أرشيف المقالات

مرتبات موظفي الدولة

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2مرتبات موظفي الدولة
أخذ الرزق: تعريفه: لغة: الرِّزق: اسم لما يرزقه الله الخلق، والرَّزق المصدر.   اصطلاحًا: المال الذي يعطى من بيت المال لمن يتولى أمرًا للمسلمين تتعدَّى مصلحتُه إليهم.   مرتبات موظفي الدولة: مَن يقوم بمصالح المسلمين العامة الدينية؛ كالمؤذن، والإمام، والمعلم، والقاضي، أو الدنيوية؛ كالطبيب، والجندي، وغيرهم - يعطون من بيت مال المسلمين، لتفرغهم لهذه الأعمال؛ فمرتباتهم رزق لا إجارة، وعلى هذا فقهاء الإسلام.   قال القرافي: "القضاة يجوز أن يكون لهم أرزاق من بيت المال على القضاء إجماعًا، ولا يجوز أن يستأجروا على القضاء إجماعًا؛ بسبب أن الأرزاق إعانة من الإمام لهم على القيام بالمصالح، لا أنه عوض؛ فالأرزاق مجمع على جوازها؛ لأنها إحسان ومعروف، وإعانة لا إجارة"[1].   وقال القرطبي: "كل من عمل للمسلمين عملاً من أعمالهم العامة؛ كالولاية، والقضاء، والحسبة، والإمامة - فأرزاقهم في بيت مال المسلمين، وأنهم يعطون ذلك بحسب أعمالهم"[2].   وقال الغزالي: "كل من يتولى أمرًا يقوم به تتعدى مصلحته إلى المسلمين، ولو اشتغل بالكسب لتعطل عليه ما هو فيه - فله في بيت المال حقُّ الكفاية، ويدخل فيه العلماء كلهم؛ أعني: العلوم التي تتعلق بمصالح الدين؛ من علم الفقه، والحديث، والتفسير، والقراءة، حتى يدخل فيه المعلمون، والمؤذنون، وطلبة هذه العلوم أيضًا يدخلون فيه؛ فإنهم إن لم يُكْفَوا لم يتمكنوا من الطلب، ويدخل فيه العمال، وهم الذين ترتبط مصالح الدنيا بأعمالهم، وهم الأجناد المرتزقة الذين يحرسون المملكة بالسيوف عن أهل العداوة وأهل البغي وأعداء الإسلام، ويدخل فيه الكتَّاب، والحساب، والوكلاء، وكل من يُحتَاج إليه في ترتيب ديوان الخراج؛ أعني: العمال على الأموال الحلال لا على الحرام؛ فإن هذا المال للمصالح.   والمصلحة إما أن تتعلق بالدين أو بالدنيا؛ فبالعلماء حراسة الدين، وبالأجناد حراسة الدنيا"[3].   وقال العيني: "كل من فرَّغ نفسه لعمل من أمور المسلمين، يستحق على ذلك رزقًا كالقضاة، وليس ذلك على وجه الإجارة؛ لأنها لا تكون إلا على عمل معلوم، ومدة معلومة، وأجرة معلومة"[4].   وقال البهوتي: "وله أخذ رزق على ما يتعدى نفعه؛ كالقضاء، والفتيا، والأذان، والإمامة، وتعليم القرآن، والفقه، والحديث ونحوها، كما يجوز أخذ الوقف على من يقوم بهذه المصالح المتعدي نفعها؛ لأنه ليس بعِوَض، بل القصد به الإعانةُ على الطاعة، ولا يخرجه ذلك عن كونه قربةً، ولا يقدح في الإخلاص؛ لأنه لو قدح ما استُحِقت الغنائم"[5].   وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضًا وأجرة، بل رزق للإعانة على الطاعة؛ فمن عمل منه أثيب، وما يأخذه رزق للإعانة على الطاعة، وكذلك المال الموقوف على أعمال البر، والموصى به، والمنذور كذلك ليس كالأجرة"[6].   وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "كل من عمل عملاً متعديًا للمسلمين؛ فله حق من بيت المال… بعضهم يكون أهلاً للإمامة، أو قارئًا، أو فقيهًا، ولا يرغب في العمل بذلك؛ لأنه يقول: إنه سوف يعطى مكافأة من بيت المال، فنقول: أنت الآن لست مستأجرًا"[7].   ففقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم ينصُّون على أن ما يأخذه موظفو الدولة من بيت المال هو رزق وليس إجارة، ولم أقف على أحد خالف في هذه المسألة.   وليس معنى كون أن ما يأخذه الموظف رزق لا إجارة، جوازَ الإخلال بالعمل، فلو تطوع المسلم بعمل كالإمامة، والأذان؛ وجب عليه أن يقوم به على الوجه المطلوب، وإلا يدعه؛ فعدم الالتزام بالأعمال العامة يؤدي إلى تضرر الناس في دينهم أو دنياهم.   المعاش التقاعدي: المعاش التقاعدي لموظفي الدولة - كما هو الحال عندنا - جائز، والملاحظ على من حرَّم المعاش التقاعدي، أو أباح التأمين التجاري قياسًا على المعاش التقاعدي، الملاحظ على من كتب في هذا الباب - فيما وقفت عليه - أنهم لم يرجعوا إلى كلام الفقهاء المتقدمين، لمعرفة توصيفهم لما يأخذه موظفو الدولة من بيت مال المسلمين.   وليس في المعاش التقاعدي غرر، ولا ربا؛ لأنه عقد تبرع، وليس عقد معاوضة، ولا يجري الربا ولا الغرر في عقود التبرع.   وعلى القول بجواز المعاش التقاعدي علماؤنا؛ جاء في أبحاث هيئة كبار العلماء في المملكة (5/81): قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح؛ فإنه قياس مع الفارق؛ لأن ما يعطى من التقاعد حق التزم به وليُّ الأمر باعتباره مسؤولاً عن رعيته، وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة الأمة، ووضع له نظامًا راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف، ونظر إلى مظنة الحاجة فيهم؛ فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها، وعلى هذا؛ لا شبه بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية، التي يقصد بها استغلال الشركات للمستأمنين، والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة.


[1] الفروق (3/4). [2] المفهم (3/91). [3] إحياء علوم الدين (2/140). [4] البناية شرح الهداية (3/529) [5] كشاف القناع (4/12). [6] الاختيارات ص: 153. [7] الشرح الممتع (9/336).



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير