أرشيف المقالات

شرح البيقونية: الحديث الفرد

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2شرح البيقونية: الحديث الفرد   وَالفَرْدُ مَا قَيَّدتَه بِثِقَةِ *** أَوْ جَمعٍ اوْ قَصرٍ عَلَى رِوَايَةِ الفرد لغة: هو الوتر، وهو الواحد، مأخوذ من التفرد[1]. واصطلاحًا: "ما تفرد به شخص عن عالم من العلماء"[2]. وقال الشيخ ابن عثيمين: "الفرد هو أن ينفرد الراوي بالحديث، يعني يروي الحديث رجل فرد[3].   أقسامه: "يقسمونه إلى قسمين: "فرد نسبي، وفرد مطلق، فإن كان غريبًا في أصل السند، فإنه يسمى فردًا مطلقًا، وإن تفرد به شخص في أثناء السند، فإنه يسمى فردًا نسبيًّا"[4].   فالفرد المطلق: هو ما كان التفرد فيه في أصل السند؛ أي: ما ينفرد بروايته شخص واحد في أصل سنده. وأصل السند: أي طرفه الذي فيه الصحابي[5].   "وسُمِّي بالفرد لتفرد الراوي، وبالمطلق؛ لأن الغرابة لم تقيد بشيء"[6].   والفرد النسبي: هو ما كان التفرد في أثناء سنده؛ أي: أن يرويه أكثر من راو في أصل سنده، ثم ينفرد بروايته راو واحد عن أولئك الرواة"[7].   ويقال للفرد النسبي أيضًا: الفرد المقيد، والفرد النسبي، أو المقيد قسمان أو نوعان: 1- ما تفرد به أهل بلد معين بأن لم يروه إلا أهل بلدة كذا أو كذا. 2- إذا تفرد به راو مخصوص بأن لم يروه عن فلان إلا فلان، وإن كان مرويًّا من وجوه عن غيره.   الأمثلة: مثال الفرد المطلق: إذا لم يروه إلا صحابي، ولم يرو عنه إلا واحد، ولم يروه عنه إلا واحد، ولم يروه عنه أيضًا إلا واحد إلى أن انتهى إلى المؤلف، فإنه فرد مطلق.   حديث: "إنما الأعمال بالنيات" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتفرد به علقمة عن عمر، وانفرد به محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة وتفرد به يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي ورواه عن يحيى بن سعيد عدد كثير.   "وسُمِّي بالفرد لتفرُّد الراوي وبالمطلق؛ لأن الغرابة لم تقيد بشيء، بل سواء كان في أصله فقط، أو في أصله ومَن روِي عنه، أو في أصله واستمرت في أكثره أو في جميعه".   مثال الفرد النسبي: "أن يرويه مثلًا عن الزهري جماعة، ثم يتفرد به عن الزهري ابن أخيه محمد بن عبدالله، وعقيل، ومعمر ويونس، وسفيان ونحوهم، وتفرد به عن عقيل شخص واحد، فإنه فرد نسبي.   حديث رواه الترمذي وأبي داود من طريق سفيان بن عيينة عن وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أولَمَ على صفية بسويق وتمر"[8].   قال الترمذي: "حديث غريب". وقال ابن طاهر في أطراف الغرائب: "غريب من حديث بكر بن وائل، تفرد به وائل بن داود، ولم يروه عنه غيره سفيان بن عيينة"[9].   والفرد النسبي إما أن يكون: 1- بالنسبة لراوي معين. 2- بالنسبة لبلدة معينة.   "والغريب والفرد متقاربان إلا أن أكثر ما يستعمل الغريب في الاسم، فيقال: هذا حديث غريب، والفرد في الفعل يقال: تفرد به فلان عن فلان، هذا حديث غريب تفرد به فلان عن فلان"[10].   ويطلق كثيرٌ من العلماء على الغريب اسم "الفرد"، على أنهما مترادفان، وغاير بعض العلماء بينهما، فجعل كلًّا منهما نوعًا مستقلًّا، لكن الحافظ ابن حجر يعتبرهما مترادفين لغةً واصطلاحًا، إلا أنه قال: "إن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حديث كثرة الاستعمال وقلته، فـ"الفرد" أكثر ما يطلقونه على "الفرد المطلق" و"الغريب" أكثر ما يطلقونه على "الفرد النسبي"[11].   قول الناظم رحمه الله: وَالفَرْدُ مَا قَيَّدتَه بِثِقَةِ *** أَوْ جَمعٍ اوْ قَصرٍ عَلَى رِوَايَةِ   1- ما قيد بثقة: "أي: ما انفرد به ثقة ولم يروه غيره، لكنه لا يخالف غيره، مثل حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فقد حصل الانفراد فيه في ثلاث طبقات من رواته.   2- ما قيد بجمع: ومراده بالجمع أهل البلد أو أهل القرية أو القبيلة، أو ما أشبه ذلك، فإذا انفرد بهذا الحديث عن أهل هذا البلد شخص واحد، بمعنى أن يقال: تفرد فلان برواية هذا الحديث عن الشاميين، أو تفرد برواية هذا الحديث عن الحجازيين أو ما أشبه ذلك، فهنا فرد لكنه ليس فردًا مطلقًا، بل هو في بلد معين، وقد انفرد به من بين المحدثين من أهل هذا البلد.   فمثلا: إذا قدرنا أن المحدثين في الشام ألف محدث، فروى هذا الحديث منهم واحد، ولم يروه سواه، فنقول: هذا فرد لكن هل هو فرد مطلق أو فرد نسبي؟ الجواب: فرد نسبي؛ أي: بالنسبة إلى أهل الشام.   3- أو قصر على الرواية: القصر على الرواية هي أن يقال مثلًا: لم يرو هذا الحديث بهذا المعنى إلا فلان، يعني أن هذا الحديث بهذا المعنى لم يروه إلا شخص واحد عن فلان، فتجد أن القصر في الراوية فقط، وإلا فالحديث من طرق أخرى مشهور وطرقه كثيرة، وإنما قسم المؤلف الفرد إلى هذا التقسيم؛ ليُبين أن الفرد قد يكون فردًا نسبيًّا، وقد يكون فردًا مطلقًا، فإذا كان هذا الحديث لم يروه إلا من طريق واحد بالنسبة لأهل الشام، أو أي بلد، فهو فرد نسبي، وكذلك بالنسبة للشيخ. فلو قال: تفرد به فلان عن هذا الشيخ، فإنه يسمى فردًا نسبيًّا، والفرد النسبي غرابته نسبية، والفرد المطلق غرابته مطلقة"[12].


[1] "علوم الحديث" ص(80)، "تدريب الراوي" (1/ 218)، "عقد الدرر" (174). [2] "الثمرات الجنية شرح البيقونية" لابن جبرين ص (97). [3] "شرح البيقونية" لابن عثيمين ص (113). [4] "الثمرات الجنية" ص (97). [5] انظر: "تيسير مصطلح الحديث" ص (29). [6] "عقد الدرر" ص (170). [7] "عقد الدرر" ص (170). [8] رواه الترمذي (1095)، وأبو داود (3744). [9] "التبصرة والتذكرة" (1/ 218). [10] "الثمرات الجنية" ص(97). [11] "نزهة النظر مع النكت" ص (76)، وانظر: "تيسير مصطلح الحديث" ص (28). [12] "شرح البيقونية"؛ لابن عثيمين ص (114-115).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن