أرشيف المقالات

فضل التفقه في الدين

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2فضل التفقه في الدين
الحمد لله الذي يفقِّه من أراد به خيرًا في الدين، ويجعل الصابر الموقن من أئمة المتقين، أما بعد: فإن الفقه في دين الله تعالى عبادة من أجلِّ العبادات، وقربة من أنفس القرب، والواجب فيه تعلم ما لا يسع المسلم جهله من دينه؛ ليتمكن من عبادة ربه على بصيرة، وطاعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه رغبة ورهبة عن بينة، ولأجل أن ينفع أهل الإسلام ببيان أحكامه والتنويه بمحاسنه، وحتى لا ينخدع بشبهات المشبهين، وضلالات المبطلين، وكلما اشتدت الحاجة عظم الواجب.
والنصوص من كتاب الله تعالى وسنة نبيه ، وكلام السلف الصالح في الحض على التعلم والتعليم أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، ولكن أسوق منها ما تيسر؛ لما في ذكر النصوص من حفز الهمم، وتوفير الدواعي إلى الخير، والتذكير بأمر عظيم به قوام الدين، ومن أعظم أسباب صلاح أحوال المسلمين.
فقد جعل الله تعالى أهل العلم من الشهداء على وحدانيته بقوله: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]، وفي ذلك من التزكية لهم والتنبيه على رفعة مقامهم في الدنيا والآخرة مالا يخفى على اللبيب.
وفي موضع آخر شهد الله تبارك وتعالى لأهل العلم بالاصطفاء، ووعدهم الجنة جميعًا رغم ما بينهم في التفاوت العظيم في الفهوم والعمل، فقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [فاطر: 32، 33]، فضمن لهم الجنة؛ وما ذلك إلا لأن العلم وسيلة العمل، والدليل عليه والمرغب فيه، وهو موجب الخشية وصلاح النية والمرغب في أنواع العمل بما يذكر من جليل المثوبة.
وفي موضع ثالث من الكتاب العزيز يحكم الله تعالى بأن من آتاه الله الحكمة، فقد أوتي خيرًا كثيرًا، وأشهر المفسرين على أن المراد بالحكمة: الفقه والفهم لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويؤكده قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لا حسد إلا في اثنين...» الحديث، وفيه: «ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها»، فالفقه في الدين هو الحكمة؛ لأنه يدل على الصواب ويقرن الحكم بدليله ويرشد إلى وضع الأمور مواضعها اللائقة بها.
وفي صحيح السنة ما بين أن الفقه في الدين علامة الخير وسبيل الجنة، ومما ثبت في الحث على العلم الشرعي قوله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» متفق عليه، وقوله عليه الصلاة والسلام: «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة» رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر».
ففي هذه الأحاديث يتضح أن العناية بالعلم الشرعي، والحرص على طلبه بشارة على أن الله تعالى أراد بمن كان كذلك خيرًا، وإن العلم سبب لدخول الجنة، وأن من أخذه، فقد أخذ بأوفر حظوظ الدنيا والآخرة ولا يخفى ما في ذلك من الحث والتحضيض على طلب العلم وتحقيقه بالعمل.
وما ذلك إلا لأن الفقه في الدين وسيلة لمعرفة الأحكام، والتمييز بين الحلال والحرام، ومنهاة عن الآثام، وسبب يوصل إلى الجنة دار السلام، وعلمٌ هذا شأنه ينبغي معرفة قدره، والتنافس في طلبه وتحصيله، والعمل به وتعليمه.
والعلم الشرعي ثلاثة أنواع: الأول: العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وأنواع كمالاته، وهو علم العقيدة وهو الاعتقاد بأن الله تعالى له المثل الأعلى ـ وهو التفرد المطلق بالوصف الأعلى الجميل من جميع الوجوه ـ في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وأنه سبحانه المتنزه عن الند والمثال المستحق لأن يعبد وحده لا شريك له، وأن تخلص له الأقوال والنيات والأعمال.
الثاني: معرفة تفاصيل شرعه وحقه على عباده، وذلك بمعرفة أحكام دينه بأدلتها ومعرفة ما يضادها وينقصها، واجتنابها وتحقيقه العمل بذلك عن إخلاص لوجهه سبحانه في القصد وأداء العبادة على الوجه الذي شرع وعلى وفق سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومجانبة المحدثات والبدع.
الثالث: العلم بجزائه، وهو العلم بفضل الأعمال الصالحة وجزائها في العاجل والآجل، وشؤم المخالفات والعقوبات المترتب عليها في الدنيا والآخرة وما يتعلق بذلك من أحكام البرزخ والدار الآخرة وأحوال الجنة والنار وأهلهما، حتى يؤدي العمل عن احتساب، ويترك المخالفات خشية العذاب.

هذا هو العلم على الإطلاق والمأمور به والمثنى على أهله في الكتاب والسنة باتفاق، فينبغي للمسلم الرغبة فيه والحرص عليه، وتلقيه عن أهله والإلحاح على الله تعالى بسؤال المزيد منه والانتفاع به، والاجتهاد في العمل به، وبذله للناس؛ لما في ذلك من الخير الكثير والأجر الكبير والصلاح للمرء ولغيره، فيبذله ويعلمه لله تعالى واحتساب لمثوبته وعلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم والدعوة والنصيحة، وعليه أن يحسن الظن بالله تعالى راجيًا أن يمن عليه بالفقه في الدين وإمامة المتقين.
أسأل الله تعالى ذلك لي ولكل مسلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١