أرشيف المقالات

أبو بكر الصديق - (26) حديث الأئمة من قريش وموقف الأنصار منه

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
1 ورد حديث «الأئمة من قريش» في الصحيحين وكتب الحديث الأخرى بألفاظ متعددة؛ ففي صحيح البخاري عن معاوية قال: قال رسول الله: «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين».
وفي صحيح مسلم: «لا يزال الإسلام عزيزًا بخلفاء كلهم من قريش».
وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان».وقال رسول الله: «الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم لمسلهم وكافرهم لكافرهم».
وعن بكير بن وهب الجزري قال: قال لي أنس بن مالك الأنصاري: أحدثك حديثاً ما أحدثه كل أحد، كنا في بيت من الأنصار فجاء النبي حتى وقف فأخذ بعضادتي الباب، فقال: «الأئمة من قريش، إن لهم عليكم حقًا، ولكم عليهم حقًا مثل ذلك، ما إن استرحموا فرحموا، وإن عاهدوا أوفوا، وإن حكموا عدلوا».
وفي «فتح الباري» أورد ابن حجر أحاديث كثيرة تحت باب: الأمراء من قريش، أسندها إلى كتب السنن والمسانيد والمصنفات. فالأحاديث في هذا الباب كثيرة لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الحديث، وقد رويت بألفاظ متعددة إلا أنها متقاربة، تؤكد جميعها أن الإمرة المشروعة في قريش، ويقصد بالإمرة الخلافة فقط، أما ما سوى ذلك فتساوى فيه جميع المسلمين.وبمثل ما أوضحت الأحاديث النبوية الشريفة أن أمر الخلافة في قريش، فإنها حذرت من الانقياد الأعمى لهم، وأن هذا الأمر فيهم ما أقاموا الدين كما سلف في حديث معاوية، وكما جاء في حديث أنس: إن استرحموا فرحموا، وإن عاهدوا أوفوا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وبهذا حذرت الأحاديث من اتباع قريش إن زاغوا عن الحكم بما أنزل الله، فإن لم يمتثلوا ويطبقوا مثل هذه الشروط، فإنهم سيصبحون خطرًا على الأمة، وحذرت الأحاديث الشريفة من اتباعهم على غير ما أنزل الله، ودعت إلى اجتنابهم والبعد عنهم واعتزالهم؛ لما سيترتب على مؤازرتهم آنذاك من مخاطر على مصير الأمة، قال: «إن هلاك أمتي أو فساد أمتي رؤوس أغيلمة سفهاء من قريش»، وعندما سئل: فما تأمرنا؟ قال: «لو أن الناس اعتزلوهم».
ومن هذه النصوص تتضح الصورة لمسألة الأئمة من قريش، وأن الأنصار انقادوا لقريش ضمن هذه الضوابط وعلى هذه الأسس، وهذا ما أكدوه في بيعاتهم لرسول الله: «على السمع والطاعة، والصبر على الأثرة، وأن لا ينازعوا الأمر أهله، إلا أن يروا كفرا بواحًا عندهم من الله فيه برهان».  فقد كان للأنصار تصور تام عن مسألة الخلافة، وأنها لم تكن مجهولة عندهم، وأن حديث «الأئمة من قريش» كان يرويه كثير منهم، وأن الذين لا يعلمونه سكتوا عندما رواه لهم أبو بكر الصديق، ولهذا لم يراجعه أحد من الأنصار عندما استشهد به، فأمر الخلافة تم بالتشاور والاحتكام إلى النصوص الشرعية والعقلية التي أثبتت أحقية قريش بها، ولم يسمع عن أحد من الأنصار بعد بيعة السقيفة أنه دعا لنفسه بالخلافة، مما يؤكد اقتناع الأنصار وتصديقهم لما تم التوصل إليه من نتائج.وبهذا يتهافت ويسقط قول من قال: إن حديث الأئمة من قريش شعار رفعته قريش لاستلاب الخلافة من الأنصار، أو أنه رأي لأبي بكر وليس حديثاً رواه عن الرسول، وإنما كان فكرًا سياسياً قرشياً، كان شائعا في ذلك العصر، يعكس ثقل قريش في المجتمع العربي في ذلك الحين.
وعلى هذا فإن نسبة هذه الأحاديث إلى أبي بكر وأنها شعار لقريش، ما هي إلا صورة من صور التشويه التي يتعرض لها تاريخ العصر الراشدي وصدر الإسلام، الذي قام أساسًا على جهود المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان، وعلى روابط الأخوة المتينة بين المهاجرين والأنصار، حتى قال فيهم أبو بكر: نحن والأنصار كما قال القائل: (أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذين يلقون منا لملت)    


شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣