أرشيف المقالات

إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم   عن المعرور بن سُوَيْد، قال: لَقِيْتُ أبا ذر بالرَّبَذَة، وعليه حُلَّةٌ، وعلى غلامه حُلَّة، فسألتُه عن ذلك، فقال: إني سابَبْتُ رجلا فعَيَّـرْتُه بأمِّه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذَرٍّ أعيّـرْتَهُ بأمِّه؟ إنَّك امرؤ فيكَ جاهلية، إخوانُكم خَوَلُكُم، جَعَلَهُم اللهُ تحت أيديِكم، فمن كان أخوه تحت يده، فلْيُطْعِمه مما يأكلُ، ولْيَلْبِسُه مما يَلْبَسُ، ولا تكلُفُوهم ما يَغْلِبُهم، فإنْ كَلَفْتُمُوهم فَأَعِيْنُوهُم»[1].
من فوائد الحديث: 1- أن أبا ذر رضي الله عنه عَمِلَ بهذا الحديث، فألبسَ غلامه حُلَّة كما لبس هو حُلَّة.
2- جواز لبس الرجل الصالح حُلة، والحُلة عند العرب ثوبان، وهما: (رداء وإزار سُـمِّيا بذلك؛ لأن كل واحد منهما يَحِلُّ على الآخر) [2].
3- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى المملوكِين إخوانًا.
4- دل الحديث على أنه لا يجوز تكليف العبد ما يَغْلبه، فإن كَلَّفَه السيد ذلك، ثم أعانه عليه فلا بأس.
5- قوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) المعنى قد بقي فيك من أخلاق القوم شيء[3].
6- قوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) يدل على أن هذا الفعل الذي صَدر من الصحابي هو من المعاصي، ولا يَكْفر صاحبه بارتكابها إلا بالشرك، يؤيِّده قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، وهو مذهب أهل السنة والجماعة[4].
7- قوله: (الجاهلية)؛ أي: ما قبل الإسلام، وسُمُّوا بذلك لشدة جهالاتهم، وقوله: (الرَّبَذَة) هي قرية تقع على ثلاث مراحل من المدينة، قريبة من ذات عِرْق.
8- قوله: (فسألتُه عن ذلك)، إنما سأله؛ لأن عادة العرب وغيرهم أن تكون ثياب المملوك دون سيده.
9- قوله صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، معناه: إنك في التعيير بأمه على خُلُقٍ من أخلاق الجاهلية، ولستَ جاهليًّا محضًا، وينبغي للمسلم ألا يكون فيه شيء من أخلاقهم.
10- قيل: إنه عَيَّر الرَّجلَ بسَوَاد أُمِّهِ، كأنه قال: يا بن السوداء ونحوه.
11- قوله: (إني سابَـبْتُ رجلًا)، روي أن بلالًا كان هو الذي عَيَّره بأِّمه، عن الوليد بن مسلم قال: كان بين بلال وبين أبي ذر محاورة، فعَيَّره أبو ذر بسواد أمه، فانطلق بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكى إليه تَعْيِيَره بذلك، فأمره أن يدعوه، فلما جاء أبو ذر قال له: "أشتمتَ بلالًا وعيَّرته بسواد أمه؟"، قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كنتُ أحسبُ أنه بقي في صدرك من أمر الجاهلية شيء"، فألقى أبو ذر نفسه بالأرض، ثم وضع خدَّه على التراب، وقال: والله لا أرفع خدي من التراب حتى يطأ بلال خدي بقدمه، فوطئ خده[5].
12- قوله صلى الله عليه وسلم: (إخوانُكم خَوَلُكُم)، قال أهل اللغة: الخَوَل: الخَدَمُ، سُمُّوا بذلك؛ لأنهم يتخوَّلُون الأمور؛ أي: يُصلِحُونها، ويقومون بها، يقال: خالَ المالَ يخولُه: إذا أحسنَ القيام عليه، وقيل: إنه لفظٌ مشترك، تقول: خالَ المالَ، والشيءَ يخولُ، وخِلْت أخُولُ خَوْلًا: إذا سِسْتَ الشيء وتعاهدتَه، وأحسنتَ القيامَ عليه، والخائِلُ: الحافظُ، ويقال: خالَ المالَ، وخائلُ مالٍ، وخُوْليُّ مالٍ، وخَوَّله الله الشيءَ؛ أي: مَلَّكَهُ إيَّاه[6].
13- قوله: (إخوانكم خَوَلُكُم)؛ أي: حَشَمُكُم وخَدَمُكم، والمراد: أخوَّة الإسلام والنَّسَب؛ لأن الناس كلهم بنو آدم[7].
14- قوله: (فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس) ليس للوجوب، فالتسوية في المطعم، والملبس استحباب، وهو ما عليه العلماء، فلو كان سيده يأكل الفائق ويلبس الغالي، فلا يجب عليه مساواة مملوكه، أو مَخْدومه[8].
15- قوله: (ولا تكلُفُوهم ما يَغْلِبُهم) أنه يجب عدم تكليفهم ما لا يستطيعونه، أو تحميلهم فوق طاقتهم؛ لأن فيه إضرارًا بهم، وأذيَّة لهم.
16- قوله: (فإنْ كَلفْتُمُوهم فَأَعِيْنُوهُم): فيه جواز تكليف ما فيه مشقة، فإن كانت غالبة وجَب العون عليها.
17- الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم بما ملكت أيماننا، وهو آخر ما أوصى به عند موته، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي عند موته: «الصلاة وما ملكت أيمانكم"[9]؛ ولأن الله تعالى أوصى بهم في كتابه فقال: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 36] [10].
18- إن السب غير القذف، فهو عيَّره بأمِّه، وليس في تعييره ما يدل أنه كان قَذْفًا.
19- الرفق بالمماليك والخَدَم.
20- حق الخادم طعام يكفيه، وكسوة تستره وتقيه الحر والبرد[11]، وإنْ كان له راتب شهري - كما في زماننا - وَجَبَ أنْ يُعطَى راتبه في وقته، ولا يؤخره دون مُسوِّغ شرعي.
21- النهي عن تَعْيير المسلم[12].
22- فيه وصف لنوع اللباس الفاخر في ذلك الزمان وهو (الحُلة)؛ حيث إن هذا اللباس لفت انتباه المعرور بن سُوَيْد الراوي عن أبي ذر رضي الله عنه.


[1] صحيح البخاري 1/ 15 رقم 30، صحيح مسلم 3/ 1282 رقم 1661. [2] التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الـمُلقن 3/ 26. [3] من 1-5 مستفاد من الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة 2/ 168. [4] التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الـمُلقن 3/ 9، والآية 48 من سورة النساء. [5] والتصريح بأن بلالًا هو الرجل المَسبوب فيه نظر؛ (انظر موقع ملتقى أهل الحديث، وفيه بحث جيِّد لأحمد بن علي صالح حول ذلك ينفي صحَّته). [6] التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن المُلقن 3/ 29. [7] المرجع السابق 16/ 221. [8] التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن المُلقن 16/ 221. [9]السنن الكبرى للنسائي عن أنس 6/ 387 رقم 7057، ورقم 7058، ورقم 7060، ورقم 7061، ورقم 7062، وعن أم سلمة 6/ 389 رقم 7063؛ سنن أبي داود عن أنس 4/ 504 رقم 5158، وسنن ابن ماجه عن أنس 2/ 900 رقم 2697، 1/ 519 رقم 1625، وعن أم سلمة، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/ 719 رقم 3873. [10]من 15-17 مستفاد من التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن المُلقن 16/ 221-223، والآية 36 من سورة النساء. [11] من 18-20 مستفاد من إكمال المُعلِم بفوائد مسلم للقاضي عياض 5/ 433. [12] شرح صحيح مسلم للنووي 11/ 132.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢