أرشيف المقالات

أبو هريرة ورواية الحديث

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2أبو هريرة – رضي الله عنه - ورواية الحديث   عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ؟ قَالَ: ((ابْسُطْ رِدَاءَكَ))، فَبَسَطْتُهُ، قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ((ضُمَّهُ)) فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ[1].   وفي رواية عنه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ))، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ[2].   وعَنْه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ))[3].   بيان غريب الحديث: ♦ (نمرة): كل مئزر مخطط من مآزر الأعراب، وجمعها نِمار.
• يدل الحديثان على أمورٍ كثيرة؛ منها: ♦ قوله: (أسمع منك حديثًا كثيرًا): يدل على أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان مكثرًا من الحديث؛ نصيحة لهذه الأمة، وتعليمًا لهم بأمور دينهم، لذلك دعوى أنَّ السنة مبالغ فيها من حيث الكم المروي دعوى باطلة، ولو تأمل هؤلاء المعترضون عدد مقالتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لرأوها آلافًا في شهور معدودة، فكيف يستنكرون عدد ما ثبت من السنة وقد كانت حياة النَّبيِّ كلها دعوة في سبيل الله، وكان الصحابة يحرصون كل الحرص على حفظ الحديث منه صلى الله عليه وسلم؟!   ♦ فيها منقبة لأبي هريرة رضي الله عنه خاصة، وأنَّ إكثاره لرواية الحديث يدل على سعة حفظه ببركة صنيع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأنَّ كثرة ما رواه كانت لهذه الخصوصية، مع شدة حرصه على طلب الحديث.   ♦ في الحديث تشجيع من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم للصحابة على حفظ حديثه، والمواظبة على طلبه للتعبد به ولتبليغه للناس؛ لأنَّ عليه المعول في بيان مراد الله جل وعلا.   ♦ وفيها حجية السنَّة النبوية وأهميتها وعظيم فضلها؛ إذْ لو لم تكن كذلك لما أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بالاعتناء بحفظها والتفرغ في سبيل ذلك.   ♦ قال الإمام ابن بطال (449هـ) رحمه الله: (وفيه أنَّه جائزٌ للإنسان أن يُخبر عن نفسه بفضله إذا اضطر إلى ذلك؛ لاعتذار من شيء، أو لتبيين ما يلزمه تبيينه إذا لم يقصد بذلك الفخر)[4].   ♦ قال العلامة العيني (855هـ) رحمه الله: (ومما يستفاد منه: معجزة النَّبيِّ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؛ حيث رفع من أبي هريرة النِّسيان الذي هو من لوازم الإنسان، حتى قيل: إنه مشتق منه، وحصول هذا من بسط الرداء وضمه أيضًا معجزة..)[5].   ♦ وقد دلَّنا الحديث على أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه قد حفظ الحديث ببركة صنيع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولشدَّة ملازمته على ذلك، وهو القائل: (إنَّ الناس يقولون: أكثَر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدَّثت حديثًا، ثم يتلو: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 159، 160]، إلى قوله: ﴿ الرَّحِيْمُ ﴾، إنَّ إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإنَّ إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإنَّ أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون)[6]، فحفظ أبو هريرة ما لم يحفظْه غيره، وروى ما لم يروه غيره، حتى كان أكثر الصحابة روايةً للحديث، ولَما علِم ذلك أعداء السنن، قاموا يطعنون بشخص أبي هريرة رضي الله عنه، حتى قالوا: إنَّه شخصية غير حقيقية، وليس مقصدهم شخص أبي هريرة، وإنما مقصدهم إسقاط ما رواه ونشره من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لِما تقدَّم ذكره.   وقد ألَّف غير واحدٍ من أهل العلم في الدِّفاع عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، فجزاهم وجزاه الله عنَّا كل خيرٍ، وها هو أبو هريرة يُترضى عنه في كل إسناد، وها هم شانؤوه في طي النسيان، والحمد لله رب العالمين.


[1] أخرجه: البخاري (2047)، واللفظ له، ومسلم (2492). [2] أخرجه: البخاري (119)، واللفظ له، ومسلم (2492). [3] أخرجه: البخاري (99). [4] شرح ابن بطال 1 /195. [5] عمدة القاري 2 /184. [6] أخرجه: البخاري (118)، واللفظ له، ومسلم (2493).



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير