أرشيف المقالات

شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « إن الله لا ينظر إلى أجسادكم .. »

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « إن الله لا ينظر إلى أجسادكم..
»
  عن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم))؛ (رواه مسلم).   قال العلامة ابن عثيمين – رحمه الله -: هذا الحديث يدل على ما يدل عليه قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].   فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى العباد إلى أجسامهم هل هي كبيرة أو صغيرة، أو صحيحة، أو سقيمة، ولا ينظر إلى الصور، هل هي جميلة أو ذميمة، كل هذا ليس بشيء عند الله، وكذلك لا ينظر إلى الأنساب؛ هل هي رفيعة أو دنيئة، ولا ينظر إلى الأموال، ولا ينظر إلى شيء من هذا أبدًا، فليس بين الله وبين خلقه صلة إلا بالتقوى، فمن كان لله أتقى كان من الله أقرب، وكان عند الله أكرم؛ إذًا لا تفتخر بمالك، ولا بجمالك، ولا ببدنك، ولا بأولادك، ولا بقصورك، ولا سياراتك، ولا بشيء من هذه الدنيا أبدًا، إنما إذا وفقك الله للتقوى، فهذا من فضل الله عليك، فاحمد الله عليه.   قوله عليه الصلاة والسلام: ((ولكن ينظر إلى قلوبكم))، فالقلوب هي التي عليها المدار، وهذا يؤيد الحديث الذي صدر المؤلف به الكتاب؛ ((إنما الأعمال بالنيات)).   القلوب هي التي عليها المدار، كم من إنسان ظاهر عمله أنه صحيح وجيد وصالح، لكن لما بني على خراب صار خرابًا، فالنية هي الأصل، تجد رجلين يصليان في صف واحد، مقتدين بإمام واحد، يكون بين صلاتيهما كما بين المشرق والمغرب؛ لأن القلب مختلف، أحدهما قلبه غافل، بل ربما يكون مرائيًا في صلاته - والعياذ بالله - يريد بها الدنيا.   والآخر قلبه حاضر يريد بصلاته وجه الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينهما فرق عظيم، فالعمل على ما في القلب، وعلي ما في القلب يكون الجزاء يوم القيامة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴾ [الطارق: 8]، ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴾ [الطارق: 9]؛ أي: تختبر السرائر لا الظواهر، في الدنيا الحكم بين الناس على الظاهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضي له على نحو ما أسمع)، لكن في الآخرة على ما في السرائر، نسأل الله أن يطهر سرائرنا جميعًا.   العلم على ما في السرائر: فإذا كانت السريرة جيدة صحيحة فأبشر بالخير، وإن كانت الأخرى فقدت الخير كله، وقال الله عز وجل: ﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [العاديات 9،10]، فالعلم على ما في القلب، وإذا كان الله تعالى في كتابه، وكان رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته يؤكدان إصلاح النية؛ فالواجب على الإنسان أن يصلح نيته، يصلح قلبه، ينظر ما في قلبه من الشك، فيزيل هذا الشك إلى اليقين، كيف؟ وذلك بنظره في الآيات: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، ﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 4].   إذا ألقى الشيطان في قلبك الشك، فانظر في آيات الله، انظر إلى هذا الكون من يدبِّره، انظر كيف تتغير الأحوال، كيف يداول الله الأيام بين الناس، حتى تعلم أن لهذا الكون مدبرًا حكيمًا عز وجل.   الشرك: طهِّر قلبك منه، كيف أطهر قلبي من الشرك؟ أطهر قلبي بأن أقول لنفسي: إن الناس لا ينفعوني إن عصيت الله ولا ينقذونني من العقاب، وإن أطعت الله لم يجلبوا إليَّ الثواب.   فالذي يجلب الثواب ويدفع العقاب هو الله، إذا كان الأمر كذلك فلماذا تشرك بالله - عز وجل؟ لماذا تنوي بعبادتك أن تتقرب إلى الخلق؟ ولهذا من تقرب إلى الخلق بما يتقرب به إلى الله ابتعد عنه، وابتعد عنه الخلق.   يعني لا يزيده تقرُّبه إلى الخلق بما يقرِّبه إلى الله إلا بُعدًا من الله ومن الخلق؛ لن الله إذا رضي عنك أرضى عنك الناس، وإذا سخط عليك أسخط عليك الناس، نعوذ بالله من سخطه وعقابه.   المهم يا أخي عالج القلب دائمًا، كن دائمًا في غسيل للقلب حتى يطهر؛ كما قال الله - عز وجل -: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾ [المائدة: 41]، فتطهير القلب أمر مهم جدًّا، أسال الله أن يطهر قلبي وقلوبكم، وأن يجعلنا له مخلصين ولرسوله متبعين!   المصدر: « شرح رياض الصالحين »



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير