أرشيف المقالات

قاعدة حكم الحاكم يرفع الخلاف

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2قاعدة حكم الحاكم يرفع الخلاف الحمد لله رب العالمين وبعد من القواعد الفقهية قاعدة حكم الحاكم يرفع الخلاف وربما أخطأ البعض في فهم المراد من القاعدة وطبقها في غير محلها فالمقصود بهذه القاعدة أن حكم القاضي بين المتخاصمين ملزم لهم ورافع للخلاف فليس للمفتي أن يرد حكم القاضي ويوجه المستفتي بخلافه فمثلا لو أن القاضي حكم بالحضانة للأم ثم استفتى الأب فليس للمفتي أن يقول للمستفتي الحضانة لك ولا يجب عليك تسليم الصغير لأمه -وإن كان يعتقد ذلك وأن اجتهاد القاضي مرجوح- ولو لم يقل بذلك لم استقام حكم.   وليس معنى القاعدة أن اختيار السلطان لقول من الأقوال ملزم ورافع للخلاف ويلزم الأمة رأيه.   قال القرافي في الفروق (2/103) حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم وتتغير فتياه بعد الحكم عما كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب العلماء فمن لا يرى وقف المشاع إذا حكم حاكم بصحة وقفه ثم رفعت الواقعة لمن كان يفتي ببطلانه نفذه وأمضاه ولا يحل له بعد ذلك أن يفتي ببطلانه وكذلك إذا قال إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها وحكم حاكم بصحة هذا النكاح فالذي كان يرى لزوم الطلاق له ينفذ هذا النكاح ولا يحل له بعد ذلك أن يفتي بالطلاق هذا هو مذهب الجمهور وهو مذهب مالك.   و قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: (35/372) ليس المراد بالشرع اللازم لجميع الخلق حكم الحاكم ولو كان الحاكم أفضل أهل زمانه بل حكم الحاكم العالم العادل يلزم قوما معينين تحاكموا إليه في قضية معينة لا يلزم جميع الخلق ولا يجب على عالم من علماء المسلمين أن يقلد حاكما لا في قليل ولا في كثير إذا كان قد عرف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بل لا يجب على آحاد العامة تقليد الحاكم في شيء بل له أن يستفتى من يجوز له استفتاؤه وإن لم يكن حاكما.   و قال مجموع الفتاوى (3/238-240) الأمة إذا تنازعت في معنى آية أو حديث أو حكم خبري أو طلبي لم يكن صحة أحد القولين وفساد الآخر ثابتا بمجرد حكم حاكم فإنه إنما ينفذ حكمه في الأمور المعينة دون العامة ولو جاز هذا لجاز أن يحكم حاكم بأن قوله تعالى ﴿ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة:228] هو الحيض والأطهار ويكون هذا حكما يلزم جميع الناس...
والذى على السلطان في مسائل النزاع بين الأمة أحد أمرين إما أن يحملهم كلهم على ما جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة لقوله تعالى ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء:59] وإذا تنازعوا.
فَهِم كلامَهم إن كان ممن يمكنه فهم الحق فإذا تبين له ما جاء به الكتاب والسنة دعا الناس إليه أو أن يقر الناس على ما هم عليه كما يقرهم على مذاهبهم العملية...   أما إلزام السلطان في مسائل النزاع بالتزام قول بلا حجة من الكتاب والسنة فهذا لا يجوز باتفاق المسلمين ولا يفيد حكم حاكم بصحة قول دون قول في مثل ذلك إلا إذا كان معه حجة يجب الرجوع إليها فيكون كلامه قبل الولاية وبعدها سواء أهـ.   فليس اختيار السلطان لقول من الأقوال ملزم للأمة وهذا الذي كان عليه الصحابة رضي الله عنهم.   فعن سعيد بن المسيب قال اجتمع علي وعثمان: ( بعسفان فكان عثمان رضي الله عنه ينهى عن المتعة أو العمرة فقال علي رضي الله عنه ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه فقال عثمان رضي الله عنه دعنا منك فقال إني لا أستطيع أن أدعك فلما أن رأى علي رضي الله عنه ذلك أهل بهما جميعا" رواه البخاري (1569) ومسلم (1223) واللفظ له.فلم يترك علي رضي الله عنه التمتع لرأي عثمان رضي الله عنه ولم يكن رأي عثمان ملزما لعلي).   وكان عمر رضي الله عنه يفتي بأن من بانت بينونة صغرى ثم نكحت زوجا آخر ثم طلقت عادت لزوجها الأول بما مضى من الطلاق فعن أبي هريرة رضي الله عنه يقول سألت عمر رضي الله عنه عن رجل من أهل البحرين طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين فتزوجت ثم إنَّ زوجها طلقها ثم إنَّ الأول تزوجها على كم هي عنده قال هي على ما بقي من الطلاق" رواه عبد الرزاق (11150) وسعيد بن منصور (1525) وابن أبي شيبة (5/101) وإسناده صحيح ولم ير ابن عباس وابن عمر أن فتوى الفاروق رضي الله عنه وغيره من كبار الصحابة رضي الله عنهم ملزمة فأفتيا بخلافه.   فعن ابن عباس: "أنَّه قال النكاح جديد والطلاق جديد " رواه عبد الرزاق (11166) بإسناد صحيح.   وعن ابن عمر: "قال النكاح جديد والطلاق جديد " رواه عبد الرزاق (11164) بإسناد صحيح.   فقاعدة حكم الحاكم يرفع الخلاف خاصة في حكم القاضي في مسألة معينة وليست عامة والله أعلم.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١