أرشيف المقالات

مبادئ علم أصول الفقه وموضوعه وثمرته

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
2مبادئ علم أصول الفقه وموضوعه وثمرته   لَمَّا كان علم أصول الفقه فنًّا مستقلًّا، ناسَب ذكرُ مبادئه العشرة التي ينبغي لقاصد كلِّ فنٍّ أن يعرفها؛ لتصور ذلك الفن قبلَ الشروع فيه، وممن جمع هذه المبادئَ في أبيات شعرية الإمام الصبان[1]رحمه الله، قال: إِنْ مَبَادِي كُلِّ فَنٍّ عَشَرَهْ الحَدُّ وَالمَوْضُوْعُ ثُمَّ الثَّمَرَهْ ونِسْبَةٌ وَفَضْلُه وَالوَاضِعْ وَالاسْمُ الاسْتِمْدَادُ حُكْمُ الشَّارِعْ مَسَائِلٌ وَالبَعْضُ بِالبَعْضِ اكْتَفَى وَمَنْ دَرَى الجَمِيْعَ حَازَ الشَّرَفَا
وزاد بعضُهم المبدأ الحادي عشر، وهو شرفه، وعليه فإن هذه مبادئ علم أصول الفقه: 1-حدُّه: لأصول الفقه تعريفان: الأول: باعتبار مفرديه: (أصول، فقه): أصول لُغَةً: جمع أصل، وأصل كل شيء: ما يستند وجود ذلك الشيء إليه، فالأبُ أصلٌ للولد، والنهر أصلٌ للجدول.
وقيل: الأصل ما يُبنى عليه غيرُه[2]. واصطلاحًا: هو ما له فرعٌ؛ لأن الفرع لا ينشأُ إلا عن أصلٍ[3].
ويطلق الأصل على أربعة أشياء: أحدها: الدليل؛ كقولهم: أصل هذه المسألة الكتاب والسنة؛ أي: دليلها، ومنه أيضًا أصول الفقه؛ أي: أدلته.

الثاني: الرُّجْحان؛ كقولهم: الأصل في الكلام الحقيقة؛ أي: الراجح عند السامع هو الحقيقة لا المجاز، والأصل براءةُ الذمة، والأصل بقاءُ ما كان على ما كان.
الثالث: القاعدة المستمِرَّة؛ كقولهم: إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل؛ أي: على خلاف القاعدة المستمرة.
الرابع: الصورةُ المَقِيسُ عليها، وهو ما يقابِلُ الفرعَ في بابِ القياس[4].
والفِقْهُ لُغَةً: له معنيان[5]: الأول: الفَهْم، ومنه قول الله تعالى: ﴿ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 78]. وَدُعَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ((اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))[6].
والثاني: إدراك غرض المتكلم من كلامه، ومنه قولُ الله تعالى: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ ﴾ [هود: 91].
قال ابن القيم: (الفقه أخصُّ مِن الفَهم، وهو فهمُ مراد المتكلم من كلامه، وهذا قدر زائدٌ على مجرد فهمِ وضع اللفظ في اللغة)[7].
واصطلاحًا: هو معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيليَّة[8]. فقولنا: (معرفة): ليشمل العلم والظن.
وقولنا: (الأحكام الشرعية): خَرَج به الأحكامُ العقليةُ، كالواحد نصف الاثنين. وقولنا: (العملية): خرَج به الأحكام الاعتقادية؛ كالإيمان بالله تعالى، وملائكته، ونحو ذلك. وقولنا: (بأدلتها التفصيلية): خَرَج به أصولُ الفقه؛ إذ إنه مختص بالأدلة الإجمالية.
الثاني: باعتبار كونه لقبًا لهذا الفن: علم أصول الفقه: هو معرفة القواعد التي يُتَوَصَّل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية[9]. فقولنا: (معرفة): ليشمل العلم والظن.

وقولنا: (القواعد): جمع قاعدة، وهي هنا عبارة عن صور كلية تنطبق كلُّ واحدة منها على جزئيَّاتها التي تحتها؛ كقولنا: (الحيل في الشرع باطلةٌ)، فهذه قضية يُتَعَرَّفُ بالنظر فيها على قضايا متعددة؛ منها: عدمُ صحة نكاح المحلِّل، وبيع العِيْنة، وعدمِ سقوط الشُّفْعَة بالحيلة على إبطالها، وعدمُ حِلِّ الخمر بتخليلها، ونحوُ ذلك.
وكذا قولنا وهو المراد هنا: (الأمر للوجوب والفور)، ونحو ذلك. وقولنا: (إلى استنباط الأحكام): خرج به القواعد التي يُتَوصَّل بها إلى استنباط غير الأحكام من الصنائع والعلم بالهيئات. وقولنا: (الشرعية): خرج به الأحكام الاصطلاحية والعقلية؛ كقواعد علم الحساب والهندسة.
وقولنا: (الفرعية): خرج به الأحكام التي تكون من جنس الأصول؛ كمعرفة وجوب التوحيد مِن أمرِه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19][10].
2-موضوعه: موضوع علم أصول الفقه: الأدلة الإجمالية الموصلَة إلى الأحكام الشرعية العملية، وأقسامها واختلاف مراتبها، وكيفية أخذ الأحكام الشرعية مِنْهَا على وجه كُلِّيٍّ.
وليس موضوع أصول الفقه الأحكام الشرعية؛ لأن الأحكام الشرعية ثمرة الأدلة، وثمرةُ الشيء تابعةٌ له[11].
3-ثمرته، وفائدته: من الثمرات والفوائد المرجُوَّة من تعلُّم علم أصول الفقه: 1- معرفة طرائق الفقهاء في استنباط الأحكام. 2- التمكن من فَهم الأدلة الشرعية فهمًا صحيحًا. 3- معرفة الراجح من المرجوح من أقوال العلماء. 4- العارف بأصول الفقه يستطيع أن يدعوَ إلى الله تعالى بأسلوب مقنع. 5- تفسير النصوص الشرعية، واستنباط الأحكام الفِقْهية على وجه صحيح. 6- التقرُّب إلى الله جل جلاله بدارسة هذا العلم.
7- العارف بالقواعد الأصولية يستطيع أن يُبيِّن لغير المسلمين أن الإسلام صالحٌ لكل زمان ومكان.
8- علم أصول الفقه أداة أساسية لتفسير القرآن، واستنباط الأحكام الفقهية؛ إذ لا يستطيع أحد أن يفسِّر القرآن إلا بعد أن يتعلَّم أصول الفقه.
4- نسبته إلى غيره: أي: مرتبته من العلوم الأخرى. يُعدُّ علم أصول الفقه للفقه؛ كعلوم الحديث للحديث، فهو يُنسَب إلى العلوم الشرعية.
5- فضله: لعلم أصول الفقه فضلٌ عظيم؛ إذ يتوقَّف عليه فَهمُ الفقه، فيثبتُ لهُ لذلك ما ثبَت للفقه من فضل؛ لأنه وسيلةٌ إليه.
وفَضْلُهُ عظيم؛ لأنه يتناول العلم بأحكام الله سبحانه وتعالى المتضمِّن للفوز بالسعادة في الدنيا والآخرة.
6-واضعه: أول مَن كتَب كتابًا مستقلًّا في أصول الفقه، هو الإمام الشافعي رحمه الله، وسيأتي تفصيل نشأة أصول الفقه إن شاء الله.
7-اسمه: علم أصول الفِقْهِ.
8-استمداده: يستمد علم أصول الفقه مادته من ثلاثة مصادر: الأول والثاني: الكتاب والسنة؛ لأن المقصودَ من علم أصول الفقه إثباتُ الأحكامِ الشرعيةِ، ومصدرُ الأحكام الشرعية الكتاب والسنة، فلا بُدَّ للأصولي من معرفة قدرٍ من الأحكام الشرعية؛ ليتمكَّن من أيضًاح المسائل الأصولية.

الثالث: علم اللغة العربية؛ لأن كتاب الله جل جلاله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قد نزلا بلغة العرب، فيحتاج إلى معرفة قدر كبيرٍ من اللغة العربية؛ ليستطيعَ معرفةَ دلالةِ الأدلةِ، وفَهمها وإدراك معانيها.
ومن المسائل التي استمدها أصولُ الفقه من اللغة العربية: الأوامرُ، والنواهي، والعموم، والخصوص، والمطْلَق، والمقيَّد، ونحوُه.
9- حكم الشارع فيه: حكم تعلُّم علم أصول الفقه وتعليمه، فرضُ كفاية إذا قام به مَن يكفي سقَط عن الباقين.
10- مسائله: هي قضاياه التي يلتزمها المجتهد، ويستفيد منه ويستنبط الأحكامَ الشرعية على ضوئها؛ كالأمر للوجوب، والنهي للتحريم، ونحوه.
11- شرفه: علم أصول الفقه من أشرف العلوم؛ لشرف موضوعه، وهو العلم بأحكام الله جل جلاله المتضمن للفوز بسعادة الدارين.
قال ابن خلدون: (اعلم أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية، وأجلِّها قدرًا، وأكثرِها فائدةً، وهو النظر في الأدلة الشرعية؛ من حيث تؤخذ منها الأحكام والتآليف)[12].
فائدة: الفرق بين علم الفقه وعلم أصول الفقه: علم الفقه علم أصول الفقه التعريف هو معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية هو معرفة القواعد التي يُتَوصَّلُ بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية الموضوع الأدلة التفصيلية الأدلة الإجمالية اسم العالم به فقيه أصولي


[1] الإمام الصبان: هو أبو العرفان محمد بن علي الصبان المصري، عالم بالعربية والأدب، ولِد بالقاهرة، من مؤلفاته: منظومة: «الكافية الشافية في علمي العروض والقافية»، و«حاشية على شرح الأشموني على الألفية» في النحو، و«إتحاف أهل الإسلام بما يتعلق بالمصطفى وأهل بيته الكرام»، و«إسعاف الراغبين» في السيرة النبوية، و«الرسالة الكبرى» في البسملة، وتوفي بالقاهرة سنة 1206 هـ؛ انظر: الأعلام للزركلي (6/ 297). [2] انظر: تاج العروس، مادة «أصل». [3] انظر: شرح الكوكب المنير، لابن النجار (1/ 38). [4] انظر: نهاية السول شرح منهاج الوصول، للإسنوي، صـ (8)، وشرح الكوكب المنير، لابن النجار(1/ 39-40). [5] انظر: لسان العرب، مادة «فقه». [6] متفق عليه: رواه البخاري (143)، ومسلم (2477). [7] انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم (1/ 167). [8] انظر: التعريفات، للجُرْجَانِيِّ صـ (75). [9] انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 44). [10] انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 44-46). [11] انظر: الجامع لمسائل أصول الفقه، د.
عبدالكريم النملة، صـ (13). [12] انظر: تاريخ ابن خلدون، صـ (573).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن