أرشيف المقالات

همسات.. وماذا بعد انتصار النقاب؟!

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2همسات..
وماذا بعد انتصار النقاب؟!
ظللنا في الأيام الماضية نتحدث كثيرًا بخصوص ذاك الأمر الذي ذاع ذكره وانتشر خبره، وهو تكالب العلمانيين والماسونيين والمتفيهقين على شرع الله تبارك وتعالى، وعز وجل، كعادتهم مذ كانوا، وكانت هذه المرة الحرب على النقاب ومنْع الأخوات العفيفات المنتقبات من حضور الامتحانات، ولا عجب؛ فالذي جدَّد الحرب يضاف لاسمه كلمة شيخ! حين هاجم طفلةً في فصلها؛ لأنها مُنْتقبة، وتكلَّم بعدها بكلام متناقض، إن دلَّ يدلُّ على تشتُّتٍ حادٍّ، وإرضاءِ منصبٍ زائلٍ، لا أكثر ولا أقل؛ لأنه قال عكسَه منذ زمنٍ، هو ونظيره على إحدى الفضائيَّات المنوعة، حين تلقَّى اتصالًا من إحدى الأخوات تسأله عن حكم النقاب، والتفصيل في ذلك، أو أن تيكما الرأسين قد أصبحتا معتدلتين أكثر واستعادتا رشدهما، وبدا لهما الصواب بمجرد صعود درج المنصب، فرجعَا عن قوليهما السابق!   نعود للحرب الجديدة القديمة التي لن تقف حتى تكون الغلبة للحقِّ بأمر الله؛ فهي سُنَّة من سُنن الله تبارك وتعالى، وعز وجل، ألا وهي التدافع، ويعود النصر للحقِّ شريطة أن يكون حماةُ الحقِّ ينصرونه بحق، ولو على جماجمهم، وعظامهم، ولحمهم، ودمهم، وكان هذا واضحًا جليًّا في الجيل الأول رضوان الله عليهم أجمعين؛ لذا كان على أيديهم النصر، فلمَّا تدنَّى الحال مُنع النصر، بل وحلَّ مكانه ذلٌّ وهوانٌ، وذلك مُشاهَد لا يُنكر.   وللنصر إعداداتٌ وأعمال؛ فالعدوُّ مُتعدِّدٌ متلوِّن، متعددُ الطرق، وكلها طُرق هلاك، متلوِّن الأفكار، وكلها أفكار هدمٍ بلا شك، فمصَبُّها وهدفها واضحٌ جليٌّ هو النيل من الدِّين وثوابتِه.
فلا أتمَّ الله لهم مرادًا أبدًا.   وفي كلِّ جولةٍ يكون النصر بقدر اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وعز وجل، بل ويزيد وربِّي بكرم ربِّي وفضله، بل وكل النصر فضلٌ وكرمٌ منه جل وعلا، لكنَّ العمل والأخذ بالأسباب مهمٌّ، فأعداء الحقِّ لا ينامون، وجُلُّ أوقاتهم تدبير وتخطيط للفتك بالحقِّ وأهله، بل وأحيانًا يكون هدفهم فقط إشغال أهلِ الحقِّ بهم حتى يَنفضُّوا عن الانشغال بالحقِّ نفسه، فسبحان الملِك!   وبعد حُكم المحكمة الإدارية العُليا، الذي يُعتبَر نصرًا مستحقًّا، لا شفقةً ومنَّةً في إحدى جولات الحقِّ مع الباطل - فرح الناس كثيرًا، وأنا ممن فرحوا بكلِّ تأكيدٍ لنيل أخواتنا - حماهنَّ الله، وحفظهنَّ من كلِّ سوء - حقَّهنَّ في الستر والعفاف، الذي هو الأصل، وغيره هو الشاذ الذي لا بد أن يُحارب.   ولكن بعد هذا الحقِّ المستردِّ، هل يتوقف العمل؟! سؤال مناسب في وقت أظنُّه مناسبًا، خاصَّةً بعض الطعونات على الحُكم، كاستكمال لمسيرة الحرب التي يسير في ركبها - كما أسلفنا - العلمانيُّون والماسونيُّون وأشباههم.   فلا بد إذًا من التسلُّح بالعِلم؛ لأن الجاهل لا يَعلَم كيف يردُّ الشبهة عن نفسه فيسلم بها، ويُصاحب ذلك موافقة هواه لهذه الشبهة، وآهٍ وقتها يتشرَّبها القلب، فتصير معتقدَهُ، فيصبح ويمسي مدافعًا عنها؛ لأنها وافقَتْ هواه، ويخشى حتى أن يصل للحقِّ رغم أنه جَليٌّ، فتارةً يكتب كتابًا، وتارةً يسجِّل حلقةً هنا أو هناك، أو حتى يمرِّر رسالةً عبر بريده الإلكتروني، ويضعها في أحد المنتديات لاستحسانها، وليس فيها من الحسن حتى مقدار نقرة؛ لذا فطلبُ العِلمِ أمرٌ مهمٌّ للغاية خاصَّةً في زمانٍ كزماننا، فهو الدرع الواقي، والسهم الرادع لكلِّ مَن تُسوِّل له نفسه للنيل من ثوابت الدِّين من الجَهَلَة أو الحاقدين.   تعجَّبت كثيرًا حين قال الناس: تلبس الأختُ المنتقبة الكمامة، قلت: المشكلة أنها حرب على الفضيلة، فلو انثَنَى مَن يحملها لإرضاء مَن يحاربها، لضاع الأمر.   فالحلُّ كما قال أهل العِلم، والأوْلَى الاستماع لهم والعودة إلى البيت متى رُفض دخول الأخت بنقابها؛ فنقابك دينك، والأمر ابتلاء وتمحيص؛ قال تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 2].   يقول الإمام الطبري رحمه الله: "أَظَنَّ الذين خرجوا يا محمد من أصحابك مِن أذى المشركين إياهم: أن نتركهم بغير اختبار، ولا ابتلاء امتحان، بأن قالوا: آمنَّا بك يا محمد، فصدَّقناك فيما جئتنا به مِن عند الله؟! كلاَّ، لنختبرهم؛ ليتبيَّن الصادق منهم من الكاذب".
اهـ؛ "تفسير الإمام الطبري".   فالأمر ابتلاءٌ وهو سُنَّة من سُنن الله تبارك وتعالى، وعز وجل، فالثابت فيه ناجٍ سالمٌ، والمتعلِّل فيه بعلل الدنيا مخدوش مُكوَّم.   وواجبُنا مع العِلم العملُ، فتعلُّم العِلم ليس غايةً، إنما هو وسيلة لعبادة الله على بصيرة حين نمحو الجهل، ونعلِّم الناس الدين ونشر الفضيلة، وهذا مبعث جدٍّ واجتهاد، لا مبعث تفريط وإضاعة، فلا يقول قائل: لا أتعلَّم كثيرًا حتى أطبِّق، فأقول لك: ليس هذا المراد، إنما المراد أن تُحصِّل كثيرًا، وتعمل به قدر اليسر والوسع، ويفتح الله على مَن شاء بما شاء.   فليس المراد منا تعلُّمًا دون عمل؛ فالأعمال مُدوَّنة، والشهود كُثر، فالله المستعان.   قال تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].   قال مجاهد: "هذا وعيد؛ يعني: من الله تعالى للمخالفين أوامرَه بأنَّ أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى المؤمنين، وهذا كائن لا محالة".
ا هـ ؛ "رواه الإمام ابن كثير في تفسيره".   وواجب علينا أيضًا أن نأمرَ بالمعروف؛ فإن الأمر بالمعروف واجبٌ على كلِّ مسلمٍ بحسب الوسع واليسر، فهو ليس أمرًا استحبابيًّا، مَن شاء فعل ومَن لم يشأ لم يفعل!   وواجب أيضًا أن ننهَى عن المنكر، فلا نرى منكرًا نستطيع إنكاره إلا وأنكرناه بالضوابط الشرعيَّة؛ عملًا بما رواه مسلم؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن رأى منكم منكَرًا فليغيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))؛ مسلم، (49).   وليس هذا موضع تفصيلها؛ لكنَّ إنكار المنكر أمرٌ هامٌّ متى استطعت إلى ذلك سبيلاً، مع مراعاة الحكمة وقياس المفاسد والمصالح، والأخذ برأي العلماء، فلا تظنَّ أنك شجرةٌ وما زلت فَسِيلة، وما أكثرَ الفسائلَ التي تظنُّ نفسها أشجارًا!   ولا شك في أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب خيريَّة هذه الأمة؛ قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].   وفي تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله إشارة واضحة على أهمِّيَّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه لا يفعله بطبيعة الحال إلا مؤمنٌ بالله.   وواجب علينا تربية النشء، فأبناؤنا هم أمانةٌ في أعناقنا، وواجبنا تجاههم أن نحفظهم في ظلِّ هذا العالَم المتغيِّر المملوء بالفتن؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته))؛ متفق عليه.   فلا بد أن نكون على قدْر هذا الأمر، وأن نأخذه بجدٍّ، ويكون في قلوبنا وبين أعيُننا إعدادُ جيلٍ يُوَحِّد الله بحقٍّ؛ فهم الأمل المرجوُّ، بارك الله في أبناء وبنات المسلمين.   وواجب علينا الصبر على كلِّ ذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر:1 -3]. ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾، يقول الإمام الطبري: "وأوصَى بعضُهم بعضًا بلزوم العمل بما أنزل الله في كتابه من أمره، واجتناب ما نهى عنه فيه".
ا هـ؛ "تفسير الإمام الطبري". ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾، يقول الإمام الطبري: "وأوصَى بعضُهم بعضًا بالصبر على العمل بطاعة الله"؛ "تفسير الإمام الطبري".   والناظر في حال نفسِه ليجد العجَب العُجاب في عدم الصبر، فمَن صَبَرَ على أمرٍ لا يصبر على نهي، ومَن صَبَرَ على نهي لا يصبر على أمر، وقلَّما نجد في أنفُسنا صبرًا وثباتًا على هذا الصبر، وهذا واقعٌ مشاهَد حين تَحْدُث ضجَّة على أمر مُعيَّن نتحمَّس؛ لنجعل كلمة الحقِّ هي العليا، ثم بعدها فتور يتْبعه فتور، ولا حول ولا قوة إلا بالله!   وإنْ أُصيبَ الواحدُ منِّا في الله يُهوِّلِ الأمرَ، وكأنه أصيب بمثل ما أُصيب به الأوائل رضوان الله عليهم أجمعين، رغم أنه بالقول يقول اللهُ يبتلي، وبالقلب والعمل تراه يجزع، فالله المستعان.   عن خبَّاب بن الأرت رضي الله عنه قال: "شكوْنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بُردةً له في ظلِّ الكعبة، قلنا له: ألا تَستَنصِر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: ((كان الرجُل فيمَن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار فيُوضع على رأسه، فيُشق باثنتين، وما يَصُدُّه ذلك عن دينه، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه مِن عظم أو عصب، وما يَصُدُّه ذلك عن دِينِه، والله لَيتِمَّنَّ هذا الأمر، حتى يَسِيرَ الراكبُ مِن صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون))؛ البخاري، (3612).   فالصبرَ الصبرَ يا أهل الإيمان على التزام الطاعة والفضيلة، والبُعد عن المعصية والرذيلة، وعلى الأذى في سبيل الله. نسأل الله أن يُصْلِحَنا ولا يَسْتَبْدِلَ بنا، آمين. هذا؛ وما كان مِن توفيق فمِن الله، وما كان مِن شر فمِن نفسي والشيطان. ونستغفر الله ونتوب إليه.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير