أرشيف المقالات

الترويح عن النفس والمزاح

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2الترويح عن النفس والمزاح   النفس تمل وتكل وتتعب من كثرة الأعمال، ولا بد للإنسان أن يجعل له وقتًا يُروِّح فيه عن النفس باللهو المباح مع الأصحاب والأولاد.   وقد تبسَّم سليمان عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ﴾ [النمل: 19].   وقد أثبتت التجارب أن التبسم والضحك المعتدل يُنشط الحركة الدموية عند الإنسان، بخلاف الهم والحزن.
والتوازن مطلوب في جميع الأمور، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «تبسُّمك في وجه أخيك صدقة»[1]، والأمثلة على ذلك كثيرة.   ومن ضحك ومزاح النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي: 1- عن عبدالله بن الحارث رضي الله عنه قال: "ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله"[2].   2- عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك"[3].   3- عن علي بن ربيعة قال: شهدت عليًّا رضي الله عنه أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب، قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم قال: الحمد لله ثلاثًا والله أكبر ثلاثًا، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقلت له: من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت، ثم ضحك، فقلت: من أي شيء ضحكت يا رسول الله؟ قال: «إن ربَّك ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب أحدٌ غيره»[4].   أما صفة مزاحه صلى الله عليه وسلم ما يلي: وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمزح إلا صادقًا. 1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا ذا الأذنين»[5].   قال الترمذي: "فالحديث فيه بيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع خادمة أنس رضي الله عنه، فالمزاح انبساط النفس على الغير وُدًَّا لا تجريحًا".   وإني أقدم هذا الحديث إلى كل من يتعالى على خادمه؛ ليتعلم من سيد الخلق كيف يكون التواضع؟ لأن المباسطة والملاطفة والرحمة لا تنزل المرء من منزلته إنما ترفعه أبدًا، فالراحمون يرحمهم الله عز وجل.   2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: «يا أبا عمير، ما فعل النغير»[6].   قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله وفِقهُ هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح، وفيه أنه كنَّى غُلامًا صغيرًا، فقال له: "يا أبا عمير"، وفيه أنه لا بأس أن يعطى الصبي الطير ليلعب به، وإنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا عمير، ما فعل النغير"؛ لأنه كان له نغير (طير صغير) يلعب به فمات، فحزن الغلام، فمازحه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أبا عمير، ما فعل النغير؟".   3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنك تُداعِبُنا! قال: «إني لا أقولُ إلا حقًّا»[7].   4- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلًا استَحْمَل رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: إني حاملكَ على ولدِ ناقةٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، ما أصنعُ بولدِ الناقة؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وهل تلدِ الإبلُ إلا النوقَ؟»[8].   5- عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أتى يومًا رجلًا من أصحابه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصـره، فقال: «أرسلني من هذا؟»، فالتفت، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألزق ظهره بصـدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرَفه، وجعل النبي يقول: «من يشتري العبد؟»، فقال: يا رسول الله، إذًا والله تجدني كاسدًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكن عند الله لستَ بكاسدٍ»، أو قال: «أنت عند الله غالٍ»[9].   وللمزاح آداب؛ منها: 1- النية الصالحة: فينوي بمزاحه قطع الملل والترويح المباح عن النفس، حتى تنشط من جديد. 2- عدم الإكثار من المزاح، ومن كثُر مُزاحُه نقصت مُروءته وضاعت هيبته. 3- عدم المزاح مع مَن لا يقبلونه كالشيخ الكبير والعالم، وغيرهم ممن لا يقبل المزاح. 4- عدم المزاح في مواطن الجد.   5- اجتناب ما حرم الله تعالى أثناء المزاح، ومن ذلك: أ- ترويع المسلم على وجه المزاح قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلمًا»[10].   ب- الكذب في المزاح قال صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه»[11].   ج- القدح في شخص أو مجموعة أشخاص: كالذي يمزح فيتحدث عن أهل بلد أو عن أصحاب حرفة بما يعيبهم، أو بعض الناس يمزح مع صاحبه فيسبه، أو يقذفه أو يرميه بالفاحشة والعياذ بالله من ذلك.   د- أن يكون أكثر المزح مع من يحتاجونه كالصغار والنساء وغيرهم.


[1] رواه الترمذي. [2] أخرجه الإمام أحمد، والترمذي. [3] رواه البخاري، ومسلم. [4] رواه أبو داود، والترمذي. [5] رواه أبو داود، والترمذي. [6] رواه البخاري، ومسلم. [7] رواه الترمذي. [8] رواه أبو داود، والترمذي. [9] أخرجه الإمام أحمد والترمذي في الشمائل. [10] رواه أبو داود. [11] رواه أبو داود.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن