أرشيف المقالات

تفسير سورة الذاريات كاملة

مدة قراءة المادة : 20 دقائق .
2سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1] تفسير سورة الذاريات
• من الآية 1 إلى الآية 6: ﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴾ (يُقسِم اللهُ تعالى بالرياح المُثِيرات للتراب إثارةً شديدة، والتي أيضاً تثير السحاب لإنزال المطر)،﴿ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ﴾ (أي يُقسِم سبحانه بالسُحُب الحاملاتِ ثِقَلاً عظيمًا من الماء بقدرة الله تعالى)، (واعلم أن الوقر هو الثِقَل، كما كان يقول المُشرِكون: (وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ) أي ثِقَلٌ في السمع)،﴿ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ﴾ (أي يُقسِم سبحانه بالسُفن التي تجري في البَحر بيُسرٍ وسهولة، بعد تسخير الله للبحر أن يَحملها)، ﴿ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ﴾ (أي يُقسِم سبحانه بالملائكة التي تُقَسِّم أمْر الله في خَلقه، كالأرزاق والأمطار وغير ذلك بأمر ربها)، (واعلم أنّ الله تعالى يُقسِم بما يشاء مِن خلقه، أما المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله تعالى، لأنّ الحَلِف بغير الله شِرك).
  • ثم أخبر سبحانه عن جواب القَسَم (وهو الشيء الذي يُقسِم اللهُ عليه)، فقال:﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴾ يعني أن الذي توعدون به أيها الناس - من البعث والحساب - هو وعدٌ حق لا شك فيه،﴿ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ﴾ يعني: وإنّ الجَزاء على الأعمال لآتٍ لا مَحالة، (واعلم أن الدين هنا بمعنى الجزاء، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ أي جزاءهم الحق).
• الآية 7، والآية 8، والآية 9: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ﴾ (يُقسِم سبحانه بالسماء ذات الطُرُق - أو ذات الخَلق الحَسَن): ﴿ إِنَّكُمْ ﴾ أيها المُكَذِّبونَ ﴿ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ﴾: أي في قولٍ مضطرب بشأن هذا القرآن، وبشأن النبي عليه الصلاة والسلام (إذ اضطربتْ أقوالهم فيهما إلى أقوالٍ عديدة، ولم يَستقروا على شيءٍ منها، والسبب في ذلك أنهم عَجَزوا عن الإتيان بسورةٍ مِثل سور القرآن (رغم أنهم أفصح الناس وأبلَغهم)، فاضطروا إلى اللجوء لهذه الأقوال الباطلة، حتى لا يُفتَضَح عَجْزهم ونقصهم)، ﴿ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ﴾ يعني: يُصرَف عن الإيمان بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم مَن صَرَفه اللهُ عن الإيمان بهما؛ بسبب إعراضه عن أدلة الله الواضحة وبراهينه اليقينية، فلم يُوَفِّقه اللهُ إلى الخير.
  • من الآية 10 إلى الآية 14: ﴿ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ﴾: أي لُعِن الكَذابون (وهم المُفترونَ على الله الكَذِب، الذين يَنشرون الأكاذيب والأقوال الباطلة ليصدوا بها الناس عن دين الله) ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ﴾ أي في جهلٍ وضلالٍ غامر، ﴿ سَاهُونَ ﴾ أي غافلونَ عن أمْر الآخرة ﴿ يَسْأَلُونَ ﴾ - سؤال استبعاد وتكذيب -: ﴿ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ﴾؟ يعني متى يوم الجزاء؟، فرَدَّ الله عليهم بقوله: ﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾ أي يُعرَضونَ عليها ويُعذَّبون فيها، ويُقال لهم:﴿ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ ﴾ أي ذوقوا عذابكم، ﴿ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾في الدنيا.
• من الآية 15 إلى الآية 19: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ ﴾ - الذين خافوا عذابَ ربهم في الدنيا - هُم اليوم ﴿ فِي جَنَّاتٍ ﴾ أي في بساتين عجيبة المَنظر ﴿ وَعُيُونٍ ﴾ أي أنهار جارية، تجري خِلال تلك البساتين والقصور ﴿ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ مِن أصناف النعيم الذي تشتهيه أنفسهم (وهُم راضونَ فَرِحون)، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ ﴾ أي كانوا في الدنيا﴿ مُحْسِنِينَ ﴾ أي كانوا يُراقبون ربهم في كل شؤونهم، وكانوا يُحسِنون عبادتهم له (بتخليصها من الشِرك والرياء، وبأدائها كما شَرَعَها لهم)، و﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾: أي كانوا ينامون قليلاً من الليل، لأنهم كانوا يَقومونَ ليَقفوا بين يَدَي ربهم في الصلاة، كما قال تعالى في سورة السجدة: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ أي تتباعد جنوبهم عن فراش النوم، ليقوموا لله تعالى في صلاة الليل، فـ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا ﴾ من عذابه ﴿ وَطَمَعًا ﴾ في جنته،﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ يعني: وفي وقت السحور (وهو السُدس الأخير من الليل) يَستغفرون ربهم من ذنوبهم،﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ ﴾ - واجب ومُستحَبّ - ﴿ لِلسَّائِلِ ﴾ الذي يسأل الناس لشدة حاجته وفقره ﴿ وَالْمَحْرُومِ ﴾ وهو المُحتاج الذي يَستحي أن يسأل الناس.
• من الآية 20 إلى الآية 23: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ ﴾ أي دلائل واضحة على قدرة خالقها تبارك وتعالى، وقد جَعَل الله هذه الآيات ﴿ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ الذين يُوقِنون بأنّ الخالق الرازق هو المُستَحِقّ وحده للعبادة، وأنه القادر على بَعْث الناس بعد موتهم، لأنه هو الذي ابتدأ خَلْقهم، ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ ﴾ يعني: وفي خَلْق أنفسكم أيها الناس دلائل على قدرة ربكم، وأنه وحده المُستحِق لعبادتكم ﴿ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾؟ يعني ألاَ تُبصِرونَ هذه الدلائل في أنفسكم فتعتبروا بها؟!،﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ﴾ ﴿ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ - مِن الخير والشر والثواب والعقاب - كل ذلك مكتوبٌ مُقدَّر عند الله في السماء،﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ يعني إنَّ ما وعدتُكُم به حَقٌّ ﴿ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ (أي لا تَشُكُّوا فيه كما أنكم لا تَشُكُّون في نُطقكم).
• من الآية 24 إلى الآية 37: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ يعني: هل جاءك أيها الرسول خبر ضيوف إبراهيم الذين أكرمهم (وقد كانوا من الملائكة الكِرام)، وقد جاؤوا له على هيئة بَشَر، ﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ ﴾ في بيته، ﴿ فَقَالُوا ﴾ له:﴿ سَلَامًا ﴾ فـ﴿ قَالَ ﴾ إبراهيمُ رَدًّا على تحيّتهم: ﴿ سَلَامٌ ﴾، ثم قال لهم:﴿ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ﴾ يعني أنتم قومٌ غُرَباء لا نَعرفكم،﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ ﴾ أي ذَهَبَ سريعًا إلى أهله - حتى يُكرم ضَيفه - ﴿ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ﴾ (وذلك بعد أن ذبَحَه وشَواه)، لأن الله قال في سورة هود: ﴿ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ (أي مَشوي)، ثم وضعه أمامهم﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾، وتلَّطَّفَ في دَعْوتهم إلى الطعام، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾؟، ولكنه رأى أيديهم لا تمتد إلى الطعام ﴿ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ يعني أحَسَّ في نفسه بخوفٍ منهم (لأنه ظن أنهم أرادوا به شراً عندما لم يأكلوا)، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له:﴿ لَا تَخَفْ ﴾ إننا ملائكة ربك،﴿ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴾ أي بَشَّروه بأن زوجته "سَارَةَ" سوف تَلِد له ولدًا، وسيَكون هذا الولد من أهل العلم بدين الله تعالى (وهو إسحاق عليه السلام)،﴿ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ ﴾: يعني أقبلت "سَارَة" نَحْوهم في صَيحة تعجُّب (عندما سمعتْ هذه البشرى من الملائكة)، ﴿ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ﴾ أي ضربت وجهها بيدها تعجُّبًا من هذا الأمر، ﴿ وَقَالَتْ ﴾: ﴿ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ﴾! يعني كيف ألد وأنا عجوز عقيم لا ألد؟﴿ قَالُوا ﴾ أي قالت لها الملائكة: ﴿ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ ﴾: يعني هكذا قال رَبُّكِ كما أخبرناكِ، فهو سبحانه القادرُ على ذلك، ولا عَجَب من قدرته ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ ﴾ في تصرفاته، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ الذي لا يَخفى عليه أنكِ عقيم.
♦ ثم ﴿ قَالَ ﴾ لهم إبراهيم:﴿ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ﴾ يعني: فما الأمر الخطير الذي جئتم مِن أجْله أيها المُرسَلونَ مِن عند الله؟﴿ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ﴾ يعني إنّ اللهَ قد أرْسَلَنا لإهلاك قوم لوطٍ المجرمين﴿ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ ﴾ أي لنُهلكهم بحجارةٍ مِن طين مُتحجِّر شديد الحرارة﴿ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ ﴾ أي مُعَلَّمَةً عند اللهِ تعالى بعلامةٍ معروفة لا تُشبه حجارة الأرض، وقد أُعِدّت ﴿ لِلْمُسْرِفِينَ ﴾ أي المُتجاوزينَ الحدَّ في الفجور والعِصيان، ثم قال تعالى:﴿ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي نَجَّينا المؤمنين الذين كانوا في قرية لوط (وهُم لوط عليه السلام ومَن آمَنَ به)، فأخرجناهم من القرية قبل نزول العذاب﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ (وهو بيت لوط عليه السلام، باستثناء امرأته الكافرة)، ﴿ وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً ﴾:يعني أبقينا مِن ديار قوم لوط آثارًا واضحة تدل على قدرتنا على إهلاك الفاسقين وانتقامنا منهم، وقد كانت هذه العبرة ﴿ لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ أي الذين يَخافون عذابَ الله الأليم، (فهؤلاء يَدفعهم خَوفهم إلى أن يُطيعوا ربهم ولا يَعصوه).
• الآية 38، والآية 39، والآية 40: ﴿ وَفِي مُوسَى ﴾ يعني: وفي قصة موسى آياتٌ وعِبَر، (واعلم أن قوله تعالى: (وَفِي مُوسَى) مَعطوفٌ على قوله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ)، فيكون المَعنى: وتركنا أيضاً في قصة موسى آيات) ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾ أي بحُجَّة ظاهرة قوية وهي اليد والعصا ﴿ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ ﴾ يعني أعْرَضَ فرعون عن الإيمان مُغترًّا بقوة جنوده (الذين يَركَنُ إليهم ويَعتمد عليهم)، ﴿ وَقَالَ ﴾ عن موسى: ﴿ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ﴾ أي طرحناهم في البحر فغرقوا جميعاً، ﴿ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ يعني: وإنّ فرعون قد فَعَلَ ما يُلامُ عليه ويُعَذَّب به، بسبب كُفره وجحوده وفجوره.
• الآية 41، والآية 42: ﴿ وَفِي عَادٍ ﴾ يعني: وفي قصة إهلاك قوم عاد، آيةٌ على قدرتنا وانتقامنا من المُكَذِّبين ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ﴾ أي الريح التي لا بَرَكَةَ فيها ولا تأتي بخير،﴿ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾: يعني لم تترك شيئًا مَرَّت عليه إلا جعلته كالشيء المُفتَّت (باستثناء مَساكنهم)، لأن الله تعالى قال في سورة الأحقاف: (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)، وذلك حتى تكون عبرةً لمَن بعدهم.
• الآية 43، والآية 44، والآية 45: ﴿ وَفِي ثَمُودَ ﴾ يعني: وفي قصة إهلاك قوم ثمود، آيةٌ على انتقامنا من الجاحدينَ بآيات ربهم ﴿ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ﴾ أي قال لهم نبيُّهم صالح: (تمتعوا بنعم ربكم، واشكروا نعمه - بتوحيده وطاعته - حتى تنتهي آجالكم) ﴿ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ﴾ أي عَصَوا أمْر ربهم (فلم يُسلِموا له ولم يَشكروا نعمه).
♦ ويُحتمَل أن يكون المقصود مِن قوله تعالى: ﴿ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ ﴾ أي حين قال لهم نبيُّهم صالح - بعد أن ذبَحوا الناقة -: (تمتعوا بحياتكم حتى يأتيكم عذاب الله بعد ثلاثة أيام)، لأن الله تعالى قال في سورة هود: (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)،﴿ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ﴾ أي استمَرّوا على عِصيانهم لأوامر ربهم، وازدادوا في الطُغيان.
﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ﴾: يعني أخذتهم صاعقة العذاب (وهي الصيحة الشديدة) ﴿ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ﴾ إلى عقوبتهم بأعينهم،﴿ فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ ﴾: يعني فما أمكَنهم الهرب ولا النهوض مما هم فيه من العذاب، ﴿ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ ﴾ يعني: وما كانوا مُمتنعين عن العذاب بقوّتهم.
• الآية 46: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ﴾ يعني: وأهلكنا قومَ نوح مِن قبل هؤلاء المذكورين في الآيات السابقة ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ أي كانوا قومًا خارجينَ عن طاعة الله وأمْره، (إنّ في إهلاك الأمم الماضية لآيةً تدل على إنجاء الله للمُوَحِّدين وانتقامه من المُشرِكين).
  • من الآية 47 إلى الآية 51: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا ﴾ أي جَعَلناها سَقْفًا للأرض، مُحكَمة البناء، وقد خلقناها ﴿ بِأَيْدٍ ﴾ أي خلقناها بأيدينا (وهذا تشريفٌ للسماء، أنّ اللهَ تعالى خلقها بيَدِه الكريمة ولم يَخلقها بكلمة "كُن")، وقد خَلَقها أيضاً بقوةٍ وقدرةٍ عظيمة، ظهرتْ في رفع السماء بغير أعمدة، ﴿ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ أي قادرونَ على توسعة السماء بتلك الصورة العجيبة،﴿ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا ﴾ أي جَعَلناها فِراشًا للخَلق ليَستقروا عليها ﴿ فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾ أي نِعمَ الرَبّ الذي مَهَّدَ الأرضَ لعباده،﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من أنواع الموجودات ﴿ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾ أي خلقنا نوعين مختلفين (ذكراً وأنثى، خيراً وشراً، جنةً وناراً، وغير ذلك) ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾: أي لكي تتذكروا قدرة الله فتعتبروا بها، وتذكُروا أنّ خالق الأزواج كلها هو إلهٌ واحد، فلا تعبدوا معه غيره﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾ أي قل أيها الرسول للناس: فِرُّوا من عقاب الله إلى رحمته (وذلك بالتوبة إليه والعمل بطاعته)، ﴿ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ أي مُخَوِّفٌ لكم من عذاب الله إن لم تؤمنوا وتطيعوا، مُبَيِّنٌ لكم الحق من الباطل، ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ ﴾ أي لا تعبدوا معه معبودًا آخر مِن خَلقه﴿ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ ﴾ مِن عذابه، ﴿ مُبِينٌ ﴾ أي أُوَضِّح لكم ما أُرْسِلتُ به إليكم، (واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبه - أي أهَمَّهُ - أمْر، فَزَعَ إلى الصلاة، وهذا فرارٌ إلى الله تعالى بالصلاة).
• من الآية 52 إلى الآية 55: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ يعني: وكما كَذَّبت قريشٌ نبيَّها محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقالوا عنه: (ساحر أو مجنون)، فكذلك قالت الأمم السابقة في رُسُلها، فأنزل اللهُ بهم عذابه،﴿ أَتَوَاصَوْا بِهِ ﴾؟! يعني هل تواصَى المُكَذِّبون الأوّلون والآخرون بأن يقولوا جميعاً تلك المَقولة لرُسُلهم؟! ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ يعني لم يحدث ذلك، ولكنهم قومٌ تشابهت قلوبهم وأعمالهم في الكفر والطغيان، فقال مُتأخِّروهم مِثل قول سابِقِيهم (ليَصُدّوا الناسَ عن دين الله)،﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾: يعني فأعرِضْ أيها الرسول عن المُشرِكين، ولا تلتفت إلى تكذيبهم حتى يأتيك أمْر الله بقتالهم، ﴿ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ ﴾: يعني لن يَلومك أحد على هذا الإعراض، فقد بَلَّغتَهم ما أُرسلتَ به إليهم﴿ وَذَكِّرْ ﴾ يعني ومع إعراضك أيها الرسول عنهم، فقد أمَرَك ربك أن تداوم على التذكير بوعده ووعيده (بين الحِين والآخر) ﴿ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾: يعني فإنّ الموعظة يَنتفع بها المؤمنون، وتقوم بها الحُجَّة على المُعانِدين.
• من الآية 56 إلى الآية 60: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ أي ليَعبدوني وحدي ويُطيعوا أمري،﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ ﴾ ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾ (لأنه سبحانه غنيٌ عما يحتاجه البشر)،﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ﴾ أي المُعطي، المُتكفل برزق خلقه (فهو سبحانه لا يَحتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، وهو رازقهم والغني عنهم)، وهو سبحانه ﴿ ذُو الْقُوَّةِ ﴾ أي صاحب القوة العظيمة التي لا يستطيع أحد أن يتخيلها، وهو ﴿ الْمَتِينُ ﴾ أي الشديد الذي لا يُقْهَر ولا يُغلَب ولا يُعجزه شيء.
فإذا عرفتَ أيها الرسول ما تقدم مِن هَلاك المُكَذِّبينَ السابقين: ﴿ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ - بتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم - ﴿ ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ ﴾ أي قد جَعَلَ الله لهم نصيباً من العذاب مِثل نصيب أصحابهم الذين مَضَوا قبلهم ﴿ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ ﴾ يعني فلا يَستعجلوني بالعذاب، فهو آتيهم لا مَحالة،﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ يعني: فوَعيدٌ بالعذاب - وتحذيرٌ شديد للجاحدينَ - مِن يومهم الذي يوعَدون فيه بالعذاب، وهو يوم القيامة.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




شارك الخبر

المرئيات-١