أرشيف المقالات

معركة بدر - (2) مقارنة بين قوة العقيدة والقوة المادية

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
1 كان المشركون في يوم بدر أكثر عدداً من المسلمين، وكانوا أفضل في قضاياهم التنظيمية، فلقد أعدوا واستعدوا وخرجوا للقتال، بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثمائة وأربعة عشر، يزيدون أو ينقصون، وعدد المشركين يتجاوز الألف، وكان مع المسلمين فرسان ومع المشركين مائة فرس! كان مع المسلمين سبعون بعيراً ومع الكفار سبعمائة بعير! الكفار تحصنوا بالدروع والسيوف، وكل وسائل الحرب، والمسلمون لا يملكون منها إلا القليل.
كان المسلمون من قبائل شتى، وكانت قريش من قبيلة واحدة.
فكيف انتصروا مع ذلك؟! إنه انتصار العقيدة، فلقد بدل الإسلام العقول والنفوس من حال إلى حال، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم القائد الأعلى مثالاً شخصياً رائعاً لأصحابه في التضحية والفداء، ونحن ما اجتمعنا إلا لمعرفة سيرته العطرة، أسأل الله أن يجمعنا به في جنات النعيم!تأمل أثر القائد وتأثيره على أولئك الجنود، فقد كان كل ثلاثة من المسلمين يوم بدر يتعاقبون على بعير فإذا كان دور النبي صلى الله عليه وسلم في النزول عن البعير قال له صاحباه: ابق في مكانك، ونحن نمشي فيقول: «ما أنتما بأقوى مني على المشي، وما أنا بأغنى منكما عن الأجر».
أي: فأنا مثلكم آكل مما تأكلون، وأشرب مما تشربون.
ولما نشب القتال خرج ثلاثة من رجالات المشركين يطلبون المبارزة، فخرج لهم ثلاثة من الأنصار، فارجع النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأنصار وأخرج بني عمومته فقال: (قم يا حمزة! قم يا حارث! قم يا علي!) فما آثر أقاربه وجعلهم في الصفوف الأخيرة بل جعلهم في المقدمة.
وروي أنه قال لهم: (قوموا قاتلوهم بحقكم الذي بعث الله به نبيكم، إنهم جاءوكم بباطلهم ليطفئوا نور الله) فلم يؤثر ذوي القربى بالراحة والاطمئنان، بل آثرهم بالنزال والطعان، فقدمهم في أول الصفوف.

وفي المعركة كان صلى الله عليه وسلم يضرب بنفسه أروع صور الشجاعة والقوة والتضحية والفداء، يقول علي: (لما كان يوم بدر، وحضر البأس، وحمي الوطيس؛ اتقينا بظهر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أقربنا إلى الكفار) فما جلس في الصفوف الأخيرة، ولا أمرهم بحمل السلاح دونه، بل كان أشد الناس بأساً، يقول علي: (كنا إذا حمي الوطيس لذنا بظهره، يدفع عنا الرجال) فهو أشجع الرجال في أرض المعارك، ولم يجلس بعد انهيار صفوف المشركين يشاهد انهزامهم، بل كان مع أصحابه يتابع المشركين ويقضي على الذين بقوا في أرض المعركة، ويجمع الغنائم مع أصحابه.
وبالرغم من هذا كله ما آثر نفسه بالغنيمة بعد انتهاء المعركة، بل أخذ ما قسمه الله له ثم وزع الغنائم على جميع المقاتلين، فكان هو الأسوة والقدوة، وهو الذي كان له أكبر الأثر على أصحابه، قال الله: { {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} } [الأحزاب:21].
فما تكلم فقط، وإنما قال وفعل، وشتان بين الأقوال والأعمال! فالموعظة لا تؤثر في نفوس الآخرين إلا إذا طبقتها أنت ورآها الناس عملاً وواقعاً ملموساً في حياتك.


شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣