أرشيف المقالات

شرح أحاديث باب التوبة من كتاب رياض الصالحين (2)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2شرح أحاديث باب التوبة من رياض الصالحين (2)   عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».
رواه البخاري.   وَعَنِ الْأَغَرِّ بْنِ يَسَارٍ الْمُزَنِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ».
رواه مسلم.   قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: تقدم الكلام على ما ذكره المؤلف - رحمه الله - من وجوب التوبة وشروطها، وما ساقه من الآيات الدالة على وجوبها.   وهذان الحديثان ذكرهما المؤلف - رحمه الله - ليستدل على ذلك بالسنة.   لأنه كلما تضافرت الأدلة على الشيء، قَوِي، وصار أوكد، وصار أوجب، فذَكَر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - عليه الصلاة والسلام - أقسم بأنه يستغفر الله ويتوب إليه أكثر من سبعين مرة.   وهذا هو الرسول - عليه الصلاة والسلام - الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة.   وفي حديث الأغر بن يسار المزني، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ».   ففي هذين الحديثين دليل على وجوب التوبة؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - أمر بها فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ»؛ فإذا تاب الإنسان إلى ربه حصل بذلك فائدتين: الفائدة الأولي: امتثال أمر الله ورسوله؛ وفي امتثال أمر الله ورسوله كل الخير؛ فعلى امتثال أمر الله ورسوله تدور السعادة في الدنيا والآخرة.   والفائدة الثانية: الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث كان -صلى الله عليه وسلم- يتوب إلى الله في اليوم مئة مرة؛ يعني: يقول: أتوب إلى الله، أتوب إلى الله ...   والتوبة لابد فيها من صدق؛ بحيث إذا تاب الإنسان إلى الله أقلع عن الذنب، أما الإنسان الذي يتوب بلسانه وقلبه منطو على فعل المعصية، أو على ترك الواجب، أو يتوب إلى الله بلسانه، وجوارحه مُصِرَّة على فعل المعصية؛ فإن توبته لا تنفعه، بل إنها أشبه ما تكون بالاستهزاء بالله عز وجل.   كيف تقول: أتوب إلى الله من معصية، وأنت مُصِرٌّ عليها، أو تقول: أتوب إلى الله من معصية، وأنت عازم على فعلها؟   الإنسان لو عامل بشرًا مثله بهذه المعاملة لقال هذا يسخر بي، ويستهزئ بي، كيف يتنصَّل من أمر عندي وهو متلبِّس به؟ ما هذا إلا هُزؤ ولعب، فكيف برب العالمين؟!   إن من الناس من يقول: إنه تائب من الربا، ولكنه - والعياذ بالله - مُصِرٌّ عليه!! يمارس الربا صريحًا، ويمارس الربا مخادعة، وقد مَرَّ بنا كثيرًا أن الذي يمارس الربا مخادعة أعظم إثمًا وجُرمًا من الذي يمارس الربا بالصراحة؛ لأن الذي يمارس الربا بالمخادعة جنى علة نفسه مرتين: أولًا: الوقوع في الربا. وثانيًا: مخادعة الله - عز وجل - وكأن الله - سبحانه وتعالى - لا يعلم.   وهذا يوجد كثيرًا في الناس اليوم الذين يتعاملون في الربا صريحًا، أمرهم واضح، لكن من الناس من يتعامل في الربا خيانة ومخادعة؛ تجد عنده أموالًا لها سنوات عديدة في الدكان، فيأتي الغني بشخص فقير يقوده للمذبحة والعياذ بالله!! فيأتي إلى صاحب الدكان الذي عنده هذه البضاعة، ويبيعها على الفقير بالدين بيعًا صوريًّا، وكل يعلم أنه ليس بيعًا حقيقيًّا؛ لأن هذا المشتري - المدين- لا يقلب المال، ولا ينظر إليه، ولا يهمه، بل لو كان أكياسًا من الرمل ويبعث عليه على أنها رزٌّ أو سكر أخذها؛ لأنه لا يهمه؛ الذي يهمه أن يقضي حاجة فيبيعها عليه - مثلًا - بعشرة آلاف لمدة سنة، وينصرف بدون أن ينقلها من مكانها، ثم يبيعها هذا المدين على صاحب الدكان بتسعة آلاف - مثلًا - فيؤكل هذا الفقير من وجهين: من جهة هذا الذي ديَّنه، ومن جهة صاحب الدكان، ويقولون: إن هذا صحيح، بل يسمونه التصحيح، يقول قائلهم: تعال أصحح عليك، أو أصحح لك كذا وكذا.
سبحان الله، هل هذا تصحيح؟!! هذا تلطيخ بالذنوب والعياذ بالله.   ولهذا يجب علينا - إذا كنا صادقين مع الله سبحانه وتعالى - في التوبة أن نقلع عن الذنوب والمعاصي إقلاعًا حقيقيًّا، ونَكْرَهَها، ونندم على فعلها؛ حتى تكون التوبة توبة نصوحًا.   وفي هذين الحديثين: دليل على أن نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أشد الناس عبادة لله، وهو كذلك، فإنه أخشانا لله، وأتقانا لله، وأعلمنا بالله صلوات الله وسلامه عليه.   وفيه دليل على أنه - عليه الصلاة والسلام - مُعلِّم الخير بمقاله وفعاله. فكان يستغفر الله، ويأمر الناس بالاستغفار؛ حتى يتأسوا به، امتثالًا للأمر، واتِّباعًا للفعل.   وهذا من كمال نصحه - صلوات الله وسلامه عليه - لأُمَّته.
فينبغي لنا نحن أيضًا أن نتأسى به، إذا أمرنا الناس بأمر أن نكون أول من يمتثل هذا الأمر، وإذا نهيناهم عن شيء أن نكون أول من ينتهي عنه؛ لأن هذا هو حقيقة الداعي إلى الله، بل هذا حقيقة الدعوة إلى الله - عز وجل - أن تفعل ما تُؤمر به، وتترك ما تُنهى عنه، كما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم-يأمرنا التوبة وهو - عليه الصلاة والسلام - يتوب أكثر مِنَّا.   نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم، وأن يهدينا وإياكم صراطًا مستقيمًا.
والله الموفق.   المصدر: « شرح رياض الصالحين »



شارك الخبر

المرئيات-١