أرشيف المقالات

الحذر من انتهاك محارم الله

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2الحذر من انتهاك محارم الله
عَنْ ثَوْبان رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي، يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ، أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا))، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ، قَالَ: ((أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))؛ رواه البيهقي وابن ماجه.   فإذا كان صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان رضي الله عنه، يخاف أن يكون منهم، ويحذر أن يكون من جملتهم؛ فماذا سنقول نحن، والتقصير قد ملأ حياتنا، والشهوات قد أحاطت بنا من كل جانب؟..
فهذا الصحابي ثوبان رضي الله عنه يقول: "صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ"، فيجيب صلى الله عليه وسلم بما لم يكن في الحسبان، ويخبر أنهم من المسلمين، ولهم من الأعمال الجليلة ما لهم؛ لكنهم جعلوا الله عز وجل أهون الناظرين إليهم عندما راقبوا الناس، فعملوا في الظاهر ما يخالف الباطن، ووقعوا في محارم الله، ونسوا أو تناسوا أن الله بكل شيء عليم، وأنه يعلم السر وأخفى.
ومحارم الله: هي كل ما حرَّمه الله تعالى من الصغائر والكبائر.   فلماذا هؤلاء انتهكوا المحرمات؟ لأنه ليس في قلوبهم من التقوى ومراقبة الله عز وجل ما يكفي لحجزهم عن الحرام، فأكلت سيئاتهم حسناتهم، وأصبحت حسناتهم هباءً منثورًا، وتأملوا كيف أن الله تعالى أراهم حسناتهم كالجبال، ثم جعلها أمامهم هباءً منثورًا ليزيدهم حسرة.   فبعض الناس إذا اختلى بنفسه، لم يراقب الله تعالى، ولم يَسْتَحِ منه، فوقع في المحرَّمات، والاختلاء لا يشترط فيه الخلوة عن الناس، فقد ترى شابًّا يجلس أمام والديه وإخوته؛ ولكنه ينظر في جواله يقلب صفحات الإنترنت على مواقع إباحية وجلساؤه لا يعلمون به، وقد ترى شابًّا يسافر إلى بعض الدول التي تعلن الفجور، فيفجر معهم؛ لأنه لا يرى فيها أحدًا يعرفه، ناسيًا ربَّه المطَّلع عليه، ومن هؤلاء من تكون خلواته في مشاهدة القنوات الفضائية الفاسدة، والنظر في الإنترنت إلى المواقع الفاضحة، واستعمال أسماء مستعارة للمحادثة والمراسلة مع الأجنبيات، وقد تجد لهؤلاء نصيبًا من الصلاة والصيام، ومن هنا كان هذا الحديث محذِّرًا لهم أن يجعل حسناتهم هباءً منثورًا يوم القيامة، إن لم يبادروا بالتوبة.   إذَا مَا خَلَوتَ الدهْرَ يَومًا فَلا تَقُل خَلَوتُ وَلكن قُل عَليَّ رَقيب وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُل ساعةً وَلا أنَّ مَا يَخْفى عَلَيْه يَغيب   فالواجب على المسلم أن يحذر من ذنوب الخلوات، فالله تعالى قد ذمَّ مَنْ يستخفي بذنبه من الناس، ولا يستخفي من الله؛ قال تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108].
ولنعلم بأن ذنوب الخلوات مدعاة لسوء الخاتمة؛ قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "أجمع العارفون أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأن طاعة السر هي أصل الثبات".   ولنعلم أن الله تعالى قد يبتلي عبده فيُهيِّئ له معصية، ليرى هل يخافه بالغيب؟ أم أنه لا يخشاه إلا بحضور الناس فقط؟ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 94]، فانتبه يا عبدالله من المعصية حين تكون وحدك؛ ولذلك كان أجر من دعته امرأة ذات منصب وجمال بعد أن اختلت به، الاستظلال تحت العرش يوم القيامة؛ لأنه قال لها: ((إني أخاف الله))، فلنخْشَ الله تعالى في السر والعلن، ولا نجعل الله تعالى أهون الناظرين إلينا، ولنكثر من الطاعات والعبادات في السر والخفاء؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12].
الخلاصة التي ينبغي أن نخرج بها: أن نحفظ حديث ثوبان رضي الله عنه حفظًا جيدًا، ونجعله نصب أعيننا، فهو حديث مهم؛ قال فيه صلى الله عليه وسلم: ((لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي، يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا))، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ، قَالَ: ((أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ؛ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا)).   فاللهَ اللهَ في السرائر، فيجب على كل مسلم أن يصلح سريرته، وليكن حرصه على باطنه وسريرته أعْظَمَ من حرصه على ظاهره ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ﴾ [الطارق: 9، 10].   فلا يكفي أن تجمع الحسنات؛ وإنما المهم أن تحافظ على هذه الحسنات حتى لا تذهب هباءً منثورًا.   وإِذَا خَلَوْتَ بِرِيبَةٍ فِي ظُلْمَةٍ وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إلَى العصيان فَاسْتَحي مِنْ نَظَرِ الإِلَهِ، وَقُلْ لَهَا إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلامَ يَرَانِي



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير