)، ومذكرة في أصول الفقه، صـ (17-18). [12] انظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل برواية صالح، صـ (66). [13] انظر: العين، مادة «حرم». [14] انظر: لسان العرب، مادة «حرم». [15] انظر: شرح الكوكب المنير (1 /386)، ومذكرة في أصول الفقه، صـ (24). [16] انظر: تفسير القرطبي (5 /82). [17] انظر: لسان العرب، مادة «كره». [18] انظر: شرح الكوكب المنير (1 /413-414)، ومذكرة في أصول الفقه، صـ (22). [19] انظر:العين، ومقاييس اللغة، وتاج العروس، مادة «بوح». [20] انظر: الوجيز في أصول الفقه، د.
عبدالكريم زيدان، صـ (29). [21] انظر: الواضح في أصول الفقه، د.
محمد سليمان الأشقر، صـ (26).



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير